; أهمية التربية في بناء الجيل المسلم | مجلة المجتمع

العنوان أهمية التربية في بناء الجيل المسلم

الكاتب حسين علي البرواري

تاريخ النشر السبت 09-مارس-2002

مشاهدات 29

نشر في العدد 1491

نشر في الصفحة 56

السبت 09-مارس-2002

■ أشرف المهن وأكثرها تأثيرًا في حاضر الشعوب وتتحقق بالتدرج والوسائل السليمة.

■ من عناصر التربية المحافظة على فطرة الناشئ وتوجيهها نحو الصلاح والكمال.

■ التربية لغة: الزيادة والنمو والترعرع والرعاية والسياسة وتولي الأمر.

■ تجمع بين تأديب النفس، وتصفية الروح، وتثقيف العقل، وتقوية الجسم.

التربية أساس علمي واجتماعي وإنساني لكل عصر وجيل، ولهذا انبرى لها المصلحون والحكماء، كما تبوأت الصدارة في أولويات الدول، ومن هنا لم نر أمة تنشد لأبنائها التقدم والرقي إلا وكان لها منهج تربوي، تصوغ من خلاله نموذج المجتمع الذي تريد، فإذا اختل البناء التربوي اضطربت مسيرة هذا المجتمع، وتعثر بناؤه وتطوره

تعتبر مرحلة الطفولة من أهم مراحل عمر الإنسان، وأطولها عهدًا، وتكمن أهمية هذه المرحلة ليس لكونها مرحلة إعداد للحياة المستقبلية فحسب، وإنما أيضًا لكونها مرحلة لنمو الفرد من جميع نواحيه، في ضوء ما يتلقاه من رعاية وتنشئة اجتماعية، وما يكتسبه من خبرات.

 وانطلاقًا من أهمية مفهوم التربية من الجدير بالذكر إيراد بعض ما جاء من تعاريف لهذا المفهوم؛ كي تتبين الصورة المثلى لها:

  1.  جاء في لسان العرب لابن منظور: ربا الشيء يربو ربوا ورباء بمعنى زاد ونما، وأربيته بمعنى نميته، وفي التنزيل الحكيم ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ (سورة البقرة: 276)، ومنه أخذ الربا الحرام.

  2. في معجم الطلاب: ربي ربت المرأة طفلها، بمعنى غذته وأطعمته حتى كبر. 

  3. ورد في الصحاح ص ٣٦٣: ربا الشيء يربو ربوا، أي زاد.

 والرابية الربو، وهو ما ارتفع من الأرض. والربو النفس العالي، وربا الفرس، إذا انتفخ من عدو أو فزع.

  1.  قال الفراء في قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾ (سورة الحاقة: 10)ن أي زائدة، كقولك: أربيت، إذا أخذت أكثر مما أعطيت. 

أما في معجم الرائد لجبران مسعود، رب يرب الولد، بمعنى تعهده ورباه وأدبه. 

أما عند الرجوع الى الأصول اللغوية لكلمة «التربية» في اللغة والاصطلاح فسترى ما يلي:

أولًا: التربية في اللغة

تعود إلى أصول ثلاثة هي:

الأول: ربا يربو: بمعنى زاد ونما.

الثاني: ربي يربي -بوزن خفي يخفي، بمعنى نشأ وترعرع.

الثالث: رب يرب بمعنى أصلحه وتولى أمره وساسه وقام عليه ورعاه.

 وبذلك تكون معاني التربية في اللغة الزيادة والنمو والنشوء والترعرع والإصلاح والرعاية والسياسة وتولي الأمر.

ثانيًا: التربية في الاصطلاح

اشتق العلماء لها معاني منها:

  1.  تبليغ الشيء الى كماله شيئًا فشيئًا.

  2. إنشاء الشيء حالًا فحالًا الى حد التمام الدكتور محمد عبد الله الدراز عرفها في كتابه «كلمات في مبادئ علم الأخلاق» بقوله: هي تعهد الشيء ورعايته بالزيادة والتنمية والتقوية والأخذ به في طريق النضج والكمال الذي تؤهله له طبيعته.

في ضوء ما سبق نجد أن التربية تتكون من عناصر منها:

  1.  المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.

  2.  توجيه هذه الفطرة والمواهب نحو صلاحها وكمالها اللائق بها وكمال كل شيء بحسبه. 

  3. التدرج في هذه العملية:

لذلك لم يكن عجيبًا، أن نرى الدول المتقدمة تولي الجانب التربوي والتعليمي أهمية قصوى وتخص الشباب فيه بهذه الأهمية إلى درجة أن الولايات المتحدة الأمريكية، رائدة العالم في الماديات ترى أن أكبر خطر يهددها هو الخطر التربوي، ومن ثم التعليمي.

وقد أحس أصحاب التوجيه في المجتمع الأمريكي بهذا الخطر الذي تبلور في قرار وزير التربية الأمريكي تبريل بل في شهر أغسطس سنة ۱۹۸۱م، بتشكيل لجنة من ثمانية عشر عالمًا في شتى التخصصات العلمية والنفسية والاجتماعية، وعلى الخصوص من الممارسين التربويين في الميدان الاجتماعي التربوي، وقدمت اللجنة تقريرها في شهر أبريل ۱۹۸۳م، بعنوان: «خطاب مفتوح إلى الشعب الأمريكي: أمة في مواجهة الخطر»، وكان له أثر كبير وصدى واسع في الأوساط الرسمية والعلمية والاجتماعية.

نظرة على الإسلام

هنا يتجلى الأمر بأن نلقي نظرة على التربية في الإسلام لأهميتها في بناء الجيل، فنرى أنها تجمع بين تأديب النفس، وتصفية الروح، وتثقيف العقل، وتقوية الجسم، كما أنها تعنى بالتربية الدينية والخلقية والعلمية والجسمية، دون تضحية بأي نوع منها على حساب النوع الآخر. 

فللإسلام -حقيقة -قصب السبق في مضمار التربية، وما اهتم دين أو فكر أو مذهب مثلما اهتم الإسلام بها، الذي اهتم منذ ظهوره بأهل العلم. والعلماء غاية الاهتمام، وبالتحديد في أول آية نزلت على الرسول الكريم محمد ﷺ على القراءة بقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق: 1)، ولم يكتف بهذا القدر والتعظيم فقط بل جعل الإسلام لمن يسلك طلب العلم أن يسهل الله له طريقًا الى الجنة لقوله ﷺ: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة»، وكذلك ورد قول الرسول ﷺ: «العلماء ورثة الأنبياء»، وأيضًا: رفع الله -عز وجل- شأنهم مبلغًا عظيمًا؛ إذ يقول تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾(سورة المجادلة: 11).

وأنشد الإمام علي - رضي الله عنه - نظمًا في حق أهل العلم:

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم 

على الهدى لمن استهدى أدلاء 

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه

والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حيًّا به أبدًا

الناس موتى وأهل العلم أحياء

بل إن الإسلام اهتم بالعلم والعلماء بقدر لم يسبقه إليه أحد؛ إذ كان الناس يفدون أنفسهم قبل الإسلام لفك أسراهم بالمواشي والأموال، لكن الرسول-عليه السلام-ابتكر طريقة جديدة للافتداء هي أن يعلم كل أسير عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة مقابل فكه.

ويرى الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه «تجربة التربية الإسلامية في میزان البحث-ص: ۲۳»، أن «التربية الإسلامية هي تلك التربية التي تسلك السبيل بالفرد المسلم على مرحلتين الأولى مرحلة العرض والمناقشة والإقناع، والثانية مرحلة التعريف بماهية السلوك النموذجي الذي أمر به الإسلام، ثم محاولة إيجاد أكبر قدر ممكن من الانسجام بين حياة الفرد المسلم، وهذا السلوك النموذجي المطلوب».

وفي السياق نفسه يقول الدكتور رائد عبد الهادي في «الممر الثاني» من «كتابه ممرات الحق» «إن منهاج التربية الإسلامية يقوم على الإيجابية والعطاء،» ويكره السلبية والضياع في معالجة الأخطاء؛ لأن اللوم والتقريع على التصرفات هو أبعد ما تكون عن سبيل الإصلاح القويم الذي تهدف إليه ولذلك فقد تميزت مناهج التربية للدعاة بأساليبها التوجيهية المقبولة التي تبعث الهمم، وتشحذ العزائم، وتفتح أبواب الآمال الباسمة في أجواء الدعاة المعطرة والكياسة والأدب.

كما نلاحظ أن أهداف التربية قد تطورت مع تطور المجتمع الإسلامي، وبرز ذلك واضحًا في تنوع الدراسات، واتساع المناهج، وتعدد المذاهب الفلسفية والدينية، حتى أصبح لكل اتجاه أهداف يرمي إليها، ويتوخاها.

من أساليب التربية:

على أن المربين والحكماء قد اختلفوا في تحديد طرق التربية وأساليبها. ومن هذا الجانب أذكر بعض تلك الأساليب:

أولًا: التربية بالقدوة: القدوة في التربية هي أفعل الوسائل جميعًا وأقربها إلى النجاح، يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه «منهج التربية الإسلامية»، ج 1: «من السهل تأليف كتاب في التربية، ومن السهل تخيل منهج وإن كان في حاجة إلى إحاطة وبراعة وشمول، ولكن هذا المنهج يظل حبرًا على ورق ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض».

فالمعلم أو المربي نموذج حي يحتذيه التلميذ ويتقمص شخصيته ويقلد سلوكه، ونظرًا لأهميته وتأثيره، فقد لجأ كثير من أصحاب الجاه والسلطان إلى أن يضعوا أولادهم تحت تصرفهم؛ ليزدادوا أدبًا ومعرفة.

روى الجاحظ أن عقبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدب قال له: «ليكن أول ما تبتدئ به إصلاح بني إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء».

ثانيًا: التربية بالموعظة «الإرشاد»

في النفس استعداد للتأثر بما يلقى إليها من كلام كما يقول الأستاذ سيد قطب - يرحمه الله - في كتابه «منهج التربية الإسلامية ج 1». وهو استعداد مؤقت في الغالب، وذلك يلزمه التكرار. والموعظة الصادقة تؤثر في السامع وتفتح طريقها إلى النفس مباشرة عن طريق الوجدان وتهزه هزا لكنها إذا تركت تترسب من جديد، والموعظة لا تنحصر بنمط واحد، وإنما لها وسائل مختلفة. فتارة تستخدم الرقة والترغيب ومرة تتبع أسلوب الثواب وهكذا.

ثالثًا: التربية بالقصة:

للقصة وقع خاص في نفس الطفل «التلميذ»، فيها يستطيع المربي أن يتناول مختلف نشاطات الحياة، وكذلك شتى الميول والأحاسيس الإنسانية، ومن أهمها القصص التي تنطوي على تهذيب النفوس وتقوية العلاقات مع أفراد العائلة بشكل مباشر، كما ينمي بها روح التعاون والاحترام والقانون وحب الوطن، وفي هذا الإطار: يستطيع المربي أن يستعين في سرد قصصه بشواهد تدليلية من قصص أسلافنا العظماء.

رابعًا: التربية بالعقوبة

هي آخر المطاف ودواء الداء الذي لا دواء له، وكما يقول الرسول الكريم محمد ﷺ: «وآخر الدواء الكي»، فعندما لا يفلح أي أمر من الأمور التربوية فلا بد من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح، والعقاب يجب أن يكون بسبب تكرار الخطأ؛ إذ لا يوجب على المربي أن يعاقب الطفل في المرة الأولى، بل عليه أن يبين له السبب الذي الجاه إلى تنفيذ العقوبة عليه، كي لا يحس الطفل بأنها كانت انتقامًا، وأيضًا أن يعلمه أن تصرفاته غير اللائقة أنت أو جنت عليه ذلك العقاب. 

ومن هنا تظهر أهمية العلم من دوره الفعال في الحياة البشرية، وما يهدي إليه من خير في الدنيا والآخرة، كما يقول الماوردي: « ولهذا فهو أشرف ما رغب فيه الراغب، وأفضل ما طلب وجد فيه الطالب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب؛ لأن شرفه يثمر على صاحبه، وفضله يعني عند طالبه»، قال الله – تعالى -: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (سورة الزمر: 9)، فمنع الله – تعالى - المساواة بين العالم والجاهل، لما قد خص به العالم من فضيلة العلم.

وفي الختام: لا بد لنا كمربين أن نقوم بواجبنا التربوي الملقى على عاتقنا تجاه أطفالنا الذين هم فلذات أكبادنا دون كلل أو ملل باعتبار أن التربية والتعليم هي أشرف المهن وأجلها وأبعدها أثرًا في حاضر الشعوب ومستقبلها سلبًا وإيجابا، تقدمًا وتأخرًا -ومن هنا يجب عليهم أن يأخذوا بالوسائل التربوية الناجحة والمؤدية إلى خلق جيل سليم نافع يعرف قدر العلم والعلماء.

-----------------------------------

المصادر

  1.  لسان العرب لابن منظور ج ١٤ ص ٣٠٤ 

  2. الرائد معجم لغوي عصري جبران مسعود، ج ۱ ، ص ۷۱۲.

  3.  معجم الطلاب، د. محمود إسماعيل وصيمور حسن، ص ۹۳

  4. قراءة تربوية في فكر الماوردي، د علي خليل ط ١، ص ٣٥٢ و٣٦٦

  5. التربية الإسلامية وأساليب تدريسها، د/ صبحي طه، ط ۲، ص ٦-٧.

  6.  منهج التربية الإسلامية ج1، محمد قطب 

  7. الأسرة والطفولة، د. زيدان عبد الباقي، ۱۹۸۰ 

  8. منهجنا التربوي، عبد الحافظ الكبيسي، ط ۱۹۸۷م 

  9. رعاية الطفولة في الشريعة الإسلامية د/ إيناس عباس ط/، ١٩٨٥م.

  10. طريق البناء التربوي، د. عجيل النشمي، ط۱-۱۹۸۹م.

        11- الطريق إلى الولد الصالح، وحيد عبد السلام، ص ٢٤ .

       12- مجلة المرج -العدد: ١٢٤٨

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 18

42

الثلاثاء 14-يوليو-1970

نشر في العدد 25

47

الثلاثاء 01-سبتمبر-1970