; ألقى عصاه.. ثم مضى | مجلة المجتمع

العنوان ألقى عصاه.. ثم مضى

الكاتب علي حسن

تاريخ النشر الجمعة 01-نوفمبر-2024

مشاهدات 18

نشر في العدد 2197

نشر في الصفحة 42

الجمعة 01-نوفمبر-2024

الموجه الفني بوزارة التربية الكويتية

تناقلت وسائل الإعلام العالمية بدهشة وذهول صور المواجهة الأخيرة بين جيش الاحتلال الصهيوني المدجج بأحدث أسلحة الغرب الفتاكة، ومجموعة صغيرة من المجاهدين بأسلحتها البسيطة يقودهم المطلوب الأول في العالم يحيى السنوار تقبله الله في الشهداء!

إنه الرجل الذي قضى عقدين من عمره خلف قضبان السجون مدافعاً عن عقيدته وقضيته، وخرج من سجونهم ليكمل أداء المهمة بروح وثابة وعزيمة عصية على الانكسار، فقرر أن يخط بثباته تاريخًا جديدًا في مواجهة المحتل لا يعترف بقواعد اللعبة التي وضعها حلفاء الصهاينة، ويقلب طاولة التوازنات الدولية على رأس منافقي العالم الحر المتحضر.

مثل يحيى السنوار «أبو إبراهيم» نموذجًا فريدًا في الثبات وعلو الهمة وسمو الغاية في كل مرحلة من مراحل حياته، فعندما كان شابًا يافعًا اختار أن يسد ثغرًا من ثغور الجهاد لم يسبقه إليه أحد، فأنشأ جهازًا لرصد وملاحقة العملاء الذيم يمدون العدو بالمعلومات أطلق عليه جهاز «مجد»، وبعد أسره عجز سجانوه عن الظفر بمعلومة منه تدلهم على إخوانه ورفاقه، وقاد الحركة الأسيرة في السجن فحول السجون إلى كليات ومعاهد إعداد للأسرى، وبعد خروجه من السجن بصفقة مشرفة مقابل الجندي الصهيوني شاليط لم يختر لنفسه حياة الراحة والهدوء، بل واصل مسيرته الجهادية، وقاد أكبر حركة مقاومة في مدينة غزة، وخطط المعركة كبرى تحطم أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، ويستعيد من خلالها الأسرى والأسيرات من سجون المحتل الغاصب، فكانت طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، التي دك فيها المجاهدون صرح الزيف الصهيوني، ومزقوا الأساطير التي نسجت حول قوة وتماسك الكيان المحتل.

بعد مضي عام على بدء معركة «طوفان الأقصى» وحرب الإبادة التي يشنها اليهود تحت شعار «البحث عن السنوار في أنفاق غزة»، يخرج لهم الرجل الاستثنائي في الصفوف الأمامية مقاتلًا مشتبكًا مقبلًا غير مدبر يواجه طائراتهم ودباباتهم بسلاحه البسيط وإيمانه العميق، خرج ليرسم مشهد النهاية لمسيرة جهادية بطولية مليئة بالدروس والعبر، وليُجهز على ما تبقى من أساطير صهيونية كانت تدعي اختباءه وهربه.

المشهد الأخير من حياة السنوار يستحق التوقف عنده والتمعن فالرجل الستيني قاتل قتالًا شرسًا غير مكترث بيده التي قطعت، وذخيرته التي نفدت، وعدوه الذي يحاصره من جميع الاتجاهات وأنهى المشهد الأسطوري بإلقاء العصا على الطائرة المسيرة ألقى عصاه ليخبر الدنيا بأن صاحب الحق يأبى الاستسلام، ألقى عصاه لتلقف إفك الإعلام المتصهين الذي سحر أعين الناس ألقى عصاه لتحرك مياه العرب الراكدة وتعيدهم إلى حقيقة الصراع مع اليهود المحتلين بعيدًا عن أوهام التطبيع، ألقى عصاه لتحطم سلسلة من الأكاذيب والخرافات الصهيونية عن شجاعة جيشهم، ألقى عصاه فذهل أعداؤه من المشهد وسارعوا إلى نشر الصور، فعرف الناس أن عدة صاحب العصا جعبة عسكرية، وسلاح يواجه به عدوه، وكتيب أذكار يتقرب بالمداومة عليها إلى ربه سبحانه وتعالى، وطيب يعكس سيرة ومسيرة صاحبه، ألقى عصاه ليُحيي روح الجهاد في جسد أمة طال عليها أمد التراجع والاحتلال والظلم، ألقى يحيى عصاه ثم مضى.

اللهم تقبله في الشهداء، وارفع منزلته في عليين، وأخلف على الأمة خيرًا، وأرنا في الصهاينة المحتلين عجائب قدرتك.

الرابط المختصر :