العنوان أدب(411)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الأحد 10-سبتمبر-1978
مشاهدات 4
نشر في العدد 411
نشر في الصفحة 30

الأحد 10-سبتمبر-1978
حوار مع شاعر إسلامي
عبد الله عيسى السلامة
على الشاعر المسلم أن يخمر أكبر قدر ممكن من تجارب الإنسانية في حسه
عبد الله عيسى السلامة، أحد الشعراء الإسلاميين الذين استطاعوا أن يزاوجوا بين الكلمة الفنية المبدعة والفكرة الإسلامية الملتزمة، عرفه قراء -حضارة الإسلام- في كثير من قصائده الجميلة الرائعة، وقد صدر له حتى الآن ديوانان هما: -الظل والحرور- و -واحة في التيه-، كان لقائي به في مدينة حلب بسورية حيث يقيم ويدرس اللغة العربية فيثانوياتها..
- كيف ترون موقف الإسلام من الشعر؟
واضح من الآيات القرآنية الكريمة الواردة في سورة الشعراء، أن الإسلام لا يحارب الشعر لمجرد كونه شعرًا، وإنما يحارب صفات معينة لدى أكثر الشعراء، وهي أنهم في كل وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون-. أما إذا خلا الشاعر من هذه الصفات، أو اتصف بصفات أخرى منسجمة مع المفهوم الإسلامي فهذا له وضع يختلف،﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ (الشعراء: 227)..
ولعل في سيرة النبي الكريم، وموقفه من شعر حسان بن ثابت، ما يوضح هذا الأمر ويزيده رسوخًا في الذهن. فقد انتدب النبي صلى الله عليه وسلم حسانًا ليرد على شعراء قريش الذين بدأوا بمهاجمة النبي وأصحابه في الشعر. وعزز النبي موقف حسان بأن روح القدس يؤيده.. إلخ، والقصة معروفة مشهورة في كتب الأدب. وحسبنا هذان الدليلان، فهما يغنيان الباحث. وما ورد في سيرة بعض الصحابة، مثل عمر بن الخطاب، من حض على رواية الشعر وحفظه، إنما هو قبس مستوحى من الكتاب العزيز والسنة المطهرة.
- من جهة مقابلة... كيف كانت مواقف الشعراء العرب المعاصرين من الإسلام؟
** لما كانت النهضة العربية المعاصرة -إن كانت هنالك نهضة بالمعنى الصحيح- قائمة على أسس مخالفة لتعاليم الإسلام بشكل عام، كان من الطبيعي أن يجيء الشعر على الأسس ذاتها، بصفه إفرازًا فكريًّا ونفسيًّا وشعوريًّا للظاهرة الاجتماعية أيًّا كانت، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول: إن الشعر العربي المعاصر -في أكثره- لم يكن شعرًا إسلاميًّا ولا شعر دعوة إسلامية وحتى الذين تغنوا بأمجاد الإسلام لم يكونوا في أغلب الأحيان ينطلقون من مفهومات إسلامية واضحة. ولو أخذنا أمير الشعراء مثلًا، لوجدناه يخلط خلطًا شديدًا بين مفهومات فكرية وسلوكيةوسياسية متناقضة كل التناقض. ولسنا في صدد الحديث عن تاريخ الرجل، ولكن يمكن الرجوع إلى ديوانه واستكناه حقيقة مذهبه أو مذاهبه على الوجه الصحيح، ثم يمكن اتخاذه مقياسًا للكثيرين من شعراء هذه الملة أو المحسوبين عليها، وليس هذا هجومًا، بل تقرير حقيقة واقعة يمكن الاطلاع عليها في أكثر ما كتب من إنتاج هؤلاء.
ولو عدنا إلى دواوين بعض الشعراء من معاصري شوقي لوجدنا العجب العجاب من دعوات قومية مختلفة، إلى دعوات إباحية فاجرةإلى.. إلى.. وممن هؤلاء؟ إنهم من أمة الإسلام. فهل من العجب إذًا أن نسمع ذلك العربي الصميم، الحريص جدًّا على وحدة العرب يقول:
هبوني دينًا يجعل العرب وحدة
وسيروا بجثماني على دين جُرهم
سلام على كفر يوحد بيننا
وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم
هل من العجب أن نراه يطلبمثل هذا الطلب؟ أن يتخلى مئة مليونمسلم عن دينهم، ليتحدوا مع خمسةملايين من ملة الشاعر، ويتساووا في الحقوق والواجبات، بل ليصبح لهؤلاء الخمسة الملايين حق السياسة والرئاسة و.. و.. ولست أدري ما إذا كان الشاعر يوافق على أن يكون رئيس جمهورية فرنسا أو إنجلترا مسلمًا. أظنه سيتريث قليلًا قبل التفكير في الموضوع، أو قبل الموافقة على الأقل. المهم. هناك أشياء كثيرة صرفت الناس عن الإسلام سلوكًا وعقيدة، وحين يكون الإسلام بعيدًا عن هذين، وهما قوام حياة الفرد والمجتمع، فالشعر سيتكون بشكل طبيعي بعيدًا عن الإسلام، أعني الشعر المنبثق عن سلوك وعقيدة منحرفين.
- بم تفسرون انتشار الشعر غيرالإسلامي بين الناس؟
** ما دامت الحياة غير الإسلامية قد هيمنت على ديار الإسلام عقيدة وسلوكًا، فمن المنطقي جدًّا أن ينتشر الشعر غير الإسلامي -ما دام الشعر وليد الحياة-، ومن المنطقي جدًّا والمعقول جدًّا أن يروج له وتصرف الملايين من النقود لانتشاره واستمراره بأشكاله المتنوعة: الخمري الفاجر، والنسائي الداعر، والدهري الكافر و.. و.. إلخ..
- ما أشهر الشعراء الإسلاميين في نظرك، وما ميزات نتاجهم، ومن همأفضل ثلاثة شعراء حسب رأيك؟
** قد يصعب قليلًا إطلاق صفة -أشهر الشعراء-، على أشخاص بأعيانهم، ولا سيما وأن الشعر الإسلامي ما يزال غض العود، وغير متميز المعالم تمامًا، غير أنني أستطيع أن أذكر بعض أسماء الشعر الإسلاميين الذين أعرف شيئًا عنهم،أو قرأت شيئًا لهم. ومنهم: محمد إقبال - الهند، عمر بهاء الأميري - حلب،نجيب الكيلاني – مصر، وليد الأعظمي - العراق، محمد الحسناوي - حلب،محمد منلا غزيل – منبج، عبد القادر حداد - حماه،شريف القاسم - دير الزور، محمود مفلح - دمشق، سليم عبد القادر – حلب، هذه طائفة من أسماء الشعراء الذين قرأت لهم أو عنهم أو تعرفت إلى بعضهم، وقد أوردت أسماءهم دون محاولة استقصاء الشعراء الإسلاميين جميعًا. ولعل هناك عددًا ممن لا أعرفهم، وعددًا آخر ممن أعرفهم ولكن لا أستطيع أن أسمي شعرهم - إسلاميًّا – لضعف الصفة في شعرهم.
أما من هم الشعراء الثلاثة الأفضل، فبحسبي أن أشير إلى العمق الفكري لدى إقبال، وإلى حاجة أكثر شعرائنا إلى مثله.
- لا شك في أن الشعر الإسلامي مر بمراحل مختلفة من التطور.. فما هي في رأيكم؟
** في رأيي أن الشعر الإسلامي المعاصر، دخله بعض التطور على مستويين:
1- على المستوى الفكري: كان الشعر الإسلامي تقليديًّا، يكتب في المناسبات الدينية، ولا يكاد يخرج في أكثره عن هذا، ولا تشمل هذه الصفة الشعر الصوفي كل الشمول، فهو أكثر عمقًا واتصالًا بالنفس، إضافة إلى أن أصل منهجه بعيد عنا من الناحية الزمانية -والزمان بجريانه السريع، كثير العبث بحيوات الناس وأذواقهم- أضف إلى هذا، ضيق البوتقة التي انحصر فيها شعر.
حوار مع شاعر إسلامي
الأدب بشِعره ونثره من لوازم الحركة الفكرية
التصور الإسلامي واسع جدًّا يشمل الكون والحياة والإنسان
المتصوفة وشعر المناسبات الدينية، أعني بعد كل من هذين عن ساحات الصراع الضاري بين العقائد المتناحرة.
أستطيع أن أقول: لقد جد شِعر اسمه شِعر الدعوة الإسلامية، يتمسك بتعاليمها، ويدافع عنها، ويهاجم أعداءها في كل ساحة من ساحات الصراع الفكري، فهو يحارب الإلحاد والوثنية الفكرية والعقائد الترقيعية والضبابية وينفذ في كل مسام من مساماتها، وشِعر الدعوة بحد ذاته ليس جديدًا ، فقد رفع رايته حسان بن ثابت -رضي الله عنه منذ عهد الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم-. ولكن الجديد هو تبديل القناع الجاهلي، وتطور أسلحة الضلال، مما فرض على شِعر الدعوة أن يتخذ لنفسه صيغًا تختلف عن صيغ حسان وأصحابه.
ب - على المستوى الفني: لما كان الاتصال السريع بين أسباب الثقافة الحديثة قد يسر انتقال الأفكار والفنون وتزاوجها، وفرض عليها أنماطًا من التأثر والتأثير لم تكن موجودة من قبل، فقد أصبح لزامًا على كل مهتم بالأدب والفكر وصراع الأيديولوجيات أن يظل على اطلاع مستمر على ما يدور حوله. ولما كان الشعر الإسلامي شعرًا ملتزمًا بطبعه، كان عليه أن يستوعب ويتمثل كل ما يلقى في محيطه
ليحق الحق منه ويبطل الباطل، ويستعذب العذب ويستنكر المنكر.
أي، على الشاعر المسلم أن يخمر أكبر قدر ممكن من تجارب الإنسانية في حسه، ويطلع قدر الإمكان على المدارس الأدبية الحديثة في الشرق والغرب، ويعيها فنيًا
وفكريًّا، ثم يقوم بعمليات الانتقاء التلقائي، الذي ينبع من تصوره الخاص المتميز. وقد حصل بعض التطور الفني لدى عدد من الشعراء، في الصورة وفي التلوين الموسيقي، وفي طريقة التعبير عن مكنونات النفس البشرية.. إلخ..
● هل ترون أن موضوعات الشعر الإسلامي وفَّت نصيبها، وهل هناك موضوعات لم يتطرق إليها الشعراء الإسلاميون؟
• التصور الإسلامي واسع جدًّا يشمل الكون والحياة والإنسان، وبالتالي لا يمكن أن تستوفى موضوعاته، حتى في جانب واحد من جوانب هذا التصور وكلما كان الخيال خصبًا، والثقافة واسعة، والحس مرهفًا، كان الشاعر قادرًا على الغوص في أعماق الحياة واستنباط موضوعات جديده وصياغتها بأساليب فنية جديدة..
● ما هي أشهر الدراسات في الشعر الإسلامي المعاصر يمكن للباحث الرجوع إليها؟
هناك كتاب بعنوان: -التراث الروحي والشعر الحديث- بقلم الدكتور أحمد محمد الحوفي- معهد الدراسات العربية العالية - جامعة الدول العربية، وهو ليس خاصًّا بالشعر الإسلامي حسب المفهوم المقصود هنا، وإنما يتحدث عن الأخوة الإسلامية النصرانية كما يجلوها الشعر الحديث، من خلال الخوض في موضوعات واحدة، كما يتحدث الكتاب عن مكانة التراث الروحي في بناء القومية العربية.. وموضوعات أخرى.
2- وصل إلى سمعي أن بعض الأدباء الإسلاميين يحاول القيام بدراسة واسعة عن
الأدب الإسلامي وهو الأستاذ: حسني أدهم محمود جرار - الدوحة - قطر - ومما أعلمه حول هذا الموضوع، أن كتابًا قد ألف حول النزعة الإسلامية في أدب شوقي بعنوان: الإسلام في شعر شوقي، بقلم الدكتور أحمد الحوفي، في مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة التعريف بالإسلام، وهو نيف وثلاثمائة صفحة. وهناك کتاب آخر بعنوان: أصداء الدين في الشعر المصري الحديث، وقد وقع بين يدي الجزء الأول منه، ويشمل الفترة من -مطلع العصر الحديث إلى ثورة ١٩١٩- وهو من تأليف سعد الدين محمد الجيزاوي. وهو يقع في نيف وأربعمئة صفحة من القطع المتوسط.
● هل تحبون أن تضيفوا شيئًا في نهاية الحوار؟
• المعركة بين الحق والباطل متنوعة الأشكال متعددة الأسلحة. فلئن كانت الدبابة والطائرة والمدفع من لوازم الحرب العسكرية، فكذلك الأدب بشعره ونثره، من لوازم الحرب الفكرية، وعلى هذا، فالشعر سلاح سلاح حقيقي في معركة العقيدة، وإذا كان الآن يقوم بإفساد عدد كبير من نفوس الشباب، ببراعة شعراء الغزل والمجون، وسماسرة الكفر والإباحية فإن هذا الشعر نفسه قد يقوم بدور مغاير لهذا، دور بناء مطهر، وإذا كان حسان بن ثابت قد رفع راية الأدب الملتزم في الشعر الإسلامي، فحري بنا نحن أن نقوم بالدور ونضطلع بعبء الأمانة، والله الموفق.
أدب
إعداد: محمد هدى قاطرجي
من بساتين الأدب واللغة
صورة من القرآن الكريم
أبرزت بعض آيات القرآن الكريم لوحات شاخصة، رسمت البيئة التي كان يعيش فيها العربي بشكل أخاذ، وقد حملت تلك الصور المعاني التي يريدها القرآن الكريم في إطارها الجميل المتناسق الذي ينصهر بالفكرة، ويصهرها معه، بشكل لا يمكن أن تطاله الأقلام البشرية.
وانظر قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (سورة النور: 39)
وحول هذه الآية الكريمة يقول مالك بن نبي في كتابه -الظاهرة القرآنية 355- ففي هذه الصورة الأخاذة، يتجلى سطح الصحراء العربية المنبسط، والخداع الوهمي للسراب فنحن هنا أمام مجاز عربي النوع، فأرض الصحراء وسماؤها قد طبعا عليه انعكاسهما -يدقق في الصورة ليبرز بلاغتها- حين تستخدم خداع السراب المغم، لتؤكد بما تلقيه من ظلال تبدد الوهم الهائل، لدى إنسان مخدوع، ينكشف في نهاية حياته غضب الله الشديد، في موضوع السراب الكاذب.. سراب الحياة.
لغة
الغلط الفصيح
هذا الرجل مهاب في قومه هذا الرجل مهيب في قومه
تخلف الطالب الكسول عن زملائه تخلف الطالب الكسلان عن زملائه أساء المتكلم صديقه في الحديث أساء المتكلم إلى صديقه في الحديث اعتبر الكريم ضيفه وأكرمه أجلّ الكريم ضيفه وأكرمه
مشيت في جنازة الميت مشيت في جنازة الميت
يسمى غير المتزوج عازبًا يسمى غير المتزوج عزبًا
من وحي قد قصيدة
أخي
لم يشهد تاريخ الشِعر المعاصر صدى لقصيدة، مثل ما فعلته قصيدة -أخي- الشهيرة لسيد قطب رحمه الله، فقد انفعلت فيها نفوس الشعراء الإسلاميين وانجلت بعواطفها وصدق انفعالاتها أرواحهم، فكان أن استلهم هؤلاء معانيها، وانتهجوا شكلها أو ضمنوا قصائدهم بعضًا من أبياتها أو نسجوا المعارضات الشعرية من خلال أنفاسها الطيبة الصادقة، والأبيات التالية في -حبيب الصالح- وقد استوحاها من تأثره وانفعاله بقصيدة الشهيد الكبير، فكانت ومضة نور، وصرخة حق في طريق الحق، والبيتان الأولان من قصيدة -أخي- لسيد:
أخي أنت حر وراء السدود
أخي أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصمًا
فماذا يضيرك كيد العبيد
عظام الرجال لهم حاسدو
ن، وأنت عظيم، فأنت طريد
تزيل الرياح ضعيف الأصو
ل، فكن كالجبال التي لا تميد
أخي، ديننا دين مجد تليد
ففيه الكفاح وفيه النشيد
أخي ديننا فيه نهج مفيد
حياة الكرام.. وموت الشهيد
أخي فامض.. هيا بعزم الرجا
ل وعزم الصحابة وابن الوليد
أخي إن عبدت إله الوجود
بحق، فنصره ليس بعيد
وإن قيل هذا بعيد المنال
لأن القنابل موت أكيد
فقل بئس قول القنوط فإن
إله الوجود له ما يريد
وفيم التردد يا إخوتي
ونصر الإله كحبل الوريد
سيصحو النيام، ويعلو السلام
وترجع أرضي بعون المجيد
وويل لقوم أبادوا الشعوب
وعز لدين الآله الحميد
رثاء
دأب الشعراء المسلمون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، على تصوير أحداث الدعوة وحركتها، ولمعت في آفاق الشعر مواضيع الحماسة والرثاء، ومن ذلك أن ثلاثة من بني هاشم برزوا يوم بدر إلى البراز وهم: علي بن أبي طالب، والحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث، وكان أن برز علي إلى الوليد بن عقبة فقتله، وبرز الحمزة إلى عتبة بن ربيعة فقتله، وبرز عبيدة بن الحارث إلى شيبة بن ربيعة فاختلفا بضربتين، فأجهز الحمزة وعلي على شيبة، واحتمل عبيدة حيًّا مثخنًا بالجراح، وقد بترت رجله، ثم استشهد فقال كعب بن مالك يرثيه:
أيا عين جودي ولا تبخلي
بدمعك حقًّا ولا تنزري
على سيد هدّنا هُلكه
كريم المشاهد والعنصر
عبيدة أمسى ولا نرتجـ
يه لعرف عرانا ولا منكر
وقد كان يحمي غداة القتا
ل حامية الجيش بالمِبتر
أدب
«كتاب»
الخروج من الجاهلية الجديدة
وكتاب
«عودة إلى أم القرى»
لمؤلفه: موفق بني المرجة
في خضم الواقع المرير المؤلم الذي تعيشه أمتنا تلمع في دجنة الظلام وقتامة السواد بوارق أمل تنبعث من الحنين إلى ماضينا المشرق الزاهر، حيث دنيا الإسلام والسلام والفتح والاستقلال، وفي غمرة التبعية الفكرية التي قصمت ظهر هذه الأمة يطل علينا بعض الكتاب يحملون الفكر النير، الذي عبّ من حضارة أمتنا، فحمل الرؤية الصحيحة والمنظار القويم الثاقب، الذي يستبطن الواقع ثم يزينه بموازين التراث، يحط بجناحيه بعد تحليق طويل على ضفاف مشرقة من تاريخ أمتنا، ينهل منها العبرة ويستقي من وردها الإيمان والتصميم ويستوحي من ومضاتها شعاعًا يضيء للسائرين الطريق.
أقول، في معترك هذا الخضم الهائل من الاضطراب والاختلاط في القيم تبرز أقلام بارعة صناع، وتقدم نتاجها في كتاب للأجيال، فيه الدرس والعبرة، وفيه الرؤية الواضحة. التي تنبعث من العقيدة السليمة والإيمان الصادق، وهنا أحب أن أقدم كتاب الزميل الأخ موفق بني المرجة -عودة إلى أم القرى-.
ويعتبر هذا الكتاب صدًى لرحلة تاريخية عاشها الإنسان المسلم على مدى ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، وقد تجلت في الكتاب مضامين عصرية.. القرآن الكريم والجهاد في شهر رمضان، وقد طرح الأخ المؤلف موقفه متسائلًا عن الإنسان المسلم اليوم، أين هو من إنسان الإسلام الأول الذي عاش الجهاد، وفرض دينه وحضارته على العالم، أليس هذا الإنسان هو نفسه الذي يتمحور ويراوح مكانه اليوم وسط دوامة العصر الحديث التي قال عنها:
- وعلى مدى ثلاثة عشر قرنًا ونيف ساد العرب والمسلمون العالم بعقيدتهم وفكرهم وجهادهم وحضارتهم حتى كانت المطالع السيئة لتاريخنا الحديث والمعاصر، وفارقتنا العزة والسيادة بقدر ما ابتعدنا عن الدين الحنيف والشريعة السمحة-.
إن بيت القصيد الذي عناه الزميل يكمن في الابتعاد عن الدين والشريعة اللذين هما أساس الحضارة العربية الإسلامية، فالدين كان مصدر القوة التي هزت عروش الرومان والفرس وبقوة العقيدة فتح العرب الأندلس ووصلوا إلى الصين مرورًا بالهند، ووصلت طلائع الفتح الإسلامي إلى الأراضي الروسية، وكادت الحضارة الإسلامية تدخل أوربا لولا طغيان المادة، الذي فرق العرب في معركة بلاط الشهداء.
ليس هذا هو كل كتاب -عودة إلى أم القرى- فالكتاب بالإضافة على التركيز على العقيدة السمحة التي دانت لها الرقاب، وعايشتها القلوب المؤمنة، فهو يبرز مضامين عصرية للقرآن الكريم، وعظمة الجهاد في شهر رمضان، إضافة إلى إظهار المجتمع وسعادة الإنسان وسمو عالمية الحضارة الإسلامية التي عنيت بكل ما يتصل بحاجات الفرد وتقدم الحياة ومكارم الأخلاق.
ويقرر الزميل موفق بني المرجة في كتابه -عوده إلى أم القرى- مبدأ الشورى الذي نادى به الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر حين قال مخاطبًا صحابته الكرام: أشيروا عليّ أيها الناس... كما يقرر مبدأ أثرة الدين على الدنيا والأقربين، وضرب مثلًا لذلك بأبي بكر الصديق وولده عبد الرحمن رضي الله عنهما، رادًّا ذلك إلى النصر الذي حققه المسلمون في بدر على أنه لم يكن مجرد تأييد إلهي دونما عمل وجهاد، وإنما كان التأييد تتويجًا لسلسلة طويلة من الجهود والتضحيات والاستعدادات والتهيئة لأسباب ذلك النصر.
ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا: إن- العودة إلى أم القرى.. هو دعوة للعودة إلى نقطة الانطلاق التي واكبت الهجرة النبوية، التي اعتبرها المؤلف ثورة على الفساد والطغيان والشرك، وثورة على الفجور والعصبية والقبلية، مثلما كانت دعوة إلى الحب والإخاء والمساواة والعدل والإيمان والتوحيد، كما أنه اعتبرها عملًا سياسيًّا وعسكريًّا واجتماعيًّا منظمًا يهدف من جعلها بداية الانطلاقة الكبرى في طريق الفتح، درسًا واعيًا لإنسان اليوم لتحقيق الأهداف التي سلبت، والأماني التي هدرت، واسترداد الأراضي التي استبيحت؛ لذا نسمعه يقول: الأقصى أسير وما من صلاح الدين، والجهاد الجاد يا أمة محمد، وإن التاريخ يعلمنا أن الحق قوة، ومن لا قوة له لاحق له.
لكن السؤال الذي ما زال حائرًا دون جواب: كيف الخروج من الدوامة؟ هكذا يتساءل الزميل بني المرجة، ويجيب: الجواب بمنتهى البساطة: كما خرج أجدادنا العرب من جاهليتهم الأولى:
ويستطرد الزميل ويقول: فما أشبه الليلة بالبارحة حين كان العرب يقتتلون ويصطرعون ويظهرون المراجل والفروسية على بعضهم بعضًا كانت كل القوى الغربية مسخرة لتدمير العرب وإفنائهم، حتى انبلج فجر الإسلام، فإذا بالطاقات التي كانت تهدر عبثًا، تتجه باتجاه واحد، وحينذاك، وجدت من جانبها ألا تستأثر بتلك البداية، بل أن تحمل رسالة العدل والأمن والسلام للعالم أجمع، ولم تلبث أن بلغت تلك الرسالة للعالم خلال أقل من قرن -على الرغم من تأخر وسائل ذلك العصر- فهلا عرف العرب طريقهم للخروج من جاهليتهم الجديدة، مستفيدين من وسائل العصر وتقدم المعلم ووفرة الإمكانات والطاقات؟؟
هذا بعض ما يقال عن كتاب عودة إلى أم القرى وتأمل «المجتمع» من المؤلف أن يستمر صعدًا في هذا الجهد الواعي الذي ينم عن أصالة الكاتب ووضوح رؤيته وإخلاصه في جهده.
الأفعى اليهودية
والقيادات الأمريكية..
المسخ اليهودي الذي أولده الزواج الغربي غير الشرعي بين بريطانيا وفرنسا، والذي باركه نصارى أوربا، وآزرته الشيوعية العالمية، كبر وترعرع بعد عام 1948م في حضن أمريكا وهذا أمر بدهي، فالقيادات الأمريكية تأتمر بأمر اللوبي اليهودي، بل هي دائمًا تضم عناصر يهودية فعالة فيها، والغريب العجيب، أن يحاول بعض العرب الانتصاف من اليهود مستعينين باليهود.
ونحن نرفض التفريق بين مواقف أمريكا قبل حرب حزيران 1967م وبعدها كما يزعم البعض، ذلك أن السياسة الأمريكية سياسة يهودية- يهودية في الحاضر والماضي، وقد وضح -روكفلر- نائب الرئيس الأمريكي الأسبق السياسة اليهودية المحضة لبلاده حين قال بصراحة:
- إن سياسة أمريكا هي هي، لم تتغير منذ سنة 1947م، وخلاصة هذه السياسة أن إسرائيل لم توجد لتبقى فقط، ولكن لتتفاعل مع شعوب المنطقة، وهذا التفاعل يجب أن يتم سلميًّا، إلا إذا اضطرت للحرب كما حدث أكثر من مرة.
ويوضح روكفلر التصور الأمريكي لمستقبل منطقتنا فيقول:
- إن الله أرسل اليهود إلى الشرق لمساعدته على النهوض، ونحن على استعداد لوضع إمكانياتنا من المعرفة والحضارة المتقدمة في إسرائيل لخلق تراث وثروة حضاريين جديدين.
وبعد.. لماذا يحرص بعض العرب على صداقة أمريكا اليهودية؟
أبو الهدى
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

