العنوان سياحة القلب المؤمن- الإيمان بالله تعالى
الكاتب أحمد الفوزي
تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
مشاهدات 14
نشر في العدد 412
نشر في الصفحة 12
الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
- ما حقيقة الإيمان بالله؟
- ما الفرق بين الإيمان وبين الإسلام وتجسد الإيمان فيه؟
كلنا سمعنا وما زلنا نسمع هذه الكلمة الطيبة: الإيمان، وكلنا يرددها كل يوم عشرات المرات. ولكن إذا سألت ما الإيمان؟ وما حقيقته وجوهره؟
لرأيت وسمعت كثيرًا من الأجوبة؛ فمنهم من يجعل الإيمان اعتقادًا بالقلب، ومنهم من يجعله قولًا باللسان، ومنهم من يجعله أعمالًا وشعائر، ومنهم من يجعله مجرد معرفة ذهنية باردة، ومنهم من يقول غير ذلك.
ولكن الإيمان ليس مجرد إعلان المرء بلسانه أنه مؤمن، فما أكثر المنافقين ﴿الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ (المائدة: 41)، وقد وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة: 8، 9).
وليس الإيمان مجرد قيام الإنسان بأعمال وشعائر اعتاد عليها، فما أكثر الدجالين الذين يتظاهرون بالصالحات وأعمال الخير وقلوبهم خاوية من الخير والصلاح والإخلاص لله تعالى، مثلما يخبرنا القرآن الكريم إذ يقول: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (النساء: 142).
وليس الإيمان أيضًا مجرد معرفة ذهنية بحقائق الإيمان، فكم من قوم عرفوا حقائق الإيمان ولم يؤمنوا، وقد وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ﴾ (النمل: 14) وذلك لأن الكبر أو الحسد أو حب الدنيا قد حال بينهم وبين الإيمان الذي عرفوه بعقولهم ورأوه بأعينهم، كما يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 146).
حقيقة الإيمان
إن الإيمان في حقيقته إذن ليس مجرد عمل لساني ولا عمل بدني ولا عمل ذهني فقط؛ بل إنه في حقيقته بالإضافة إلى ما تقدم شعور نفسي يبلغ أغوار النفس والقلب والضمير، ويحيط بها كلها من إدراك وإرادة ووجدان وتصديق قلبي بالله ورسوله، لا يرد عليه شك ولا ارتیاب تصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، ولا تهجس فيه الهواجس، ولا يتلجلج فيه القلب والشعور، والذي ينبثق منه سلوك إيماني جديد، فالقلب متى تذوق حلاوة هذا الإيمان واطمأن إليه وثبت عليه لا بد مندفع لتحقيق حقيقة هذا الإيمان خارج القلب في واقع الحياة، يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة إيمانية وما يحيط به في ظاهره من مجربات الأمور وواقع الحياة، ولا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الإيمانية التي تتلألأ في حسه والصورة الواقعية من حوله.
هذا هو الإيمان الحق، فإذا فقد بعض عناصره فإن ما بقي منه لا يمكن أن يسمى إيمانًا، بل فكرة أو نظرية أو رأيًا. وهناك فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده، فإذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك؛ بينما إذا اعتقدته جرى في دمك وسرى في أعماق قلبك واستقر فيها.
وهذا الإيمان الحق هو الإيمان الذي يتجسد في خاتمة العقائد السماوية عقيدة الإسلام.. هذه العقيدة التي تحل لغز الوجود وتفسير سر الحياة والموت، وتجيب عن أسئلة العقل القديمة معًا: من أين؟ وإلى أين؟ ولم؟
إن هذه العقيدة هي التي بعث بها الله تعالى جميع أنبيائه، ونزلت بها الكتب السماوية قاطبة قبل أن ينال منها التحريف والتبديل. إنها الحقائق الخالدة التي لا تتطور ولا تتغير.
وإن كل ما فعله الإسلام الحنيف هو أنه نقى هذه العقيدة من الشوائب الدخيلة، وصفاها من الأجسام الغريبة، وأعاد فكرة التوحيد الناصعة الى صفائها، ونقى كمال الألوهية مما شابها على مر العصور، وخلص فكرة النبوة والرسالة مما عراها من سوء التصور، ونقى فكرة الحساب والجزاء في الآخرة مما دخل عليها من أوهام الجاهليين وتحريف المغالين.
هذا هو الإيمان الذي يجب أن نعتنقه وأن نترجمه سلوكًا ينير الواقع بأنواره الإلهية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل