; بلا حدود: الوجه الآخر للحضارة الغربية! | مجلة المجتمع

العنوان بلا حدود: الوجه الآخر للحضارة الغربية!

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

مشاهدات 713

نشر في العدد 1226

نشر في الصفحة 29

الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

رغم أن إيطاليا هي إحدى الدول الصناعية السبع الكبرى، بما يعني أنها إحدى الدول الغنية التي تتمتع بالرفاهية إلا أن الوجه الحقيقي لإيطاليا يختلف كثيرًا عن ذلك، فالفساد السياسي والاجتماعي والخلقي وعصابات المافيا بأنواعها وأشكالها المختلفة تنخر في كل أركان الدولة وزواياها، بما يجعل الصورة من الداخل تتجه في حقيقتها إلى الفناء والدمار، فإذا كانت مواطن الفساد في الدول الغربية لها أماكنها المعروفة لمرتاديها فإن الوضع يختلف في إيطاليا، حيث أصبحت الشوارع كلها منتدى للفسق والدعارة على مدار الساعة وفي معظم الأماكن، وأصبحت العصابات التي تنخر بفسادها في كل أركان الدولة تجلب هؤلاء الفتيات من كل أنحاء الدنيا، وتقذف بهن إلى شوارع روما وميلانو وكل المدن الأخرى في صورة مقززة تؤكد أن هذا المجتمع في طريقه إلى الفناء المحتوم وأقسى ما يصيب الإنسان بالكآبة أن يرى الرذيلة في كل شارع وعلى قارعة كل طريق حتى أنه أصبح من المستحيل أن تسلك شارعًا نظيفًا في طريقك الى هنا أو هناك.

ومما يؤكد أن مثل هذه المجتمعات تسير نحو الفناء هو إشاعة الفاحشة بشكل مقزز بين الناس، فبينما كنا نمر بالسيارة عبر أحد الشوارع الكبرى في روما، وإذ بساحة مليئة بأشباه العرايا والسيارات كأنما هي سوق، فأستعذت بالله وطلبت من مرافقي أن يسرع لتجاوز المكان، وهنا ألقى علىّ مرافقي بقنبلته التي أصابتني بالكآبة لأيام حيث قال: إن كل من في هذه الساحة لسن من النساء؟ وإنما هم من الشواذ، وأغلبهم من الرجال، حيث أصبحت التكنولوجيا تخدمهم الآن عن طريق الهرمونات لتصبح صورهن وأشكالهن أشكال النساء، لكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك، وقد أقام هؤلاء منظمة رسمية تدعى «رابطة الشذوذ الكبرى» وهؤلاء والعياذ بالله – يتم استئجارهم مثل العاهرات تمامًا من قبل الشواذ مثلهم وللأسف، فإن قوانين البلاد تحميهم، بل إنهم قاموا بمظاهرتين كبيرتين خلال الفترة الماضية للمطالبة بحقوقهم، كانت الأولى في بولونيا عام ١٩٩٥، أما الثانية فقد قاموا بها في نابولي في يوليو الماضي، وساروا شبه عرايا في شوارع هذه المدن على مرأى من الناس.

والغريب أن التعري في إيطاليا أصبح إحدى الطرق للوصول إلى مواقع التأثير السياسي، فإحدى الممثلات استطاعت الوصول إلى البرلمان بعدما كانت تجوب الشوارع شبه عارية وهي تروج لحملتها الانتخابية، أما إحدى الممثلات الإيطاليات اللائي كن مشهورات بأفلام التعري، فقد وصل زوجها إلى منصب رئيس الوزراء في يوم ما، وفي سبتمبر الماضي حينما أعلن أومبيرتو بوسي –زعيم رابطة الشمال– عن انفصال شمال إيطاليا الغني عن جنوبه الفقير، خرجت مظاهرة كبيرة من الممثلات الإيطاليات في روما للاعتراض على قرار بوسي، وفي ميدان «مونت سيتوريو» الرئيسي حيث يقع مبنى البرلمان في العاصمة روما رفعت المتظاهرات لافتات كتبن عليها «لا إسفاف أكثر من الاستخفاف... بالوحدة» واعتراضًا على الإسفاف قمن جميعًا بالتخلي عما يستر أجسادهن، ووقفن عاريات في الميدان العام أمام الناس جميعًا، بل أمام الشرطة كذلك التي تحمي البرلمان. وبسبب جنون التعري الذي يسيطر على الإيطاليات ابتلاهن الله بسرطان الجلد الذي تفشى بينهن مثل الطاعون، حتى إن آخر الإحصاءات أشارت إلى زيادة معدلات ارتفاعه بينهن بنسبة ٣٠٠٪ وذلك حسب مصادر معهد الأمراض الجلدية الإيطالية، وقد دفع هذا الأمر الحكومة إلى رصد مبلغ ٤٠٠ مليار ليرة إيطالية لمواجهة خطر سرطان الجلد الذي بدأ يفتك بهن دون أن تكون هناك نتيجة ملموسة حتى الآنلتضاؤل نسبة الإصابة.

أما آخر صيحات الفساد الخلقي في إيطاليا فهو الإعلان في سبتمبر الماضي عن تشكيل أول نقابة رسمية دولية لتبادل الزوجات، وفور الإعلان عن تشكيل هذه النقابة بلغ عدد المسجلين فيها ستة آلاف زوج وزوجة، فيما أكد صاحب المشروع أن العدد سيصل خلال فترة وجيزة إلى عشرين ألفًا، والعجيب أن مثل هذه المشروعات الوضيعة تجد من يقنن لها القوانين ويسن لها التوصيات في مجتمع أصبح كل يوم يبتكر من وسائل الإفساد والتدمير ما يعجل بفنائه، فإيطاليا تشهد منذ سنوات انخفاضًا واضحًا في النمو السكاني يجعلها مهددة تدريجيًا بالانقراض لسبب بسيط هو أن الفرد يدمر بشكل رسمي؛ ومن ثم فالأسرة تنقرض ولا مكان للتزاوج ولا للأطفال، لأن المجتمع الغربي في عمومه يربي أبناءه على الأنانية، والأنانية تعني لديهم عدم تحمل مسؤولية الغير حتى لو كانت زوجة أو أطفالًا، ولذلك فإن الحياة أصبحت لديهم شيئًا من العبث والشهوات والضياع على مدى كافة مراحل العمر، ويبدو أن هذا الأمر يريح السياسيين ومن بيدهم زمام الأمور هناك، حيث يمارسون نوعًا من الفساد السياسي الذي لا نظير له، ففي أقل من أربع سنوات منذ عام ۱۹۹۲ حتى الآن تم حل ثلاثة برلمانات وأجريت ثلاثة انتخابات في إيطاليا.

 أما المرشحون دائمًا فهم نجوم الفساد في المجتمع، حتى صار الناخب الإيطالي لا يعرف من يختار ومن الذي سينقذه من المستنقع الذي يعيش فيه، فالمافيا تضرب بجذورها في كل أركان الدولة ومؤسساتها حتى إن هناك أمام المحاكم الآن أكثر من رئيس وزراء سابق يحاكم بتهم الفساد والعلاقة بعصابات المافيا، ووراء قضبان السجون مئات السياسيين فيما آلاف آخرون يمارسون حياتهم بحرية في أركان وزوايا الفساد، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن تناوبت على الحكم في إيطاليا ٥٥ حكومة بمعدل عشرة شهور تقريبًا للحكومة الواحدة، مما يعني أن معدل الفساد السياسي لا يقل عن معدل الفساد الخلقي والإنساني والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، وأن ما يسمى بالحضارة والتقدم والتكنولوجيا ليست سوى غطاء مزيف يخفي وراءه الصورة الحقيقية لطبيعة الحياة الفاسدة في تلك البلاد، فقد يجد الإنسان رفاهية مريحة وتقدمًا تكنولوجيًا مفيدًا، ودخلًا ماديًا جيدًا، لكنه حينما يفتقد الإنسانية والآدمية والأخلاق والقيم والفطرة التي فطر الله الناس عليها، ويرى الرذيلة في كل مكان، والفساد في كل ركن وزاوية، فليعلم أن الفناء هو مصير تلك المجتمعات، فالحضارة أسلوب حياة وليست هي التقدم القتني والتكنولوجي، والذين يحلمون بالهجرة إلى تلك المجتمعات والحياة فيها فإنهم يحلمون بالهجرة إلى الفناء، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَإِذَآ أَرَدنَآ أَن نُّهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا ٱلقَولُ فَدَمَّرنَٰهَا تَدمِيرا﴾ (سورة الإسراء: آية ١٦)

الرابط المختصر :