العنوان آراء... حول الشــــــورى
الكاتب علي رمضان أبو زعكوك
تاريخ النشر الثلاثاء 08-أغسطس-1972
مشاهدات 16
نشر في العدد 112
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 08-أغسطس-1972
نقلًا... عن «المجتمع»
في الشهر الماضي -جمادى الأولى۱۹۹۲- نشرت الزميلة مجلة «قورينا » الليبية التي يشرف على تحريرها الزميل الفاضل الأخ/ علي رمضان أبو زعلوك... ويصدرها طلبة كلية الآداب -بالجامعة الليبية- نشرت الدراسة التي قدمتها «المجتمع» عن التجربة الليبية في التقنين الإسلامي.
في عدديها (95-96).
«والمجتمع » إذ تشكر الزميلة «قورينا » على هذه البادرة الطيبة في التعاون بين المحلات الإسلامية تنشر بحثًا عن «الشورى» له دلالته ومغزاه... في التطبيق الإسلامي... بقلم الأستاذ/ علي رمضان أبو زعلوك. في نفس مجلة «قورينا».
رئيس التحرير
يقوم نظام الحكم في الإسلام على مبدأين أساسيين هما:
۱- طاعة الله واجتناب نواهيه ويتمثل في الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله.
٢- مبدأ الشورى في الرأي...
وهنا أريد أن أعرض بعد النقاط في مبدأ الشورى...
بادئ ذي بدء يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم مخاطبًا الرسول -صلى الله عليه وسلم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾. (آل عمران: ١٥٩).
وفي آية أخرى يخاطب المؤمنين قائلًا: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾. (الشورى: ٣٨).
ومن هنا من أساس الإسلام الأول، قرر الله مبدأ الشورى كنظام أساسي ملزم للراعي والرعية... ومبدأ الشورى كبقية مبادئ الدين الإسلامي لابد لها من تحقيقها من وجود مسلمين ملتزمين، ومن وجود إيمان ذي فاعلية وأثر، لأن كل هذه الأشكال لا تحقق نظامًا يصح وصفه بأنه إسلامي دون توفر هذه الشروط.
والشورى مبدأ أصيل في النظام الإسلامي وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعدة قواعد أهمها:
١- التمسك بشريعة الله متمثلًا في الدستور الإسلامي المستمد من القرآن والسنة والقياس والإجماع.
٢- وجود المسلمين في شكل الرعية الصالحة التي تخشى الله في أمورها.
٣- وجود القيادة الرشيدة الملتزمة في سياستها للشريعة الإسلامية على نفسها قبل الآخرين.
والشورى مبدأ يتضمن الدعوة إلى الأصلح في كل الأمور، لأن فيها وجوب البحث عن الرأي الأصوب من قبل من يملك إعطاءه، وفيه أيضًا ضمان ضد الاستبداد بالرأي الفردي للحاكم... ولهذا فيعتبر هذا المبدأ وقت التطبيق مانعًا ورادعًا لكل أنواع الارتجالية كما وأنه يقضي على فكرة التسلط والاستئثار بالحكم، ويجعل من الصعب على ولي الأمر أن يشذ عن الجماعة المسلمة..
• ولهذا فإن الشورى تتطلب من ولي أمر المسلمين ما يلي:
۱-عرض الموضوعات العامة بعد توفير المعلومات الكافية عنها على أهل الرأي والفكر وهم «أهل الشورى ».
٢-أن يشجع أهل الرأي بإبداء آرائهم، فإنه لا يقتل مبدأ الشورى وما يأتي به من أراء قويمة إلا تململ الحاكم من الآراء المخالفة، والرغبة في أن توافقه الجماعة في الرأي، وذلك لأن صاحب الرأي المخالف دائمًا يأتي بالجديد، أما صاحب الرأي الموافق فرأيه ليس إلا صدى لما يدور عند الحاكم من أراء. ونجد المبادئ الإسلامية تقرن مبدأ حرية الرأي والقول بالجهاد في سبيل الله فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» والشورى مبدأ مرتبط عضويًّا بتوفر حرية إبداء الرأي لكل فرد، دون خوف أو وجل إلا من الله -سبحانه وتعالى...
القواعد التي تقوم عليها الشورى:
القواعد الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الشورى، حكمها حكم المبدأ نفسه لا تقبل التعديل أو التبديل وهي:
١- الشورى حق مقرر للحاكمين وللمحكومين وذلك بالنص الكريم ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾.
۲- إن عرض أمور الأمة على أهل الشورى من واجبات الحاكم، وليس حقًّا له وذلك بحكم النص القرآني ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ ﴾ (آل عمران: 159)... فإذا لم يعرض الحاكم الأمر على الأمة يعتبر مخلًا بواجبه كحاكم مسلم.
٣- إن الشورى يجب أن تقوم على مبدأ الإخلاص لله، والعمل على رفع شأن الإسلام، بدون النظر إلى المنافع الشخصية، أو العصبيات القبلية أو الإقليمية. فالله لا يقبل إلا ما كان خالصًا له وحده ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ ...﴾. (الزمر:3). ولهذا فلا يصح قيام الشورى على الكذب أو الغش أو الخداع أو الرشوة.
٤ـ ليس من الضروري أن يجمع أهل الرأي على رأي واحد، وإنما الرأي ما اتفقت عليه أكثرية المشيرين...
ومجال الشورى منحصر في الأمور التنظيمية التي لم يحددها القرآن أو السنة بنص قاطع، التي تمس مصالح المسلمين في شؤونهم العامة والخاصة وفي علاقاتهم مع الغير... وكان عمر بن الخطاب يقول: «لا خير في أمر أبرم من غير شورى».
• شروط أهل الشورى:
ولم يترك الإسلام أمر الشورى لكل فرد وإنما اشترط علماء المسلمين في عضو أهل الشورى شروطًا أهمها:
۱- العدالة: والمقصود بها التحلي بالفرائض والفضائل، والتخلي عن المعاصي والرذائل ولا يخل بالمروءة.
٢- العلم: والمقصود العلم بمعناه الواسع، والمعرفة التامة بالشريعة الإسلامية ثم المعرفة والعلم بالعلوم الدنيوية... وليس ضروريًّا أن يكون جميع أهل الشورى من المجتهدين، إذ يكفي أن يتوفر الاجتهاد في مجموعهم.
۳- الرأي والحكمة: يجب أن يكون عضو أهل الشورى ممن يعرف بجودة الرأي والحكمة والبعد عن التعصب.
٤- التجربة: والمقصود بها الخبرة اللاحقة على نيل الشهادة في العلم.
٥- الاختصاص: ويفضل صاحب الاختصاص المتفوق على صاحب الثقافة العامة.
الأخذ بنتيجة رأي أهل الشورى:
وفي قضية الأخذ بنتيجة الرأي الذي يتوصل إلى أهل الشورى، بالنسبة للحاكم هناك رأيان:
فرأي يقول بأن للحاكم بعد أن يشاور أهل الشورى الحق في أن يأخذ برأيهم أو لا يأخذ، ويستندون في هذا الأمر إلى قول الله لرسوله ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ رغم قولهم بأن العزم هناك يعني التروي والدراسة ثم الوصول إلى الرأي أي العزم لا يعني الإقدام دون روية. أي أن أصحاب هذا الرأي لا يرون إلزامية رأي أهل الشورى.
ورأي آخر يقول بأن الأخذ برأي الأكثرية واجب وملزم، ويستندون في هذا إلى أن رأي الجماعة أصوب من رأي الفرد -متى حكم الجميع خشية الله والتمسك بشريعته- ويستدلون على ذلك بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم «لا تجتمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، فمن شذ، شذ في النار».
ويؤيد معظم علماء المسلمين في العصر الحديث الرأي الثاني، مدعمة قولها بأن رأي الأكثرية عندما يكون الحكم شريعة الله لا يمكن أن ينحرف بالأمة أو أن يضربها... وأنا أميل إلى الرأي الثاني...
وأخيرًا فالشورى هي النظام المستقيم لتيسير شئون المسلمين، وهو مبدأ يحقق المساواة، لأن المساواة لا تكون في المادة وإنما تبتدئ باحترام الكرامة الإنسانية للآحاد، ولا وجود لكرامة قط مع استبداد الحكام... كما وأنه لا كرامة قط مع الوصاية على أحاد الشعب ولو كانت ممن هم أعلى منهم فكريًّا، وصدق عمر بن الخطاب حين قال: «من ولّي أمر المؤمنين فهو عبد للمؤمنين».
المراجع:
١- تفسير سورة الشورى: لسيد قطب.
٢-الشورى في الإسلام: للدكتور محمد البابلي.
٣-الإسلام وأوضاعنا السياسية: عبد القادر عودة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل