العنوان أصالة الإسلام وتميزه - لا تخضعوا الإسلام للتأثر العاجل بالشعارات
الكاتب الأستاذ الدكتور جابر قميحة
تاريخ النشر الثلاثاء 02-أبريل-1974
مشاهدات 12
نشر في العدد 194
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 02-أبريل-1974
أصالة الإسلام وتميزه
لا تخضعوا الإسلام للتأثر العاجل بالشعارات
بقلم: الأستاذ جابر المتولي قميحة
لقد ظلموا الإسلام، نعم ظلموا ذلك الدين الذي قال عنه منزله سبحانه ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (آل عمران: 85 ). ظلموه حين وزعوه- في زعمهم- أشلاء بين المذاهب المعاصرة، وتياراتها المنكرة، فقالوا: اشتراكية إسلامية، ورأسمالية إسلامية، ويسار إسلامي، ويمين إسلامي، ومن هذا المنطلق المنكوس غدا نسمع بالوجودية الإسلامية، والهييزية الإسلامية... إلخ.
ومحاولة خلع صفة «الإسلامية على هذه المذاهب، أو على بعض مبادئها، يعد اعترافا ضمنيا بأصالة هذه «الأيديولوجيات» من جانب، وتفتيتا لشخصية الإسلام من جانب آخر. ولو سرنا على هذا الدرب فسنجد المسلمين بالتدريج قد تخلوا تمامًا عن دينهم إلى ردة أعتى و أفحش من ردة مسيلمة الكذاب. وصدق الشاعر القائل:
إذا نحن طامنا لكل صغيرة
فلا بد يومًا أن تساغ الكبائر وهؤلاء الذين يحاولون صنع هذه «التركيبات» أو«التلفيقات» الغريبة على روح الإسلام فريقان:
1 - فريق حسن النية من كتاب المسلمين راعهم توزع الشباب والفكر بين المذاهب الشرقية والغربية فأرادوا القيام بعملية «تعصير» للفكر الاسلامي من وسائلها استعارة المصطلحات المذهبية الأجنبية، وعقد «مصالحة» أو«توفيق» بين الإسلام وأيديولوجيات العصر، خلوصا إلى «الحل الوسط».
۲ - فريق ساءت نيته وانهارت قيمه؛ فأراد بخبث وذكاء أن يمزق الإسلام أشتاتًا وأشلاء بين المذاهب والتيارات المتصارعة، حتى تذوب شخصيته، وتنمحي معالمه أو تتيه تحت الركامات.
والواقع يقول: إن النتيجة واحدة وإن اختلفت النية عند الفريقين.
والتسميات الجديدة لهذه الأيديولوجيات وأن أخذت وصف «الإسلامية» تدخل كلها في باب المحدثات، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وإذا جاز لنا أن نستعير بعض اصطلاحات المناطقة قلنا: إن الإسلام دين جامع مانع. هو دين جامع لكل ما يسعد الإنسان في دنياه وأخراه.
وطبيعته «الجامعة لم تترك في قواعده ثغرة أو فراغا يتطلب الامتلاء أو الاقتراض. وهذه الطبيعة الجامعة أيضًا تفسر ذلك الإعلان الإلهي ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ﴾ (المائدة: 3).
وهو دين مانع له حدوده الخاصة، وأسواره الشامخة الحصينة، التي تجعل لشخصية المؤمن النقي ملامح مميزة تتلخص في أنه «قرآن يمشي على قدمين»، وبهذا المعيار يكون المؤمن «محصنا» ضد كل ما يحيط به، ويحاول أن يتجاذبه من تيارات وأهواء.
والإسلام- في الإجمال- ليس نظرة تخضع للأهواء، وتتعرض للتقلب العاطفي، كما أن الإسلام ليس «نظرية تتجاذبها صفة» الإطلاق في عصر، وصفة «النسبية» في عصر آخر. فالنظريات حتى في مجال العلوم الفيزيقية والتجريبية - ينقض بعضها بعضا، وأن خيل أنها تجرى في الوجود مجرى البديهيات والمسلمات المطلقة، ولكن الإسلام منهاج حياة، وشرعة وجود: تنظم كل العلائق الإنسانية: علاقة الفرد بنفسه، وعلاقته بمجتمعه، وعلاقته بالعالم المحسوس وعلاقته بالعالم المغيب، بل وعلاقة الإنسان بالحيوان.
اقرؤوا -إن شئتم- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» وقوله «عذبت امرأة في هرة حبستها»... وهذه العلائق تنطلق أصلا من علاقة المسلم بربه، وهي علاقة مباشرة لا تمر «بوسيط» ولا تحتاج لكرسي من كراسي الاعتراف.
وانطلاقًا من هذا المنطلق يرفض الإسلام - في عزة وإباء - الحلول الوسط لمشكلات الحياة، كما يرفض- في شموخ- التصالح مع أيديولوجيات الشهوات والأهواء، تلك التي نزفتها عقول كسيحة.. يرفض الماركسية والرأسمالية والوجودية... إلخ كما رفض من قبل الوثنية والهرقلية والكسروية.
ومنطق الرفض هنا يأتي متسقًا مع منطق الفطرة والحياة، ومتسقًا مع حرص الإسلام على إنسانية الإنسان.
وانطلاقًا من هذا المنطق أيضًا يرفض الإسلام «ازدواجية الولاء »: ولاء المسلم للإسلام من جانب وولاءه لعقيدة أخرى من جانب أخر، وقد حسم الإسلام هذه المسألة بهذا الحكم القاطع «إن الدين عند الله الإسلام»
وكأني بقارئي يقف معترضًا ليقول أين أنت من قول الرسول الكريم «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهي له»؟ فما المانع– اتساقًا مع هذا القول- من أن يفتح المسلم صدره وقلبه لما جد من عقائد العصر إذا ما ثبت نفعها واطرد صلاحها ؟؟
وأقول لقارئي- ونحن نعيش في مجتمع تجاري- أن الدولة لا تلجاً إلى إستيراد سلعة استهلاكية أو إنتاجية إلا إذا قام الاحتياج إليها ولم نكن نقوم بإنتاجها أو إنتاج ما يماثلها، وقبل ذلك لابد أن تراجع الدولة رصيدها المدخر حتى لا يختل ميزانها التجاري ويكون عملها هذا ضربا من الترف والعبث والضياع. واستيراد المبادىء قد يكون حكمة إذا كان «رصيدنا العقائدي» فقيرا مهزولا، والإسلام بحمد الله قد كتب الله له الكمال، ولو ألقينا نظرة عجلى على قواعده للمسنا فيها «أصالتين» لا يخطئهما النظر:-
۱ - أصالة زمنية: فقد سبق الإسلام كل الأيديولوجيات المعاصرة إلى تنظيم شؤون الإنسان. وهو بمعيار السبق الزمني كان معايشا للفطرة الإنسانية، معترفا بها، مقوما لها. وهي فطرة لا يمكن فصلها عن الوجود البشري من خلق آدم حتى الأن، والإسلام لم يخنق هذه الفطرة بالكبت، كما لم يسمح لها أن تدمر وجودها بالانفلات، إنما صبغها بصبغة الله. ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ ﴾ (البقرة: 138)
2 - أصالة موضوعية: فالإسلام- موضوعيًّا- أغنى وأثرى وأكمل من كل هذه العقائد الوضعية. وهي حقيقة لمسها ونطق بها كثير من الغربيين الذين بحثوا في الإسلام بروح متحررة، مثل العلامة «ليوبولـــــــد فايس» الذي شهر إسلامه، وتسمى باسم «محمد أسد» وأثرى المكتبة الإسلامية ببحثين من أغنى ما كتب عن الإسلام وهما «روح الإسلام» و«الطريق إلى مكة».
وفي ظل هذه الأصالة الإسلامية بنوعيها أجد لزامًا علي أن أشير على سبيل الإلماح إلى أن كثيرا من القواعد القانونية التي يسمونها حديثة والتي لا يخلو منها أي قانون وضعي، أقول في إيجاز أن الإسلام قد سبق هذه القوانين جميعا إلى تأسيس هذه القواعد تنظيرا وتطبيقا ومنها:
۱ - قاعدة: «الأصل في التصرف الإنساني هو البراءة، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص» أصلها الشرعي هو قوله تعالى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (الإسراء: 15)، وقول الرسول الكريم لمن اتهم مسلما بالسرقة قبل التحقيق والتحقق «لا تقل سرق ولكن قل أخذ».
۲- إسقاط التهمة لبطلان التفتيش: سبق عمر إلى هذه القاعدة حين أسقط عقوبة الجلد عن شاربي خمر لأنه تسور عليهم منزلهم بدون إذن منهم.
3- الشك يفسر لصالح المتهم: قصة النبي مع الصحابي ماعز الذي جاءه معترفًا بالزنا، وهي تعد فتحًا جديدًا في فن التحقيق والاستجواب.
وقواعد الإثبات المدني والتجاري ونظام الشفعة والحسبة، وحق الجماهير في محاسبة الحاكم... إلخ مما يضيق المجال عن تفصيله.
هذه هي شخصية الإسلام الحي النابض، ومن ملامحها: الكمال والتكامل والأصالة والاكتفاء الذاتي، ولا ينقص هذا الدين في عالمنا الحاضر إلا... مسلمون، فهل أنت مسلم ؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل