العنوان هل مضى العيد الأكبر؟
الكاتب الشيخ حسن أيوب
تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1971
مشاهدات 62
نشر في العدد 47
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 16-فبراير-1971
وهل جاءت نكسة السلاح إلا من نكسة الأخلاق؟!
وقف أكثر من مليون مسلم على جبل عرفات يقولون في وقت واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. وجاء يوم عرفة هذا العام يوم جمعة ليذكرنا بيوم شبيه به في الاسم، يوم وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الموقف حجة الوداع ونزل عليه بعد العصر شهادة من الله تعالى بكمال شريعته، وتمام نعمته، ورضائه عن الإسلام ليكون منهج حياة، ودستور أمة وقانون مجتمع أمن بربه واستسلم له، فقال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة المائدة: 3).
وكان معه -صلى الله عليه وسلم- في هذا العام من صحابته الذين آمنوا معه أكثر من مائة ألف، ما بين رجل وامرأة. وشيخ وصبي، وحر وعبد فيهم رؤساء القبائل، وزعماء العشائر، وكبار الأغنياء، وقادة الحرب ودهاة السياسة وفيهم المغمورون شهرة، والفقراء مالًا، والمتأخرون منزلة. لكن أحدًا لا يستطيع التفريق بينهم، ولا تمييز أحد منهم عن الآخر بشكله، لأن الكل متجرد من مظاهر التمييز مستسلم لله خاضع له ولا بلونه لأن مبدأ المساواة أظل الجميع: لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ولا بندائه وهتافه: فالكل ينشدون نشيدًا واحدًا لبيك اللهم لبيك، ولا بانتمائه وحزبه: فالجميع تحت راية: لا إله إلا الله والله أكبر في هذا اليوم لم يرتفع صوت واحد ليهتف باسم محمد رسول الله، الكل يعلم أنه بدأ بناء هذه الأمة مطاردًا معديًا مهجورًا قومه وأقرب الناس إليه صابرًا ثابتًا رحيمًا بمن آذوه، كريمًا مع من حاربوه وألبوا الناس عليه، حتى جاءه نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فكان جديرًا بأنشودة يتغنى بها الناس ثناءً عليه ومدحًا له ولكن شيئًا من ذلك لم، ولم يكن لرضاء النبي -صلى الله وسلم- لو كان، لأنه القائل «لا تطروني كما أطرت «مدحت» النصارى المسيح بن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله.
وكان المؤتمر الإسلامي الكبير مؤتمرًا وحيدًا على مدى الدهر فلم يسبق بمثله، ولم يلحق به شبيه، لأن الذي تولى أمره هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة سميت حجة الوداع، وكانت الأولى والأخيرة من نوعها.
وأراد الله ألا يكون فضل هذا المؤتمر منسوبًا لدولة معينة، ولا لإنسان بذاته، ولا مكان للبشر عليه سبيل.
فالمؤتمر في البلد الأمين وحول بيت الله، والداعي إليه هو الله، والمنظم له رسول الله، وشعار المؤتمر توحيد الله «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك».
وفي هذا اليوم الوحيد على مدى الدهر وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يد أمته على سر قوتها، وأساس حضارتها وعزتها وحريتها، وفجر الطاقة الكامنة في نفوس البشر حيث يوجد الإيمان بالإله الذي لا يُغلب ولا يُقهر، وحيث توجد العزة التي لا تذل لغير بارئها، والكرامة التي يحميها عرفان لا شك معه، وسلوك لا انحراف فيه، وهدف لا اعوجاج عنه. ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
وانطلقت الأمة التي فجرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باسم الله وفي حدود دين الله، لا تخيفها رعود أعدائها ولا تقربها مطامع دنیاها، ولا توقفها عن السير كبيرة عارضة أو نكسة فاضحة، فأخذت عن الله تعاليمها، واتخذت من رسوله قائدًا لها، ودوى باسم الله صوتها، وعلى ضوء الكتاب
الكريم شقت طريقها في الحياة ورأى العالم أمة تحب الموت كما يحب الناس الحياة.
ويقود معركتها صبي فينتصر على أضعاف جنده، أو شیخ كبير فيزلزل الأرض تحت عدوه أو قائد خبر الحرب فيدمر الإمبراطوريات العريقة، ويسقط رايات الظلم والظلام راية بعد راية ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ﴾ وزالت عروش، وانتصر الإسلام وقامت به إمبراطورية المسلمين وكان للإسلام في كل نصر عيد أكبر، وما أشبه الليلة بالبارحة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها وأن أكبر عار يلحق الأمة الإسلامية، ويمرغ تاريخها في الرغام أن تورث جيلها المعاصر وما يعقبه من أجيال، ذل نكسة لم تصب بمثلها أمة الإسلام من قبل، وأن تترك شبابها في فراغ، ونساءها في ضياع، ومبادئها في مضطرب الأمواج المتلاطمة من شرقي الدنيا وغربيها. ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ وقد سمعنا من المنحرفين كثيرًا فما وجدناهم جاءوا بطائل، وإن عارًا على أمة مسلمة أن يصل بها الخلط إلى حد أن تحارب في الظاهر أعداءها العسكريين وهي في نفس الوقت تسلم نفسها لأعدائها المدنيين كأنها لا تجد الفرق إلا في الملبس والمدفع.
إن إسرائيل التي تحاربنا طائراتها ومدافعها وصواريخها هي نفسها التي تحارب مبادئنا وأخلاقنا وقيمنا ومواريثنا الحضارية التي عزت بها أمتنا ثلاثة عشر قرنًا كما لم تعتز بمثلها أمة من الأمم.
فالأفلام الساخرة منا، والكتب العارية، والدعوة المكشوفة إلى الفسوق والفجور، والموضات الوافدة
إلى نسائنا وفتياتنا وشبابنا، والأفكار المنحلة والهدامة كل ذلك صنيع أعدائنا من أجل حربنا ودوام نكستنا. فكيف بنا نبذل المال والسلاح، والخطب، والأعلام في سبيل إزالة نكسة السلاح وفي نفس
الوقت نفتح قلوبنا وعقولنا وبلادنا لتقبل نكسة الأخلاق والمبادئ من أعدائنا؟
وهل جاءت نكسة السلاح إلا من نكسة الأخلاق؟؟ إننا يوم نتحرر من هذا الخلط الفاجع الخطير سيكون لنا عيد أكبر.
الشيخ حسن محمد أيوب
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل