العنوان من لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة.. المنان بما أعطى
الكاتب توفيق علي
تاريخ النشر السبت 11-أغسطس-2007
مشاهدات 13
نشر في العدد 1764
نشر في الصفحة 56
السبت 11-أغسطس-2007
■ المنُّ يحبط العمل حتى ولو كان بعد الإنفاق بفترة كبيرة.
■ من أقوال السلف: إذا اصطنعتم صنيعة فانسوها.. وإذا أسديت إليكم صنيعة فلا تنسوها.
عن أبي ذرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ». (۱).
معنى المن في اللغة: من عليه يمن منا: أحسن وأنعم والاسم: المنة: وهي العطية والمن: العطاء.
والمّنُّ: القطع، ويقال: النقص، ومنه قوله تعالى: ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ (فصلت: 25).
المنان من أسماء الله تعالى
وهو عظيم المواهب، فإنه أعطى الحياة والعقل والنطق وصور فأحسن الصور وأنعم فأجزل، وأسنى النعم، وأكثر العطايا والمنح.
يشتق المنان من معنيين من المَنِّ: وهو العطاء دون طلب عوض.
ومن المِنَّةِ التي هي التفاخر بالعطية على المعطي، وتعديد ما عليه. والمعنيان في حق الله تعالى صحيحان.
المن في حق الإنسان ممدوح ومذموم
فأما الممدوح: أن يكون عطاؤه أو منه لوجه الله تعالى لا لنيل عوض من الدنيا.
ومن الممدوح قول الرسول r عن أبي بكر رضي الله عنه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ). (۲).
وأما المذموم: فهو أن يمن الإنسان
بالعطية، أي: يذكرها ويكررها، ومنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ (البقرة: ٢٦٤). فالمن يحبط الصدقة.
ومنه قول الرسول عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنَّانٌ» (۳).
وقد قسم ابن القيم - يرحمه الله - المن في الناس إلى قسمين:
القسم الأول: أن يمن بقلبه من غير أن يصرح به لسانه، فهو وإن لم يبطل الصدقة فهو نقصان شهود منة الله عليه في إعطائه المال وحرمانه من غيره وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه، فلله المنة عليه من كل وجه.
فكيف يشهد قلبه منة لغيره؟
القسم الثاني: أن يمَنَّ عليه بلسانه.
فيعتدي على من أحسن إليه بإحسانه ويريه أنه اصطنعه وأنه أوجب عليه حقاً. وطوقه منة في عنقه فيقول: أما أعطيتك كذا وكذا؟ ويعدد أياديه عنده.
قال سفيان: يقول أعطيتك فما شكرت.
وَسمع ابْن سِيرِين رجلاً يَقُول "لآخر أَحْسَنت إِلَيْك وَفعلت فَقَالَ لَهُ ابْن سِيرِين اسْكُتْ فَلَا خير فِي الْمَعْرُوف إِذا أحصي" (٤).
وقال عبد الرحمن بن زياد: كان أبي يقول: «إذا أعطيت رجلاً شيئاً ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه» ...
وكانوا يقولون: «إذا اصطنعتم صنيعة فانسوها، وإذا أسديت إليكم صنيعة فلا تنسوها» (٥).
وأنشد الشافعي:
لا تَحمِلَّنَّ لِمَن يَمَنُّ مِنَ الأَنامِ عَلَيكَ مِنَّه
وَاِختَر لِنَفسِكَ حَظَّها وَاِصبِر فَإِنَّ الصَبرَ جُنَّه
مِنَنُ الرِجالِ عَلى القُلوبِ أَشَدُّ مِن وَقعِ الأَسِنَّه
وقال آخر:
أفسدت بالمَنِّ ما قدمت من حسن ليس الكريم إذا أعطى بمنان
ممن يقع المن؟
قال القرطبي - رحمه الله -: «المن يقع غالباً من البخيل والمعجب»
فالبخيل: تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها.
والمعجب: يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه منعم بمائه على المعطى. وموجب ذلك كله الجهل، ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه.
المنُّ يضرُ بصاحبه حتى ولو كان بعد الإنفاق بمدة:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ (البقرة: ٢٦٤). أتى بـ «ثم، للدلالة على أن المن والأذى ولو تراخى عن الصدقة وطال زمنه ضر بصاحبه.
من الدروس والفوائد
أنه لا منان على الإطلاق إلا الله وحده الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال، وهذا ما ورد في موقف رسول الله مع الأنصار: عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله rيوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا (غضبوا)؛ إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم rفقال: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله r؟ قال: كلما قال شيئاً قالوا الله ورسوله أمن . (٦)، فأقروا لله ثم لرسوله بالنعمة.
إذا أعطى العبد أحداً من الناس مما أنعم الله به عليه فلا يمنُّ به، بل يستصغره، ويتناساه، ويرى الفضل لغيره في قبوله منه.
إن المنَّ من الله إفضال وتذكير، ومن العباد تكدير وتعيير.
إذا أنعم العبد على الناس بنعمة، يريد بها جزاء بوجه من الوجوه، فهذا لم يرد به وجه الله.
من أنفق مضطراً دافع غُرم، إما لأنه المتفق عليه، أو لعلة أخرى، فهذا لم يرد به وجه الله، وإنما يقبل ما كان عطاؤه لله ...
لا تُعط العطية كي تلتمس أكثر منها ، قال : تعالى: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ (المدثر: 6).
--------------------------------------
الهوامش
(۱) سنن النسائي الزكاة المنان بما أعطى (٢٥١٧).
(۲) صحيح البخاري، باب الخوخة والممر في المسجد (٤٥٥).
(3) رواه أحمد (2/202-201).
(٤) الكبائر الذهبي ص ١٥٢ .
(٥) مختصر النهج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى محمد الحمود النجدي (٥٥٢).
(6)صحيح البخاري، باب المغازي (٤٠٧٥).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل