العنوان المعركة ما زالت محتدمة بين الإسلام والتبشير
الكاتب عبدالله القصار
تاريخ النشر الثلاثاء 21-أبريل-1970
مشاهدات 92
نشر في العدد 6
نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 21-أبريل-1970
التبشير استهَدف زعزعة إيمان مختلف الناس حَتَّى الكُهول
المبشرون يكرِّرون أساليَبهم القدِيمة في الكوَيت الآن
كَيف ينحسَر المَدّ التبشيري عن الكوَيت؟!
غارة جديدة تستهدف بلادنا لتذهب بالبقية الباقية من تراث الأمة، وأخطر ما في هذه الغارة استهدافها لهذا الجزء من العالم الإسلامي، وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا الحديث، وإذا كانت الغارة الأولى بل الغارات السابقة قد حققت من النجاح أكثر مما كان يقدر لها مخططوها، حتى لقد وجد من بين أبنائنا من يقوم بتوجيه السهام المسمومة إلى صميم العقيدة، دون أن يدخله ذرة واحدة من خشية أو حياء.
وقد أوردنا في العدد الأول من «المجتمع» عدة نماذج من الأعمال التبشيرية التي كانت الكويت بالذات مسرحًا لها، كما نشرنا رأي كل من وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووكيل وزارة التربية حول الظاهرة الخطيرة وبعـض الإجراءات المضادة التي ستقوم السلطة باتخاذها.
وفي هذا العدد سنتابع الحديث عن قضية التبشير من زاوية أخرى، فنتصدى لشرح بعض الأساليب التي يتَّبعها المبشرون مع إلمامة سريعة بتاريخ التبشير وبيان لخطورة أهدافه؛ كي تنتبه الأمة إلى الخطر الداهم فتتدارکه قبل فوات الأوان:
صرخة في واد
رحم الله العلامة محي الدين الخطيب وأحسن إليه بقدر ما أحسن إلى أمته حينما بادر إلى تنبيهها لخطورة الغارة التبشيرية التي استهدفتها قبل أكثر من نصف قرن، فقد كان كتابه «الغارة على العالم الإسلامي» الذي ترجمه حرفيًا عن المستشرق الفرنسي«ا. ل. شاتليه» رئيس تحرير «مجلة العالم الإسلامي» الفرنسية، بالتعاون مع زميله مساعد اليافي، والذي حث الأمير شکیب أرسلان كل مسلم على ضرورة اقتنائه في مكتبته، كان ذلك الكتاب بمثابة ناقوس الخطر الذي علا ضجيجه بين أمة عز فيها السمع والفهم.
ولو أن المسلمين أدركوا خطورة التنبيه لتجنبوا الكثير الكثير من الويلات والمصائب والكوارث والنكسات والهزائم التي منوا بها خلال السنوات المنصرمة.
التبشير والدرب الوعر
واليوم بعد أن وصل المد التبشيري إلى أرضنا لا بأس في العودة إلى ذلك الكتاب والكتب التي جرت على نهجه لإدراك ماهية التبشير وتسليط الأضواء على أهداف وخطط وأساليب المبشرين، ولعل صرختنا هذه تجد آذانًا صاغية لدى من يعنيهم الأمر لئلا نستمر في مسيرتنا المتعثرة ودربنا الوعر.
تاريخ التبشير
يرجع «أدوين بلس» تاريخ التبشير إلى صدر النصرانية، ويذكر من مبشري القرون الوسطى «ريمون لول» الإسباني الذي أتقن العربية، وناقش علماء العالم الإسلامي آنذاك.
كما يشير في كتابه «ملخص تاريخ التبشير» إلى المبشرين الكاثوليك ودورهم في ثورة البوكسر الصينية، وتدخلهم في شؤون القضاء.
وينوه أيضا باحتكاك «بيتر هيلينغ» مع مسلمي الساحل الأفريقي، واهتمام هولندا بجزيرة جاوة أوائل القرن الثامن عشر.
أما أول دعوة للاستشراق فقد جاءت على لسان البارون «دو ويتز» سنة ١٦٦٤ الذي طالب بتأسيس مدرسة كلية لتعليم التبشير، يتعلم طلابها اللغات الشرقية.
ثم يذكر أدوار الإرساليات البروتستانتية الدانمركية والإنجليزية والألمانية والهولندية واتصالها بعضها ببعض، وينوه بدور «كاري» الذي درس لغات اللاتين واليونان والفرنسيين والهولنديين والعبرانيين، وحرص على التبشير فأسس عام ١٧٩٥ جمعية لندن التبشيرية التي شكلت على نمطها في أسكتلندا ونيويورك وألمانيا والدانمارك وهولندا والسويد والنرويج وسويسرا.
كما تأسست «جمعية التبشير في أرض التوراة العثمانية» وبعدها حققت إرساليات التبشير الطبية نجاحًا باهرًا، وأصبحت تضم أقسامًا نسائية، وأرسلت للهند والأناضول.
وسنة ١٨٥٥ أسست جمعية «الشبان المسيحيين» من الإنجليز والأمريكان، وتفرع عنها «جمعية الشبان المتطوعين للتبشير في البلاد الأجنبية».
وسنة ۱۸۹٥ أنشئت جمعية «اتحاد الطلبة المسيحيين في العالم لبث روح المحبة».
وسنة 1902 أسست جمعية تبشير الشبان لاستمالة النساء والبنات والشبان والطلبة.
وسنة 1907 ظهرت جمعية تبشيرية خاصة بالكهول.
وقد حرصنا على ذكر هذه النماذج من بدايات الحركة التبشيرية للتنويه بتعدد الحقول التي اختارتها، فهي قد استهدفت مختلف قطاعات المجتمع: من النساء، إلى الشباب، إلى الطلاب، وحتى الكهول لم تتركهم لعقائدهم التي شبوا وشابوا عليها.
الإسلام خصم التبشير
ويقرر «بلس» أن الإسلام هو العقبة القائمة في طريق التقدم التبشيري في أفريقيا، وعلى حد قوله: (الإنجيل لا يجد معارضًا من جهل السكان، ولا من الوثنية، ولكن الخصم هو الشيخ صاحب النفوذ) . ويرى: أن الملحمة الكبرى بين أوروبا والإسلام ستنشب في غربي أفريقيا أو في شماليها، ويمكن أن تستدل على حقيقة هذه الملحمة المنتظرة بالقتال الذي حدث في السودان.
وهذا القول الذي مضى عليه عشرات السنين نقرأه وكأنه وصف لواقعنا المعاصر، فلا زالت الأحداث السياسية في جنوب السودان وفي «بيافرا» التي أسدل الستار على انفصالها، وفي عشرات الوقائع المماثلة تشير إلى استمرار المعركة بين الإسلام والتبشير.
آسيا بعد إفريقيا
وإذا انتقلنا إلى آسيا ما عسانا نجد؟ في آسيا الغربية كان لـ«هنري مارتين» اليد الطولى في ترجمة التوراة إلى الهندية والفارسية والأرمنية، وقد تلقفته الهيئات التبشيرية لتنشره في تلك الربوع.
ومن بعده أخذت الإرساليات تشد الرحال إلى الأناضول مستهدفة القسطنطينية عاصمة الخلافة، وأزمير الثغر الإسلامي الكبير، ثم يممت وجهها شطر بيت المقدس، ووجدت مرتعًا خصبًا في صفوف النسطوريين واليعقوبيين، وكانت الإرساليات الأمريكية في المقدمة، رغم تأخرها عن إرساليات اليهود الإنجليز الذين استهدفوا القسطنطينية وأزمير وسالونيك.
وبعد أن تعددت الإرساليات وتضاربت نشاطاتها، اتفقت فيما بينها على توزيع أدوارها بحيث تغطي مختلف أنحاء الخلافة الإسلامية، فأخذت لجنة التبشير الأمريكية على عاتقها قبائل النصيرية، وما لبثت أن ارتدت إلى جبل لبنان بعد فتنة ١٨٦٠، أما القسطنطينية أو-الأستانة- كما كانوا يسمونها، فقد أصبحت منذ عام ١٨٤٦ مركزًا عامًا لأعمال المبشرين، ووكرًا أمينًا لنشاطاتهم، ولا سيما بعد تأسيس الكنيسة البروتستانتينية فيها.
ولم يكن اختيار المبشرين للقسطنطينية بالذات كمركز رئيسي لنشاطهم مجرد مصادفة، بل لأنها كما يقول «بلس» محط أنظار المسلمين، وعاصمة أمير المؤمنين، وفيها بيضة الإسلام على اتساع رقعة العالم الإسلامي.
ماذا في شرقي آسيا
أما في شرقي آسيا فثمة إرساليات أمريكية أسكتلندية وهولندية ونرويجية. وفي الهند مثلًا ركز «كاري» على التقاط الأطفال الفقراء لتربيتهم وإعدادهم للقيام بدور المبشرين بوصفهم من أبناء البلاد نفسها، وفي الملايو التي اعتنقت الإسلام في القرن الثالث عشر الهجري فقد سعوا إلى مزج عقائد أهلها القديمة بالكاثوليكية ثم بالبروتستانتية لضرب الإسلام هناك.
وفي الصين ذهبت إرساليات منذ عام ۱۸۱۳ واتخذت طابع المعونة الطبية، وجاء الأطباء والممرضات بثمرات كثيرة .
وراءهم.. وراءهم
ولكي ندرك خطورة المرحلة التي قطعها المبشرون الآن، لا بد من استعراض تاریخ حركتهم بشيء من الدقة والتركيز، ومتابعة مؤتمراتهم وتحليل قراراتها وتوصياتها، وملاحظة ما نُفِّذَ وما استُعْصِىَ تنفيذه منها، لا سيما وأنهم لم يربحوا معاركهم معنا حتى الآن إلا لكسلنا عن متابعتهم في أوكارهم وتسليط الأضواء على أعمالهم.
بداية الداء
ولقد كان مؤتمر 1906 الذي عقده المبشرون في القاهرة أول مؤتمر من نوعه، وجاء تنفيذًا لدعوة كبيرهم صموئيل زويمر رئيس إرسالية التبشير في البحرين آنذاك.
والهدف من ذلك المؤتمر الذي عقد في منزل عرابي باشا في باب اللوق بالقاهرة وحضره (٦٢ مندوبًا) بين رجال ونساء هو تنسيق جهود الإرساليات البروتستانتية لنشر الإنجيل بين المسلمين كما يقول زويمر نفسه الذي انتُخِبَ رئيسًا له.
وتناولت أبحاثهم في المؤتمر عدة مواضيع من بينها: «إعداد ملخص إحصائي عن عدد المسلمين في العالم، الإسلام في إفريقيا، الإسلام في السلطة العثمانية، الإسلام في الهند، الإسلام في فارس، الإسلام في الملايو، الإسلام في الصين، النشرات التي ينبغي إذاعتها بين المسلمين المتنورين، وبين المسلمين العوام، التنصر، الارتداد، وسائل إسعاف المتنصرين المضطهدين، شؤون نسائية إسلامية، تربية المبشرين والعلاقات بينهم، كيفية التعليم في الإسلام»
ولعل نظرة استعراضية خاطفة لهذه العناوين الفرعية للأبحاث التي ناقشها ذلك المؤتمر كافية لتقدير مدى العداء الذي يجابهنا به المبشرون الذين يتسترون برداء الدين، ومن شاء أن يستزيد أو يتيقن من هذه الحقيقة فإننا نحيله إلى كتاب «العالم الإسلامي» لـ «زويمر» نفسه، وللنشرة الخاصة بأعضاء المؤتمر التي أعدها «فليمينغ».
السم في الدسم
وتجنبا للإطالة في استعراض نتائج المؤتمر وما تمخض عنه من أحداث فظيعة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي مما يدركه المسلمون ويلمسون آثاره في كل مكان، نقتصر على ذكر الوسائل التي ساعدتهم على تحقيق مآربهم، ليس للذكرى والتاريخ، بل للتنبيه والإشارة لأنها ما زالت تستخدم من قبلهم وقبل تلامذتهم وأعوانهم دون تغيير يذكر.
ولقد سعى المبشرون إلى تبادل الخبرات والمعلومات وحاولوا أن يصبغون أفكارهم بالقوالب والأشكال التي تستهوي العقل الشرقي، وأدركوا مثلا إن الموسيقى والفانوس السحري والفصاحة والصوت الرخيم وتجنب الألفاظ الأجنبية مما يأسر الرجل الشرقي، فركزوا على ذلك، وكان منهم علماء لغويون ينافسون سيبويه في علم النحو والصرف، ويفوقون الخليل بن أحمد في بحور الشعر.
كما شهدنا وما زلنا نشهد الكثير من المبشرين الذين يحفظون القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ويحاجون بها بعض علمائنا. ناهيك عن تقربهم للنفوس الضعيفة بالإغراءات المادية أو المعونة الطبية أو الخدمات التعليمية ونتيجة لهذه الحملة المركزة المدروسة بإتقان، فَقَدَ الكثير من الشباب المسلم ثقته بنفسه وأحيانا بعقيدته، وأصبح يتقبل بسهولة ما يقدم له في أطباق غربية شهية على شكل مؤلفات تاريخية واجتماعية وأدبية.
وانتشرت في ربوع بلادنا -كما هو الحال في الكويت- بعض المكتبات التي تقدم الكتب الأنيقة بأسعار زهيدة، وتسعى عن طريق رخص أسعارها إلى استجلاب الزبائن لمحادثتهم ومناقشتهم خلال ترددهم عليها.
النار من مستصغر الشرر
ولئلا يستهين أحد بهذه الوسائل التي تبدو بسيطة وغير فعالة، يكفي أن نقول إن فترة 3 سنوات فقط من النشاط التبشيري الذي اعتمد على تلك الأساليب فحسب كانت كافية للتعرف على أحوال البلاد الإسلامية ودراسة أفكار وعواطف المسلمين، بل والحصول على ثقة الكثيرين منهم عن طريق دغدغة مشاعرهم الخاصة وتأليف قلوبهم بمختلف الإغراءات والوسائل.
المد التبشيري
وهنا في الكويت، حتى فترة قريبة لم يكن عندنا كنيسة واحدة، فأصبح عندنا كنيسة معروفة وأكثر من كنيسة غير معروفة تختبئ في المدارس التبشيرية التي تزايد عددها بشكل ملحوظ، كما أصبح عندنا مكتبة «الكتاب المقدس»
العالم يحترق
في المباركية، ومكتبة «العائلة» في السالمية والحبل على الجرار.
ووصلت القحة برسل التبشير إلى حد استفزاز مشاعر المسلمين عن طريق تقديم أوراق دعوة تبين مواعيد الصلوات في الكاتدرائيات، لجمهور المصلين المسلمين وأمام المساجد الرئيسية بالذات.
وإذا كان كل ذلك لم يقنع أحدًا بخطورة الهجمة التبشيرية التي تتعرض لها الكويت، والتي بلغ مداها حدًا أصبح فيه الكثير من الناس يصلهم الإنجيل إلى بيوتهم، كما تفرق الأسواق الروايات المسموعة بل تملأ صفحات المجلات الإعلانات التبشيرية، إذا كان ذلك كله لم يكف لإقناع المسؤولين بالتحرك، فهو عهدنا مع القراء في المزيد من المعلومات حول خطر التبشير والمبشرين وأساليب مكافحتهم في دراسة قادمة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

5 مليون مسلم في ماليزيا يعانون من ضغط الاستعمار والتبشير.
نشر في العدد 37
24
الثلاثاء 24-نوفمبر-1970
