العنوان أزمة حكومية في تركيا .. والسبب « صلاة الجمعة»!
الكاتب محمد العباسي
تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995
مشاهدات 18
نشر في العدد 1152
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 06-يونيو-1995
- تجمع لصلاة الجمعة في تركيا.
أيًا كان الهدف من مشروع قانون إعطاء إذًا لموظفي الدولة لأداء صلاة الجمعة، فإنه يصب في النهاية لصالح الاتجاه الإسلامي في تركيا، خاصة وإن «غفار ياكين» صاحب مشروع القانون من خريجي مدرسة روبرت كولدج الأمريكية ثم من كلية طب «جراح باشا»، وبالتالي فهو ليس من خريجي مدارس الأئمة والخطباء، كما أن اقتراح وهبي دنشر - نائب حزب الوطن الأم . والذي أعلنه يوم ٢٢/٥/١٩٩٥ م بافتتاح أعمال مجلس الشعب بالدعاء يشير إلى أن تزايد الاقتراحات ومشروعات القوانين ذات الصبغة الإسلامية تدخل في إطار محاولات المزايدة على حزب الرفاه الإسلامي، إذ إنه كان الأولى بتبني تلك الاقتراحات.
وعمومًا فإن مجئ المقترحات من صفوف الأحزاب التقليدية العلمانية يدعم مشروع الرفاه، ويكشف زيف العلمانية وفشلها في تركيا، ويفضح المتشدقين بالديمقراطية من اليساريين العلمانيين خاصة بعدما وصف حکمت شتين- نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الشعب الجمهوري -الذين وافقوا على إدراج مشروع القانون في جدول أعمال مجلس الشعب التركي بالانفصاليين رغم أنهم كانوا الأغلبية.
● الموافقون والرافضون
فعلى الرغم من أن مشروع القانون ليس وليد اليوم، ولكنه كان منذ أكثر من سنة إلا أنه وفي يوم ١٧/٥/١٩٩٥ م ، تم تحريك الموضوع وبموافقة ۱۳۲ ضد ٦١ وافق المجلس على إدراج اقتراح النائب المستقل «غفار باكين»، مما أدى إلى اندلاع أزمة حكومية بين حزبي الائتلاف بسبب دعم نواب من الطريق القويم الجناح الأكبر في الحكومة لمشروع القانون.
والغريب في الأمر أن تانسو تشيللر - رئيسة الوزراء التركية - كانت قد رفضت ذلك الاقتراح العام الماضي عندما تقدم به خالد دوما قايا . نائب الوطن الأم .. وقالت في خطاب باسم الحكومة لمجلس الشعب أن اقتراح مثل ذلك من شأنه أن يفسد نظام العمل ولا نراه مناسبًا للتطبيق، ولذلك قال حكمت شستين - نائب رئيس الوزراء- في تعليقه على تصويت بعض وزراء الطريق القويم على الاقتراح أنه خطأ لأن الحكومة قضته.
وبالطبع فإن موافقة الطريق القويم على المشروع وإدراجه في جدول الأعمال استهدف تحقيق هدفين.
الهدف الأول: الإفلات من مناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي يصر الشعب الجمهوري الشريك الأصغر على رفع المادة الثامنة منه التي تحد من حرية الفكر، وهو الأمر الذي لا تستطعه تشيللر في ظل رفض أغلبية حزبها، ذلك علاوة على أحزاب المعارضة الأخرى وكذلك الجيش.
الهدف الثاني: محاولة المزايدة على الرفاه إسلاميًا قبل انتخابات ٤ يونيو المحلية التكميلية التي أظهرت استطلاعات الرأي العام . وفقًا لما نشرته بني يوزيل يوم ١٨/٥/١٩٩٥ م، إن حزب الرفاه سيفوز بنسبة 22.8%محتلا بذلك المركز الأول.
وقد فطنت تشيللر إلى التوجه الإسلامي للشعب التركي، ولذلك أرادت استغلال اقتراح صلاة الجمعة للاستفادة انتخابيًا، والدليل على ذلك ما تقوم به في جولاتها الانتخابية إذ تقوم بإلقاء أغطية الرأس على الفتيات والنساء.
والدليل على أن الطريق القويم سيلعب بموضوع إذًا صلاة الجمعة أن الاقتراح أدرج برقم ٢٦٢، وهذا يعني أنه لن يناقش حتى ولو يقي مجلس الشعب حتى خريف العام المقبل، وهو ما فطن إليه حزب الرفاه، ولذلك يعمل شوکت کازان - نائب رئيس المجموعة البرلمانية - لتقديم ذلك المشروع إلى الأمام ويسانده في ذلك الوطن الأم الذي أعلن مساندته لمشروع القانون وتقديم موعد مناقشته أيضًاً.
وقد اعتبر الرئيس دميريل أنه من الخطأ توظيف العبادة في السياسة مؤكدًا بأن لكل إنسان في تركيا الذهاب لصلاة الجمعة ولا يوجد عائق أمام ذلك، مشيرًا إلى أنه يمكن التشاور مع رئاسة الشئون الدينية حول ساعة الصلاة ولا يحتاج ذلك قانون.
أما كنعان أيفرن - رئيس الجمهورية السابق وقائد انقلاب ۱۹۸۰ فقال إنه يتمنى ألا ينجز ذلك الاقتراح من المجلس لأن معنى ذلك أنها خطوة ليكون يوم الجمعة عطلة رسمية مشيرًا إلى أن صدور القانون سيولد مشاكل خطرة وسيفسد التوازن الحالي.
وقال الجان حاجال أوغلي - وزير الدولة لحقوق الإنسان- إن تشريع ذلك الأمر سيؤدي إلى تنظيم الدولة من جديد وفقًا للقواعد الإسلامية، وتركيا دولة علمانية، وبالتالي فإن إعطاء إذن لموظفي الدولة لصلاة الجمعة مخالف للعلمانية.
وقال طورهان تایان - نائب الطريق القويم - وممن ساندوا مشروع القانون أنه لا يعتقد أن المشروع سيرى النور.
أما مسعود يلماظ - زعيم الوطن الأم - فأعلن مساندته للمشروع مشيرًا إلى أن موقف الشعب الجمهوري خطأ.
وكان أغرب تعليق قد جاء من النائب المستقل حسن مزارجي «إسلامي، إذ قال وفقًا لما نشرته ملليت يوم 20/٥/1995 ولم يكذبه حتى 24/٥/1995 لن أصوت لاقتراح قانون بأن تكون يوم الجمعة عطلة رسمية، مشيرًا إلى أنه لا يوجد شيئًا كهذا في القرآن، إذ إن القرآن يأمر بالعمل، ولا يوجد يوم يمنع الإسلام فيه العمل.
● تداعيات الأزمة
ولم ينته الأمر عند ذلك الحد بل ازدادت حدة الأزمة عندما أعلن وهبي دنشر - نائب حزب الوطن الأم - أنه سيتقدم باقتراح بمشروع قانون أن يبدأ مجلس الشعب جلساته بتلاوة دعاء مثلما هو الحال في مجلس العموم البريطاني ومجلس النواب الأمريكي مشيرًا إلى أنه لم يقل أحد أن ذلك ضد العلمانية، وقال دنشر إن اقتراحه يعتمد صيغة الدعاء التالي: «اللهم يسر لنا أعمالنا، واجعل في قراراتنا وأعمالنا خيرًا للوطن والشعب» وهو ما أثار حزب الشعب الجمهوري أيضًا.
وعمومًا فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الأحزاب العلمانية في تركيا، أصبحت تعي التوجه الإسلامي في تركيا .. ولذلك تتعامل معه... كحقيقة واقعة وتستفيد منه وتزايد على الرفاه الإسلامي أيضًا وهو ما يحسب في النهاية للرفاه الذي نجح في تجسيد نموذج الحزب السياسي الذي يستمد منهجه من الإسلام وتوجهاته، فكل خطوة تقرب تركيا من مبادئ دينها أيًا كان من يخطوها فإنها تصب في النهاية لصالح الإسلام ومشروعه الحضاري الذي يتقدم في تركيا بقدم راسخة رغم كل المحاولات العلمانية الفاشلة لإفساد عقيدة الشعب التركي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل