العنوان أركان العطاء الستة
الكاتب د. علي الحمادي
تاريخ النشر السبت 14-مارس-2009
مشاهدات 23
نشر في العدد 1843
نشر في الصفحة 57
السبت 14-مارس-2009
ليس من أحد عنده ولو قدر يسير من العقل إلا ويتمنى أن يعطي عطاء فذا، وأن يكون له دور كبير في هذه الحياة، وأن يحقق ذاته فيما يُجيد، ولكن كثيراً من الناس يتنكبون الطريق ويتيهون في الأرض، وتتفرع بهم السبل وهم مع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولا يوفق إلى العطاء الفذ النافع إلا من وفقه الله وأنار قلبه وعقله.
تأمل معي صنيع الصحابي الجليل الذي كان يدعى في الجاهلية بـ زيد الخيل، حيث ما إن عمر الإسلام قلبه واتبع رسول الله ﷺ إلا وفكر كيف يكون معطاء لله ورسوله، مع أن أيام إسلامه قليلة، ولكن سقف طموحه مرتفع جداً، وهمته عالية للغاية، وكان جل تفكيره كيف يكون له دور كبير في هذه الحياة.
لما دخل زيد الخيل مدينة رسول الله وجد رسول الله ﷺ يخطب، فلما انتهى الرسول من خطبته وقف زيد الخيل بين جموع المسلمين «وكان من أجمل الرجال وأتمهم خلقة وأطولهم قامة، حتى إنه كان يركب الفرس فتخط رجلاه على الأرض كما لو كان راكباً حماراً »، وأطلق صوته الجهير، وقال: يا محمد أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
أقبل الرسول الكريم على زيد وقال له: من أنت؟ قال: أنا زيد الخيل بن مهلهل، فقال له الرسول ﷺ بل أنت زيد الخير ، لا زيد الخيل الحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك، ورقق قلبك للإسلام، فعرف بعد ذلك بزيد الخير.
ثم مضى به الرسول ﷺ إلى منزله، ومعه عمر بن الخطاب ولفيف من الصحابة، فلما بلغوا البيت طرح الرسول لزيد متكا، فعظم عليه أن يتكي في حضرة الرسول، ورد المتكأ، وما زال يعيده الرسول ولما استقر بهم المجلس، قال الرسول لزيد الخير يا زيد، «ما وصف لي رجل قط ثم رأيته إلا كان دون ما وصف به إلا أنت.. ثم قال له: يا زيد إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله ﷺ، قال: وما هما يا رسول الله ؟ قال: الحلم والأناة»، قال: الحمد لله الذي جعلني على ما يحب الله ورسوله، ثم التفت إلى النبي ، وقال: أعطني يا رسول الله ثلاثمائة فارس وأنا كفيل لك بأن أغير بهم على بلاد الروم وأنال منهم فأكبر الرسول الكريم همته هذه، وقال له: لله درك يا زيد.. أي رجل أنت ؟!، ثم أسلم مع زيد جميع من صحبه من قومه». ولما هم زيد بالرجوع هو ومن معه إلى ديارهم في نجد، ودعه النبي ، وقال: «أي رجل هذا ؟! كم سيكون له من الشأن لو سلم من وباء المدينة»!!..
وكانت المدينة المنورة آنذاك موبوءة بالحمى، فما إن بارحها زيد الخير، حتى أصابته، فقال لمن معه جنبوني بلاد قيس، فقد كانت بيننا حماسات من حماقات الجاهلية، ولا والله لا أقاتل مسلماً حتى ألقى الله عز وجل.
تابع زيد الخير سيره نحو ديار أهله في نجد على الرغم من أن وطأة الحمى كانت تشتد عليه ساعة بعد أخرى، فقد كان يتمنى أن يلقى قومه، وأن يكتب الله لهم الإسلام على يديه وطفق يسابق المنية والمنية تسابقه، لكنها ما لبثت أن سبقته، فلفظ أنفاسه الأخيرة في بعض طريقه ولم يكن بين إسلامه وموته متسع لأن يقع في ذنب. «عبد الرحمن رأفت الباشاء صور من حياة الصحابة مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٩٨٤ ، ص ٨١-٨٥ ».
في أمثال هؤلاء الأبطال الأفذاذ يحق قول الياس فياض إذ يقول:
لا تبكه فاليوم بدء حياته
إن الشهيد يعيش يوم مماته
وإذا أردنا طريقاً يسيراً قصيراً سريعاً للتأثير فأركانه ستة، إذا اجتمعت هذه الأركان في شخص واحد فقد ترشح للعطاء المتميز والصناعة التأثير الفذ.
ومن هنا كان حريا بمن يهدف التأثير وصناعة الحياة أن يحقق فيه هذه الأركان الستة، وكلما نقص ركن من هذه الأركان احتاج التأثير إلى وقت أطول وإلى جهد أكبر، أما الأركان الستة فهي:
1 - الرغبة والحب.
٢- الطموح والهمة العالية والحماسة.
3- الوعي والإدراك.
4- التخصص الأكاديمي أو المهني.
5- الوظيفة الرسالية أو الدعوية.
6- الوظيفة الرسمية.
فإذا تخصص الشخص في مهارة أو صنعة أو تخصص معين، وكان يحب هذا التخصص، وكانت وظيفته الرسمية متطابقة مع تخصصه ومحققة له، وكانت رسالة هذا الشخص ورؤيته لنفسه وعمله التطوعي متفقة مع هذا التخصص، وكان هذا الشخص صاحب طموح وهمة عالية، وكان عنده وعي وإدراك بأهمية ما يقوم به، وبواقعه الذي يعيشه، وبأساليب التأثير المختلفة، وبالعقبات التي تعترض طريقه، إذا تحققت هذه الأركان الستة في شخص ما فانتظر لهذا الشخص مستقبلاً باهراً، وعطاء فذاً، وأثراً لا يجارى وصناعة للحياة يحمد بها صاحبها في دنياه وفي آخرته - إن أخلص لله تعالى ولم يخالف أمره – وكل ذلك بعد توفيق الله تعالى وتقديره وتأييده.