; مواقف | مجلة المجتمع

العنوان مواقف

الكاتب فتى الخليج

تاريخ النشر الثلاثاء 12-يناير-1971

مشاهدات 28

نشر في العدد 43

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 12-يناير-1971

 

لم يكن الرعيل الأول من قراء التاريخ، بل من صانعيه، ولا يجب أن نرضى نحن إلا أن نكون كذلك..

في ثنايا تكوينات التركيبة السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية اتجاه إسلامي يحاول جاهدًا البروز إلى السطح والتأسس عليه والإنتاج فيه. أصحاب هذا الاتجاه هم أصحاب فكرة، لها كتاب ونص، ويحاولون من خلال الحركة تحقيق مضمونات الفكرة على صعيد أنفسهم أولًا ومحيطهم ثانيًا. وثمة أمر لا بد من العناية به في هذه المرحلة الكفاحية والانتقالية من كون  الفكرة إلى حيز الحركة، ذلك هو تحقيق أعلى درجة ممكنة من التناسب والانطباقية بين الفكرة والحركة.

بمعنى آخر أن تكون الحركة تجسيدًا حيًّا للفكرة بكل جوانبها، والتأكيد هنا على كلية التجسيد أمر لا بد منه، واستلهام الفكرة في سير الحركة أمر ضروري لا يخضع بحد ذاته لنقاش، غير أن اقتصار عملية  الاستلهام والتلقي على نص الفكرة من غير أن توضع في الاعتبار حيثيات البيئة السياسية والاجتماعية التي تعمل في نطاقها الحركة أمر في رأيي المتواضع يتطلب منا وقفة نمحص فيها الرأي ونحدد فيها المواقف.

فكما نعلم من خلال دراسة تاريخ الحركات العقائدية أن الوسائل الحركية التي تتبعها أي حركة إنما تنبثق من:

 1- فكرة الحركة العقائدية.

2- الظروف الموضوعية للبيئة السياسية والاجتماعية التي تعمل في نطاقها الحركة.
 فإذا انبثقت الوسائل الحركية أو منهاج عمل الحركة من نص الفكرة فقط وتجاهلت الحركة الواقع السياسي الذي تعيشه البيئة الحركية المحيطة بها حكمت بذلك على نفسها بالانعزال، وتوغلت في عالم الطوبائية الفلسفية التي من شأنها تحويل الحركة من كونها تجميعًا حركيًّا إلى كونها معسكرًا فكريًّا تنحصر ممارسته في نطاق النشاط الفكري المجرد.

ومن ناحية أخرى إذا جعلت الحركة الظروف الموضوعية للبيئة السياسية والاجتماعية هي مصدر استيحاء طبيعة، وإبعاد منهاج العمل، متجاهلة الفكرة وما تفرضه من حدود، تكن بذلك الحركة قد نفت عن نفسها صفة العقائدية المنهجية، ودارت مع دوامة الواقع السياسي وتقلباته وتغيراته الذي يستنفد بعنفوانه طاقة الحركة؛ أي حركة، فلا بد إذن على الاتجاه الإسلامي أن يحاول الحفاظ على التزامه العقائدي، وفي نفس الوقت على صفة الإيجابية  الحركية، وذلك يتحقق من خلال فكرته العقائدية يستوحيها في منهاج عمله، واضعًا في الاعتبار أهمية المحيط السياسي والاجتماعي الذي يعمل في نطاقه، وما يفرضه من الاعتبارات التي يجب أن تنعكس على منهاج العمل. وأن أي تجاهل لأي من العنصرين وأقصد بذلك الفكرة والمحيط يُفقد الحركة مسوغات وجودها وشرعيته، كما أنه يفصل الحركة عن الجماهير التي تشكل المادة البشرية التي تتعامل معها، والتي وضع منهاج العمل ليحقق حسن الاتصال بها.

فالحركة وجدت لتحقيق الفكرة، وتأسيسها على تراب أرض وفي قلوب بشر، فحسن التعامل مع الأرض والبشر أصول تحتمها طبيعة المهمة الملقاة على الاتجاه الإسلامي.
وتأسيس الحقيقة فوق الأرض وفي القلوب هي ما نستطيع تسميته صناعة التاريخ، الصناعة التي لا يقدر عليها إلا رجال ذوو نمط خاص. إن باستطاعة كل الرجال أن يقرأوا التاريخ، لكن ليس باستطاعة كل الرجال أن يصنعوا التاريخ، إن صناعة التاريخ صناعة دموية.  وأقصد بذلك أن الدم هو وقود التحرك فيها إلى الأمام إذا لم يتوفر عنصر الاستعداد لبذل الدم في قلوب صانعي التاريخ؛ سيكون ذلك تحولهم إلى قراء للتاريخ فقط قراء.

فهل الداعون إلى الله قراء للتاريخ أم صانعو تاريخ؟ يجيب الرسول على ذلك فيقول:

« لمَّا أُصيب إخوانُكم بأُحد جعل اللَّه أرواحهم في أجوافِ طير خضر ترِدُ من أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربِهم ومقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا، لئلا يزهدوا في الجهاد وينكلوا عن الحرب، فقال الله عز وجل أنا أُبلغهم عنكم فأنزل اللَّه على رسوله هذه الآيات: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾» (آل عمران: 169- 170).

لم يكن إذن الرعيل الأول من قراء التاريخ، بل من صانعيه، ولا يجب أن نرضى نحن إلا أن نكون كذلك.

فتى الخليج

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

منهج القرآن في التربية

نشر في العدد 222

16

الثلاثاء 15-أكتوبر-1974

حوار حول الصلاة

نشر في العدد 451

21

الثلاثاء 26-يونيو-1979