; «أردوغان» في الأمم المتحدة.. حراك نشط وكلمة لافتة | مجلة المجتمع

العنوان «أردوغان» في الأمم المتحدة.. حراك نشط وكلمة لافتة

الكاتب د. سعيد الحاج

تاريخ النشر الأحد 01-أكتوبر-2017

مشاهدات 59

نشر في العدد 2112

نشر في الصفحة 34

الأحد 01-أكتوبر-2017

حالة العالم الإسلامي

 

«أردوغان» في الأمم المتحدة.. حراك نشط وكلمة لافتة

 

تركيا تحظى بمكانة كبيرة ويعوّل على دورها كثيراً لتمتعها بمزايا لا تتوافر لغيرها

استنكر على «ترمب» استخدامه مصطلح «الإرهاب الإسلامي المتشدد»

القضية السورية حضرت بشكل موسع حيث ركز على الأبعاد الإنسانية في معاناة الشعب السوري

أكد أن «الإرهاب» بات مشكلة عالمية عابرة للحدود الأمر الذي يفرض تعاوناً دولياً لمواجهته

ضرورة إجراء إصلاحات جذرية على بنية الأمم المتحدة لتصبح أكثر توازناً وعدلاً

بقلم: د. سعيد الحاج

 

«الدين الإسلامي بريء من الإرهاب والتطرف».. كان هذا رد الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» على الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث أعاد الأخير استخدام مصطلح «الإرهاب الإسلامي المتشدد».

فطالما كانت كلمات الرؤساء في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بروتوكولية، لكن بعضها لا يخلو من أهمية وثقل نوعي بحسب الدولة والظرف والمواضيع المطروحة، ولعل كلمة الرئيس التركي «أردوغان» كانت من ضمن هذه الأخيرة.

عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نسختها الثانية والسبعين في نيويورك نهاية الشهر الماضي تحت شعار «السعي من أجل السلام وحياة دائمة على كوكب مستدام»، في ظل تفاعل وتفاقم قضايا وأزمات عدة في مختلف أرجاء العالم معظمها في العالم العربي - الإسلامي.

فإضافة إلى ملف كوريا الشمالية وتجاربها النووية الذي أدى إلى تصعيد كبير، مثيراً تخوفات حقيقية من تدحرج الأمور إلى صراع دولي كارثي المآلات، كان هناك حضور بارز لأزمات وقضايا أخرى في مقدمتها التطهير العرقي ضد مسلمي الروهنجيا في ميانمار، والأزمة الخليجية، وتطورات القضية السورية، واستفتاء كردستان العراق الذي تحول لحالة توتر بين الإقليم من جهة، وبغداد وأنقرة وطهران من جهة أخرى، والأزمة اليمنية التي تفاقم فيها الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، فضلاً عن قضايا حاضرة دائماً ومتفاقمة دوماً في مقدمتها القضية الفلسطينية.

حراك دبلوماسي نشط

في خضم هذه الأزمات المتراكمة والمتزامنة، تحظى تركيا بمكانة متمايزة، ويعوّل على دورها كثيراً لما تتمتع به من مزايا لا تتوافر لغيرها، كدولة إقليمية كبيرة قوية ومستقرة، وكدولة جارة لسورية والعراق الحاضرَيْن بقوة على مسرح الأزمات المتفاعلة، وكدولة مستقرة في ظل حالة السيولة المتسارعة في المنطقة، وكدولة مسلمة فاعلة على الساحة الدولية، وكدولة منخرطة بدرجة أو بأخرى في عدد من الأزمات الإقليمية أو متأثرة بها، فضلاً عن إمكاناتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية المعروفة.

توجه الرئيس التركي للمشاركة في الدورة الـ72 للجمعية العامة للأمم المتحدة على رأس وفد رفيع تعبيراً عن اهتمام بلاده بالحدث والأنشطة المرافقة على هامشه سيما اللقاءات مع قادة وممثلي الدول الأخرى، وقد ضم الوفد إلى جانب “أردوغان” كبير مستشاريه والناطق باسم الرئاسة “إبراهيم كالين”، ورئيس أركان الجيش “خلوصي أكار”، ورئيس جهاز الاستخبارات “حاقان فيدان”، ووزير الخارجية “مولود جاويش أوغلو”، وممثل تركيا في الأمم المتحدة “فريدون سينيرلي أوغلو”، ونائب رئيس الوزراء “رجب أكداغ”، ووزير الطاقة “براءة ألبيراق”، وآخرين.

على هامش لقاءات الجمعية العامة، عقد “أردوغان” لقاءات ثنائية مع عدد كبير من قادة العالم، في مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريس”، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي “يان ستولتينبرج”، ورؤساء كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، ورئيسة وزراء بريطانيا، ورئيس وزراء الباكستان، ولقاءات مع ممثلين عن مؤسسات وجمعيات تمثل الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، وممثلين عن الجالية التركية هناك، وغيرهم، فيما تواصل هاتفياً مع الرئيس الروسي.

وقد ركزت هذه اللقاءات، إضافة للعلاقات الثنائية بين تركيا وكل دولة من هذه الدول، على الأزمات سالفة الذكر، إضافة لحضور استفتاء كردستان العراق تحديداً كملف ساخن فرض نفسه على مختلف الأطراف، فضلاً عن تناول “أردوغان” في لقائه مع ممثلي الجاليات المسلمة أهم مشكلات العالم الإسلامي، الذي تضمن رده المباشر على الرئيس الأمريكي الذي أعاد استخدام مصطلح “الإرهاب الإسلامي المتشدد”، مستنكراً الربط بين “الإرهاب” والدين الإسلامي.

كما لم يغفل الرئيس التركي الملف الإعلامي، فكان حاضراً مع عدة وسائل إعلام أمريكية وعالمية مرئية ومقروءة، لتناول مختلف القضايا الحاضرة على ساحة النقاش السياسي في تركيا والمنطقة والعالم، ولشرح وجهة نظره وموقف بلاده منها.

مضمون الكلمة

تناولت كلمة «أردوغان» في الأمم المتحدة نقاطاً عديدة غطت عدداً كبيراً من الأحداث والملفات والقضايا، لكن أهمها كانت خمسة: سورية و«الإرهاب» واللاجئون وميانمار وإصلاح الأمم المتحدة، بيد أنها لم تهمل بعض التفصيل في أزمات وقضايا عدة في العالم الإسلامي؛ مثل القضية الفلسطينية، والأزمة الخليجية، والعراق، اليمن، وليبيا، والبلقان، وغيرها.

حضرت القضية السورية بشكل موسع في كلمة الرئيس التركي، الذي ركز على الأبعاد الإنسانية في معاناة الشعب السوري على مدى السنوات السبع الأخيرة، معتبراً أن مسار أستانا الذي تشارك به بلاده يمثل أهمية قصوى للوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار في عموم سورية بعد مرحلة “مناطق خفض التصعيد” لإعداد الأرضية اللازمة لحل سياسي شامل وفق مسار جنيف.. “أردوغان” عبّر عن تفاؤله بنجاح التنسيق الروسي التركي الإيراني كإطار ثلاثي ضامن لاتفاق مناطق خفض التصعيد في نسخته الرابعة في إدلب، سيما فيما يتعلق بفتح إمكانية العودة للسوريين إلى بلداتهم وقراهم (كما حصل مع عملية “درع الفرات” في الشمال السوري)، رغم إقراره بالصعوبات والتحديات الماثلة.

اللاجئون السورين حضروا في كلمة “أردوغان” ليس فقط كجزء رئيس من القضية السورية، ولكن أيضاً كملف مستقل قائم بذاته، مركزاً على معاناتهم، وشاكراً مختلف الدول التي استقبلتهم وفي مقدمتها الأردن ولبنان، مع تركيز خاص على استضافة بلاده لأكثر من ثلاثة ملايين منهم منذ بدء الأزمة السورية، بيد أنه لم يغفل توجيه العتب واللوم على المنظمة الأممية وعلى دول الاتحاد الأوروبي الذين اعتبرهم مقصرين في هذا الملف مادياً ومعنوياً، داعياً إياهم إلى الوفاء بتعهداتهم التي قطعوها لمساندة اللاجئين ومساعدتهم.

“الإرهاب”، ذلك المصطلح الفضفاض الذي لم يجد لليوم تعريفاً واحداً وواضحاً على المستوى الدولي بما جعله إحدى أدوات السياسة والضغط على الساحة الدولية، كان حاضراً وبقوة في كلمة “أردوغان”؛ حيث استعرض الأخير التحديات التي تواجهها بلاده ومكافحتها دفعة واحدة لعدة منظمات مصنفة على قوائمها للإرهاب، بدءاً من حزب العمال الكردستاني وأذرعه المختلفة، مروراً بـ”داعش” ومثيلاته، وليس انتهاءً بـ”التنظيم الموازي” وهو الاصطلاح المطلق على القيادة المتنفذة في جماعة “كولن” المتهمة بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016م.

في كلمته، ركز “أردوغان” على أن “الإرهاب” بات مشكلة عالمية عابرة للحدود؛ الأمر الذي يفرض تعاوناً وتنسيقاً بين مختلف الدول لمكافحته، مركزاً على خطأ التمييز بين هذه المنظمات أو الاستعانة بإحداها لمكافحة الأخرى في نقد واضح للدعم الأمريكي المقدم للفصائل الكردية المسلحة في سورية رغم تحفظات أنقرة.

كما أفرد “أردوغان”، بصفته رئيساً لتركيا وأيضاً الرئيس الدوري لمنظمة التعاون الإسلامي، مساحة واسعة في كلمته أمام قادة العالم لأزمة مسلمي الروهنجيا الذين يعانون من حملة تطهير عرقي باعتراف مختلف المنظمات الدولية، معتبراً ما يحصل لهم في القرن الحادي والعشرين “وصمة عار على جبين الإنسانية”، داعياً بنجلاديش أولاً والأمم المتحدة ثانياً إلى ضرورة التحرك الفوري والشامل للتخفيف من معاناتهم.

وأخيراً وليس آخراً، تطرق “أردوغان” إلى الملف الذي لا يمل من تكراره وهو عجز الأمم المتحدة بتركيبتها الحالية عن حل الأزمات المختلفة على مستوى العالم، ولا حتى التخفيف من تداعياتها الإنسانية، فضلاً عن أن تستطيع الحيلولة دون وقوعها، كما كان التصور حين إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية؛ ولذا فقد أكد الرجل ضرورة إجراء إصلاحات جذرية على بنية المنظمة الأممية لتصبح أكثر توازناً وعدلاً في تمثيلها لدول العالم، وأكثر قدرة على الفعل والتأثير، مردداً شعاره الشهير “العالم أكبر من الخمس”؛ أي الدول دائمة العضوية ومحتكرة النفوذ والقرار في مجلس الأمن.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

65

الثلاثاء 24-مارس-1970

حول العالم

نشر في العدد 8

161

الثلاثاء 05-مايو-1970

حول العالم - العدد 8