; أبعاد توتر العلاقات بين اليهود والسود في أمريكا | مجلة المجتمع

العنوان أبعاد توتر العلاقات بين اليهود والسود في أمريكا

الكاتب محمد دلبح

تاريخ النشر الثلاثاء 22-فبراير-1994

مشاهدات 18

نشر في العدد 1089

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 22-فبراير-1994

واشنطن: محمد دلبح

أثار خطاب كان ألقاه المتحدث باسم منظمة «أمة الإسلام» خالد أمام اجتماع في كلية كين بولاية نيوجيرسي الأمريكية في ٢٩ من شهر نوفمبر الماضي ردود فعل قوية في أوساط المنظمات اليهودية الأمريكية التي رأت فيه تعريضًا وتشهيرًا بسمعة اليهود الأمريكيين ووصفت الخطاب بأنه ينضح بالعنصرية.... وبالرغم من أن الخطاب كان ألقي في نوفمبر الماضي إلا أن المنظمة الصهيونية المعروفة باسم رابطة مكافحة تشويه السمعة، نشرت إعلانًا مدفوعًا في صحيفة نيويورك تايمز احتل صفحة كاملة تضمن نص الخطاب الذي جاء فيه بأن اليهود يسيطرون على البيت الأبيض ويملكون البنك المركزي الأمريكي ويديرون السياسة القومية للولايات المتحدة من خلف الستار، وقال خالد في خطابه أيضًا إن اليهود يسيطرون على هوليود «حيث توجد صناعة السينما»، وعلى وسائل الإعلام ويسيطرون على سوق المال وول ستريت فى يورك اليهودية في إشارة إلى مدينة نيويورك واتهم اليهود بأنهم يمصون دم السود الأمريكيين وأن العديد من السياسيين الأمريكيين السود هم أدوات للرجل الأبيض وبشكل خاص الرجل الأبيض اليهودي».

ولم يقتصر الهجوم على اليهود بل تعداهم بالهجوم على العرب وعلى الكاثوليكية أيضًا بالقول: اذهبوا إلى الفاتيكان في روما حيث البابا العجوز السيئ، وأضاف قائلًا: يحتاج المرء إلى أن يرفع ذلك الثوب ليرى ما تحته هناك، كما تضمن الخطاب دعوة للأفارقة السود في جنوب أفريقيا إلى قتل البيض إلى حد القول لنقتل النساء... نقتل الأطفال، نقتل المكفوفين، نقتل المعوقين، نقتلهم جميعًا، نقتل اللواطيين والسحاقيات «الشاذين والشاذات جنسياً» نقتلهم جميعًا.

الابتزاز الصهيوني ومستقبل العلاقات العرقية

وقد لوحظ أن أيًا من المنظمات أو المجموعات المعنية بالحقوق المدنية الأمريكية أو المنظمات الدينية الكنسية لم يول التعليقات التي وردت في خطاب خالد اهتمامًا سوى المنظمات الصهيونية التي تنتهز مناسبات ما لإثارة موضوع معاداة السامية وهو الموضوع المفضل لديها الذي تبتز فيه خصومها وتستغله للتعبئة لصالح أهدافها وقد أثارت الحملة الصهيونية التي شنتها تحديدًا رابطة مكافحة تشويه السمعة، التابعة لمنظمة بناي بريث اليهودية قلقًا حول مستقبل العلاقات العرقية وخاصة بين السود الأمريكيين واليهود، وكانت هذه العلاقات قد شهدت خلال السنوات العشر الماضية تدهورًا، وهو الأمر الذي يعتبر مؤشرا على انتهاء العهد الذهبي الذي عاشته هذه العلاقات في فترة الستينات عندما كانت حركة الحقوق المدنية في أوج ازدهارها، والتي لم يبق منها سوى ذكرى باهتة وزيادة على ذلك فإن العديد من الأمريكيين السود يعتقدون أن اليهود هم الطرف الذي استفاد بشكل كبير من تلك الحركة، سياسيًا، واجتماعيًا وحتى ماليًا مقارنة بشركائهم السود في الكفاح من أجل الحقوق المدنية، وهم ليسوا سعداء بتلك الفكرة.

أو مواصلة لعب دور هامشي في الولايات المتحدة، وبينما يعتقد الأمريكيون السود أن كفاحهم من أجل حقوق المساواة في أمريكا لم يتم إنجازها بعد، فإن اليهود الأمريكيين قد حققوها منذ أن حولوا جهودهم المنظمة نحو هدف واحد هو دعم إسرائيل.

حملة اليهود على فرخان

وقد تركز الانتباه مؤخرًا في الولايات المتحدة فيما يتعلق بهذه العلاقات على ما اصطلح عليه بقضية فرخان، حيث شهد الأسبوعان الماضيان تركيزا شديدًا من قبل وسائل الإعلام الأمريكية على لويس فرخان زعيم منظمة «أمة الإسلام»، التي يقال بأنها تضم في عضويتها نحو عشرين ألفًا من الأتباع، وقد شارك في الحملة اليهودية عدد بارز من قيادات السود الأمريكيين وخاصة الأعضاء في الكونغرس الأمريكي، وأبرز القيادات اليهودية الأمريكية التي نشطت للهجوم على خالد محمد وخطابه ومن خلاله على لويس فرخان كان المدير التنفيذي لرابطة مكافحة تشويه السمعة إبراهام فركسمان الذي دأب على الاشتباك لسنوات مع أمريكيين سود آخرين في مناطق أمريكية عديدة بسبب انتقاداتهم لليهود حيث قال: «أعتقد أنه لسوء الحظ يتلقى دعما ومساندة نظرًا لأنه يواجه البيض واليهود فهو يغذي الصورة النمطية التقليدية الكريهة، وقد ربط نفسه بنظرية المؤامرة، فكل شيء بالنسبة له هو «هم متآمرون ويلعبون لتقطيع أوصال مجتمع يشعر بفقدان القوة محبط غاضب، وهذا أمر خطر».

خضوع زعماء السود للحملة اليهودية حفاظا على مصالحهم الشخصية

وقد انضم عدد من الزعماء السود- ابتداءً من القس جيسي جاكسون ورئيس تجمع الأعضاء السود في الكونغرس كويسي مفوم (ديمقراطي من ولاية ميرلاند) إلى القس ال شاربتون لديه أيضًا مشاكل مع المنظمات اليهودية والرئيس السابق للرابطة القومية لتقدم الشعب الملون (NAACP) هازل دوكس إلى حملة مهاجمة خالد التي طالبت «فرخان» بنبذه ونبذ ما جاء فى خطابه في كلية كين غير أن «فرخان» رفض الاستجابة إلى ذلك في البداية حيث دافع عن الناطق باسمه بل وزاد بالقول: «نحن نعرف أن أعضاء الجالية اليهودية هم الأكثر تنظيمًا، وغنى وقوة، ليس فقط في أمريكا بل في العالم، إنهم لا يريدون من فرخان» أن يعمل ما يعمله الآن، إنهم يتآمرون بينما نتكلم، وأضاف بأن الزعماء اليهود والحكومة الفيدرالية الأمريكية يريدون استخدام كلمات الأخ خالد ضدي لتقسيم بيتنا».

ويقول المعلق الصحفي البارز ويليام رازیري «وهو بالمناسبة من الأمريكيين السود» بأن صعوبة التعايش بين منظمة أمة الإسلام وبين المنظمات الرئيسية للأمريكيين السود ليس وليد اليوم بل مضى عليه وقت طويل، وهو شبيه بالوضع الذي كانت عليه العلاقات بين قيادات حركة الحقوق المدنية في الستينات وبين مالكولم إكس، إذ بينما كان أولئك اللسان المدني الصارخ للأمريكيين السود كان الآخر يمثل الرفض الهادئ، غير أن رازيري يقول بأن قيادات الحقوق المدنية الآن قاوموا ما تقول المنظمات اليهودية عنه إنه معاداة السامية من قبل منظمة أمة الإسلام، ويعزو ذلك إلى اعتبارات عملية سياسية، وفوق كل ذلك فإن اليهود يبقون حلفاء سياسيين مهمين لهم والمساهمين الماليين الرئيسيين لحملاتهم الانتخابية، وقد لوحظ أن مجلس الشيوخ الأمريكي قد أعلن انضمامه إلى الحملة اليهودية عندما أصدر بيانا أدان فيه بيان خالد لكن أعضاء المجلس التزموا الصمت إزاء التصريحات التي كان أدلى بها زميلهم إرنست هولينغز في ديسمبر الماضي التي قال فيها عن أفارقة كانوا يشاركون في مؤتمر التجارة الدولي بأن بإمكانهم الحصول على وجبة غذاء جيدة بدلًا من أن يأكل كل واحد الآخر»، وهو أمر اعتبره بعض السود اعتداء ينضح بالعنصرية.

«فرخان» يتهم المنظمات اليهودية بالتجسس والتآمر على خصومها

وقد كثفت القيادات الأمريكية السوداء جهودها وضغوطها على «فرخان» الأمر الذي دفعه إلى أن يعلن يوم الرابع من شهر فبراير الجاري في مؤتمر صحفي عن عزل خالد من منصبه كناطق باسم المنظمة ولكن يبقى محتفظًا بعضويته واعتبر أن الكلام الذي ورد في خطابه أمر مدان بوصفه «بغيض» و«كريه».

لكن فرخان اعتبر ما قاله خالد حول اليهود لم يجاف الحقيقة وحمل «فرخان» مجددًا على رابطة مكافحة تشويه السمعة التي اتهمها بالتآمر والتجسس على آلاف من النشطاء والعاملين في مجال الحقوق المدنية، ومن المعروف أن عددًا من المنظمات العاملة في هذا المجال رفعت قضية أمام محكمة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا ضد تلك الرابطة الصهيونية متهمة إياها بالتجسس واستخدام أحد ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي لسرقة الملفات الخاصة بنشطاء عرب وأفارقة أمريكيين وأمريكيين لاتينيين ويهود ليبراليين من بينهم محاميان يترافعان حاليًا عن مجموعة من المسلمين الذين تدعي سلطات الأمن الأمريكية بعلاقتهم بحادث انفجار مركز التجارة الدولي في نيويورك، واتهم «فرخان» بناي بريث وفرعها رابطة مكافحة تشويه السمعة بأنها ليست معادية للسود، بل حتى معادية للأمريكيين، وأنها تحاول قصم العلاقة بينه وبين القيادات الأخرى للأمريكيين السود.

وعندما تناول «فرخان» الكنيسة الكاثوليكية قال: لن أحاول أن أبدو بغيضًا، بل إن الحقيقة الكريهة هي أن البابا أو الكنيسة لم يتحدث أي منهما دفاعًا عنا عندما كنا نعدم بدون محاكمة ونحرق ونعلق، وقال بأن أحداً لم يدن جورج واشنطن الذي أصبح أول رئيس للولايات المتحدة عندما قتل الآلاف من الهنود الحمر الأمريكيين كما لم يدن أحد الرئيس هاري ترومان الذي أمر بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما ونغازاكي التي قتلت وشوهت الآلاف من اليابانيين، وعقب المؤتمر الصحفي أعلنت الرابطة القومية لتقدم الشعب الملون ورئيس تجمع النواب السود في الكونغرس أنهم ينوون مواصلة العمل مع لويس فرخان وهو أمر أثار رابطة مكافحة تشويه السمعة وحلفاءها.

اليهود يقاومون المساواة العنصرية

ويكشف فيكتور ماركتي وهو خبير في شئون المنظمات اليهودية الأمريكية والتكتيكات التي تستخدمها للمحافظة على دورها البارز بالإبقاء على الدور اليهودي البارز والاستفادة من القوانين الأمريكية التي تنظم حقوق الأقليات في أمريكا، إذ وقفت المنظمات اليهودية الأمريكية ضد تعيين لائي غويلير في منصب رئيس الحقوق المدنية بوزارة العدل الأمريكية بسبب كتاباتها حول كيف يمكن تطوير الحقوق المدنية للسود من خلال قانون حقوق الانتخاب، الأمر الذي أغضب تلك المنظمات، وقد دعت غويلير إلى تمثيل نسبي لمجموعات الأقليات وخاصة السود، وقد دأب اليهود على مقاومة هذه الفكرة لأنها تتضمن حصصًا- الأمر الذي قد يقلل قوة اليهود السياسية، ومثل هذه السياسة قد تفيد بشكل كبير حرية وصولهم المباشر للمناصب التي تتطلب انتخابات وهي المجال الذي هم بعكس السود ممثلون فيه بشكل يفوق عن الحد.

ويعتبر ماركيتي ذلك أحد أسباب المواجهة الحالية بين اليهود والسود، وقد دأب فرخان على إثارة حقوق السود في الحصول على حصة أكبر في المناصب المنتخبة إذ لا يعقل على سبيل المثال أن يكون لليهود الذين يقل عندهم عن ستة ملايين نسمة ١٢ عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي، بينما يحظى السود الذين يزيد عددهم عن أربعين مليونًا على عضو واحد لأول مرة في تاريخ مجلس الشيوخ.

وبالرغم من الخلاف الناشب بين الحين والآخر بين «أمة الإسلام»، وبين بقية منظمات الأمريكيين السود إلا أن رئيسة بلدية العاصمة واشنطن شارون كيلي أكدت أن أمة الإسلام منخرطة منذ وقت طويل في العمل لصالح الأمريكيين السود وتلعب دورًا فعالًا في أوساط الجاليات الأخرى التي لا يكون فيها أفراد الشرطة فعالين، ومن المعروف أن الأحياء التي يوجد فيها أتباع لويس فرخان في واشنطن تعتبر خالية من نشاط مروجي المخدرات والرذيلة..

الرابط المختصر :