; أجواء تحرك الرمال | مجلة المجتمع

العنوان أجواء تحرك الرمال

الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين

تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997

مشاهدات 10

نشر في العدد 1238

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 11-فبراير-1997

نقوش على جدار الدعوة

من وحي الحرم الشريف (2)

﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ والمسلمون لا يعرفون اليأس ولا القنوط؛ لأنهم يستشعرون في كل لحظة معية الله، ويزداد هذا الاستشعار بازدياد الطاعة في بيت من بيوت الله ويكاد هذا الاستشعار يراه الإنسان وهو في البيت الحرام فتفيض الآمال التي تبشر بخير المسلمين ويزيدها جو الحرم وما فيه من طاعات بروزًا وقد استشرفت بعض هذه الآمال التي أعرضها على المسلمين.

الأمل الأول: العيش مع القرآن في أجوائه:

قال ابن عباس -رضي الله عنه- وهو حبر هذه الأمة وهو الذي يحفظ في كل آية من أي الذكر الحكيم شاهدًا من أقوال العرب قال : ما فهمنا قول الله تعالى ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ (الحجرات: ٩) ما فهمناها حتى كانت الفتنة مقتل عثمان وما تبعه من اقتتال بين المسلمين ، نعم نزل هذا القرآن في واقع متحرك مولد للأحداث ولهذا نزل منجمًا ليثبت الله به القلوب ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ (الفرقان: ٣٢) ويظل بعد ذلك القرآن حيًّا في نفوس المسلمين عندما يعيشون أجواءه وحين ذاك يفهمونه حق الفهم فيفهمون آيات الأنفال إن عاشوا في أجواء بدر، ويفهمون آيات النور إن عاشوا في أجواء الأفك، ويفهمون آل عمران إن عاشوا أجواء بدر وأحد -وها نحن– أولاء في الحرم نسمع من الإمام في صلاة التراويح آيات آل عمران ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: ١٠٣) وحين نسمع هذه الآية وننظر في المعتمرين والطائفين والساجدين والراكعين نجد أنهم جاءوا من كل فج عميق أسودهم وأبيضهم، غنيهم وفقيرهم، عربهم وغير العرب من المسلمين الكل استشعر أنه عبد لله تعالى تساوى مع الذي بجانبه بأخوَّة الإسلام يتراصون بالأكتاف والأقدام يسألون الله أن يحفظ أعقابهم من النار فيتساءل المرء ويبحث عن سبب هذا الإخاء وهذه السكينة التي نزلت على الناس مع اختلاف أشكالهم وثقافتهم وبيئاتهم فلا يجد غير منهاجية الإسلام، إنها الكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة التي تزيل الحواجز بين الناس وتطفئ الغضب في نفس الإنسان استجابة لأمر الله تعالى ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ (الإسراء:٦٣) وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-  «تبسمك في وجه أخيك صدقة» وهكذا تنطفئ نار الفرقة والشقاق.فيالها من روعة الإسلام في بيت الله وهنا تدمع عين الإنسان عندما يتعرف على واقع الجماعات الإسلامية باختلاف أسمائها ومسمياتها فيجد صراعًا وغمزًا ولمزًا، بل قد يصل الأمر إلى التفسيق والتضليل كل يدَّعي أنه أحق بهذا الدين من غيره وأنه ناج، وأن الآخرين هلكي بل قد يشتد أمر الخصومة فتجد مجامع تشي بمجاميع أخري وتستبيح دمها ومالها فهل استفادت الحركات الإسلامية والمجامع الدعوية من نفحات بيت الله الحرام فأزالت ما بينهما من صراع بالكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة اللهم اهدنا واهدهم لأحسن الأخلاق، التي لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا وعنهم سيئها لا يصرف عنا أجمعين سيئها إلا أنت.

الأمل الثاني: إيجاد البدائل بعد تعرية المناكر ومحوها: إن نجاح الدعوة يشتد ويكبر حينما ينجح الرجال في تعرية الباطل وإيجاد البديل للناس فإذا أزالوا منكرًا أحلوا مكانه معروفًا وهذا منهج العظماء فها هو الإمام يقرأ من سورة مريم منهج أبي الأنبياء إبراهيم ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا﴾ (مريم:٤٠-٤٤) فقد عرَّى إبراهيم عليه السلام منهج الشيطان ودعا أباه إلى منهج الرحمن فلم يكتف بإزالة الباطل بل أوجد بديلًا لمن ترك الشرك. وذلك بالدخول في التوحيد وقد نظرت في مجاميع المسلمين فإذا هم على استعداد لأن يغيروا من أنفسهم، فالدموع النازلة دليل على ذلك، لكن بعد التوبة وترك الملهيات، فهل يستطيع الدعاة أن يجدوا البديل النافع للأمة والمجتمع؟ والملهيات الصارفه عن الطريق المستقيم كثيرة والصراع قائم، وسيمكن أهل التوحيد بإذن الله، فالأمل لا يأفل من نفوسنا.

والضياء لا يغيب عن أعيننا والحمد لله رب العالمين.

أخوكم- جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

 

الرابط المختصر :