; «تغريبة» التسوية المازنية | مجلة المجتمع

العنوان «تغريبة» التسوية المازنية

الكاتب عبد الرحمن فرحانة

تاريخ النشر السبت 25-ديسمبر-2004

مشاهدات 23

نشر في العدد 1632

نشر في الصفحة 26

السبت 25-ديسمبر-2004

بعيد عملية النفق ضخمة الدلالات التي وصفت في الأوساط الصهيونية بأنها تحد استراتيجي من نوع جديد، خرج علينا رجل التسوية الأول وبكل برود جليدي ليقول إن استخدام السلاح في الانتفاضة كان خطأً وينبغي وقف عسكرة الانتفاضة، وهي سيمفونية ، مازنية، طالما خدشت الأذن الفلسطينية، هكذا قراءة مقلوبة لمعادلة الصراع لا ترضي سوى شارون وبوش أما شعبة المرشح لزعامته فلا يفقه هذه الرطانة السياسية.

أبو مازن معروف في الأوساط الفلسطينية بأنه لا يجيد عزفًا إلا على هذا الوتر، وفي الوعي الفلسطيني، فإن التسوية وملحقاتها هي التي صنعت أبو مازن ومكانته، وقبل أوسلو لم يكن يعرفه أطفال فلسطين ولا حتى رجالها حينما كان منزويًا في الظل السياسي لعرفات. 

التسوية هي الإبداع الحقيقي والأبرز لأبو مازن وهي مؤهله الوحيد! فلا غرابة إذًا أن يتناقض مع المشهد الفلسطيني الراهن ليعود للعزف على «ربابته» القديمة.

وحسب وصف الكاتب الصهيوني يهودا ليطاني له في صحيفة معاريف إذ يقول: «إنه الشخص الرمادي، غير الكارزمي المحنط ببدلة وربطة عنق الذي جاء إلى القيادة ليس من الصف المقاتل، بل من الصف الوظيفي، اللاجئ من صفد، محمود عباس، كفيل في المستقبل غير البعيد أن يملأ الفراغ الذي خلفه ياسر عرفات ولكن بأسلوب مغاير تمامًا، وأقول بأن هذا الأسلوب المغاير هو بطاقة دخوله للمقاطعة وللبيت الأبيض ولمزرعة شارون في النقب، لكنه بالتأكيد متناقض مع الشرعية الفلسطينية ومع المتطلبات الحقيقية للحالة الفلسطينية»

سريالية أبو مازن يعجز عن تفكيك شفرتها كل فقهاء السياسة، فهو يدعو لاستخلاص الحقوق الفلسطينية على طاولة المفاوضات، كما أنه يرفض عسكرة الانتفاضة دون التخلي عن خيار الكفاح المسلح، فهل هناك منطق إنساني يمكن أن يستوعب هاتين المفردتين في معادلة سياسية مفهومة: مفاوضات بلا قوة، وانتفاضة بلا عسكرة مع الاحتفاظ بالخيار المسلح؟

وفي إطار قراءته المقلوبة للصراع وفي ظل تغريبة التسوية المازنية، هل المطلوب أن تقتل الطفلة «رانيا صيام» بدم بارد ونقوم بدفنها فقط؟ وهل الصورة المثلى للكفاح الشعبي: أن يتحول رجال الشعب الفلسطيني إلى حفاري قبور ونساؤه إلى بواكي مآتم وأطفاله إلى رماة حجارة؟ وهل واقعية التسوية تعني أن تجعل رائحة البارود الصهيوني عطرًا للأعراس الفلسطينية؟

الذي يعري منطق أبو مازن ويجعل خياراته السياسية فضائية المحتوى والمضمون ويصادر فرصتها في النجاح بل يجعلها مستحيلة، مواقف شريك السلام على الضفة الصهيونية، فشارون، عصفور السلام الأخضر، حسب اكتشاف البعض قطع الطريق على كل فقهاء التسوية العرب، في مؤتمر هرتسليا، حينما أعلن محددات التسوية وبلغة الإملاء! لا رجوع إلى حدود 1 يونيو ١٩٦٧م، الكتل الاستيطانية تحت السيادة «الإسرائيلية» القدس عاصمة «إسرائيل» لا لعودة اللاجئين، إلى آخر اللاءات الشارونية.

 ولنذهب إلى نهاية الشوط التفاوضي بأفق استشرافي، ولندع شعارات الكفاح المدني جانبًا، ولنتجه مباشرة إلى أجندة الطرف الآخر بغية التعرف عليها، إذ إن منطق الأشياء يفترض أنها هي التي ستعرض في نهاية المطاف بسبب التفاوض منزوع الشوكة على مذهب أبو مازن، وليس المنطق فقط، بل وقائع التاريخ القريب تؤكد ذلك وما حقبة أوسلو عنا ببعيدة.

 نهاية الشوط ومنتهى التسوية حسب رؤية شارون نشرتها بعض المصادر الإعلامية منها جريدة المنار الفلسطينية، وأضع بين يدي القارئ هذا النموذج من سيناريوهات التسوية الكارثية كما هي، ليرى بنفسه حجم مقصلة التسوية التي ستذبح عليها الحقوق الوطنية الفلسطينية «خطة شارون»:

١- تقسيم الضفة الغربية إلى أربع مناطق دون الإعلان عن ذلك منعًا للتنفير وطرحها كرزمة واحدة.

٢- شق عدد من الأنفاق وبناء عدد من الجسور تعمل على ربط هذه المناطق بحيث تنفصل حركة المواصلات «الإسرائيلية» والفلسطينية عن بعضهما البعض، ومنعًا للاحتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنين.

٣- وجود «إسرائيلي» في إطار طواقم أمنية دولية على المعابر البرية والبحرية والجوية.

٤- تجميع عدد من المستوطنات المتناثرة وربطها لتصبح كتلًا استيطانية تصعب المطالبة من أية جهة بتفكيكها، وتحدد الخطة سبع كتل استيطانية في شمال الضفة ووسطها وجنوبها.

٥- سلخ مساحات وأحياء من القدس وضمها وإنشاء ثلاث بوابات عبور وأخرى للبضائع حول القدس الشرقية والتي ستعيد لـ«إسرائيل» عددًا من أحيائها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية.

٦- برامج تنسيق وتعاون في مجالات عديدة تشمل المسائل الزراعية والمياه والتجارة ومواجهة الأمراض والكوارث.

٧- إقامة عدة مناطق صناعية في أماكن محددة بإمكانها تشغيل آلاف من الفلسطينيين.

٨- إسناد دور إلى الهيئة الدولية في المرحلة الأخيرة بعد أن تكون الخطة قد وضعت للتطبيق والتنفيذ العملي على الأرض.

٩- الاستمرار في بناء جدار الفصل بحيث يشكل هذا الحائط حدود الدولة الفلسطينية التي قد يعلن عنها في المناطق الأربعة التي تحددها الخطة وغزة

١٠-  تحتفظ «إسرائيل» بثلاثة معسكرات ضخمة في الضفة الغربية ومكاتب تنسيق مع الفلسطينيين تدير شؤون الحياة اليومية في الساحة الفلسطينية.

١١- السماح بإعادة ٢٠٠ ألف فلسطيني إلى الدولة الفلسطينية المرتقبة.

۱۲- عقد مؤتمر دولي لبحث مسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بغرض أن يصدر المؤتمر المذكور بيانًا أو ميثاقًا ينهي هذا الحق وتعويض قسم منهم وتوطين القسم الآخر بموافقة إقليمية ودولية.

١٣- تحديد جديد لعدد عناصر الأمن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

١٤- موافقة «إسرائيلية» على بناء مطار صغير في الضفة الغربية وتطوير المطار الآخر في غزة.

١٥- إنشاء شبكة قطارات وجسور في عدة مواقع تربط الضفة بغزة دون توقف تنطلق من شمال الضفة ووسطها وجنوبها.

١٦- تعلن القيادتان الفلسطينية و«الإسرائيلية» معًا إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر مؤسساتهما.

۱۷- تعطي الخطة لـ«إسرائيل» الحق في استخدام بعض الطرق الرئيسة والخارجية في الضفة لمدة عشر سنوات.

۱۸- الإعلان عن وقف التحريض نهائيًا بكافة أشكاله بين الجانبين.

١٩- حرية ممارسة الشعائر الدينية لليهود وحق الزيارة لما يرونه مقدسًا لهم.

٢٠- لا يحق للدولة الفلسطينية في حال إعلانها عقد أية تحالفات مع آية دولة عربية.

 ۲۱- حق مراقبة «إسرائيل» للشواطئ والأجواء الفلسطينية.

٢٢- الانسحاب من غزة والاحتفاظ بمواقع ضرورية تعزز الأمن الإسرائيلي، وترتيبات خاصة على معابرها.

على أبو مازن أن يفيق من غيبوبة حالة التفاوض لأنه سيجد نفسه في نهاية المطاف، إما موقعًا على وثيقة استسلام على شاكلة الخطة أعلاه وهو الانتحار بعينه، وإما أن يكون جسرًا لمرحلة لاحقة في الصراع كما هو متوقع.

الرابط المختصر :