العنوان أنا الشعب أعيش في طاحونة
الكاتب الشيخ حسن أيوب
تاريخ النشر الثلاثاء 03-يونيو-1975
مشاهدات 44
نشر في العدد 252
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 03-يونيو-1975
أنا الشعب أعيش في طاحونة
يقولون: كل شيء من الشعب وإلى الشعب وللشعب وعن الشعب وفي الشعب إلى آخر حروف الجر.
فلا أدري أي شعب يقصدون.. ولا إلى من يسند الأمر.
أهو شعب في المريخ أم في المشترى أم في الجو أم في البحر؟؟
أما أنا.. شعب الأرض فلا أدري أن لي شيئًا.
أنا أحمل كل ظلم وحرام أن أشكو رزءًا.
أعيش في طاحونة.. ولا مكان لي سواها.
كبلوني وأغمضوني ورموني في رحاها.. صنعوا مني جيوشًا.. خدمة للزعامات.
قدموني لكل نار.. قربة للشعارات، خطفوا اللقمة من فمي باسم الحرية.
وعروا كل أطفالي باسم الوطنية.
يرقصونني على فوهة بركان ويصفقون.
ويقولون لي أنت وحدك السيد حين يذلون.
ثم يقولون لي أنت رجعي حين يخونون.
ويصبون علي ذنوب العالم حين ينهزمون.
باسمي يأكلون على موائد المؤتمرات عرق اليتامى.
ومن دمي تدفع الشيكات لمن يشبعونني شقاءً وإيلامًا.
نصف قرن في وعود كدوي المدافع.
نصف قرن في دومة الخطب ومهزلة المطامع.
وقبل ذلك وبعد ذلك أنا بين الأحجار أطحن.
لماذا أنا؟ أنا وحدي أطحن؟
أشعلوا النار في جسدي والراقصات من حولي وقالوا تحمل.
سرقوا المال من جيبي وسكروا به مع عدوي وقالوا سنعمل.
خطفوا اللقمة من فمي وقدموها للبغايا وقالوا: ثمن المستقبل.
سلبوا الراحة من قلبي والنوم من عيني وقالوا: إنك بطل.
لو قلت لهم: أين أنا فبماذا يجيبون؟
لو قلت: أين أرضي؟ أین قدسي.. أين حريتي؟
أين إنسانيتي؟ أين كرامتي؟ أين یا قوم عدالة لقمتي؟
أین أهدافي وآمالي؟ أين قوة وحدتي؟
أين حقي في العدل وأنتم كلكم يا قوم فوقي؟
أين نصيبي في المساواة ولمن أشكو ضياع حقي؟
أين ديني والخلق؟
أين الخضوع لمن خلق؟
أين طريقي في حمى الإسلام؟
أین مصنع الذرة يحمي السلام؟
باسم من بطونكم شبعي وبطني جائع؟
أجسامكم حبلى بالرياش وجسمي ضائع.
إنني أملأ الأرض صياحًا.
إنني أكثر الناس جراحًا.
إنها طاحونة لا ترحم.
أنا لا زلت أحس بذل العبودية لأصنام کبریائكم.
ولا زلت أشعر بالقيود من صنيعكم.
ولا زلت أرسل الأنين بسبب قسوتكم وظلمكم.
وتقولون أنت الشعب.. وأنت أنت.
نعم أنا.. أنا.. ولا زلت أنا.
أنا الفقر.. أنا الجهل.. أنا المرض.. أنا الذل.. أنا الضياع.
أنا الشقاء.. أنا من لست عندكم أنا..
كل شيء يبرم.. وأنا.. كأني لست هنا..
عند الغنائم أنتم من هناك ومن هنا.
عند البلايا والشقاء أنا وحدي أكون ها هنا.
أنتم تخونون.. وتتاجرون.. وتنتقمون.
وتفوح منكم الروائح الكريهة وأنتم سكرانون..
وترتكب باسمكم كل الجرائم ولا ترحمون..
إنني من ظلمكم أصرخ.. من الخور وضياع الرجولة أصرخ..
من هول الحاضر أصرخ.. من ظلام المستقبل أصرخ..
من ضياع القيم أصرخ.. من نفاق الكلمة أصرخ..
ضعوني يومًا واحدًا مع الكلمة الصادقة أو.. دعوني.
واعدلوا مرة واحدة في حياتكم تنصفوني..
وسلوني ماذا أريد وماذا أشكو كي ترحموني..
كل شيء في الحياة متناقض أمامي.
تدعون الإسلام.. والإسلام أنتم حاربتموه..
وتدعون العروبة.. والعروبة ثوب مزقتموه..
وناديتم بتحرير الأرض.. والعرض.. والقدس..
واستنزفتم مني الدم.. والمال.. والنفس.
ثم تراخيتم على الأرائك في وداعة المتخاذلين..
همكم أن تقوم دولة أو دولتان بما يطلب من العرب أجمعين..
وهكذا عدت إلى الطاحونة أطحن في رحاها.
كل يوم تلبسون ثوبًا.. غريبًا على العروبة والإسلام.
فلا أنتم عمالقة.. ولا أنتم من الأقزام.
كل عام تستوردون مبادئ تصبونها في عقول الشعب صبًّا.
لا هي حررته ولا هي أشبعته ولا هي أعطت ما كان صعبًا.
نفوسكم تحيا كعود ثقاب في يد عابث لا يشعل عند الحاجة نارًا ولكن يحرق كل أخضر ويابس.
ظنناكم كبارًا فكنتم أكبر صدمة للشعوب.
أمنّاكم على ساس ويسوس فجلبتم أعظم الخطوب.
كل القضايا بأيديكم معلقة.
لا هي محبوسة ولا هي مطلقة.
ولا هي محلولة ولا هي موثقة...
تلك رغبتكم إذًا.. ألستم آلهة باطلة؟
ونحن شعوب تتخبط في الظلام تائهة.
نريد الخلاص ولكن.. ليس لها من دون الله كاشفة.
فارحموني واعدلوا.. واقطعوا حبل الكلام.
وحدوني واهجروا.. كل أسباب الخصام.
علموني وارفعوا.. كل أعلام الوئام
عالجوني وانظروا.. كيف أجتاح الظلام.
حرروني واهدموا.. کل أوکار اللئام.
اهدموا كل المطاحن.. كي تعيشوا في سلام.
ازرعوا بي كل أرض.. فيها شبر للمزارع.
واصنعوا بي كل شيء.. من قنابل أو مدافع
واجعلوا مني جيوشًا.. كي تهاجم أو تدافع
واصدقوا في كل قول.. والبسوا ثوب التواضع.
لا تكونوا كل يوم في ثياب أو براقع.
إنني ذقت كثيًرا كل أعضائي مواجع
هل سمعتم.. هل رحمتم.. هل عزمتم..
بالله یا قومی اعدلوا.
اهدموا كل المطاحن.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل