العنوان أهمية دور.. السلطة.. في تطبيق الإسلام
الكاتب نصر الدين العديلي
تاريخ النشر الثلاثاء 23-مايو-1972
مشاهدات 13
نشر في 101
نشر في الصفحة 12
الثلاثاء 23-مايو-1972
أهمية دور.. السلطة.. في تطبيق الإسلام
«إن الله ليزغ بالسلطان مالا يزغ بالقرآن»
بقلم: الأستاذ: نصر الدين العديلي
يزغ الله بالسلطان مالا يزغ بالقرآن: حكمة قالها الخليفة الراشد: عثمان بن عفان -رضي الله عنه، منذ أربعة عشر قرنًا، تدل على مدى تفهم هذا الصحابي الجليل لأبعاد النفوس البشرية حينما يعتورها الانحراف والضلال، فلا تجدي معها الموعظة المجردة ولا التهديد المؤجل بالعذاب، إنما يلزمها في هذه الحالة قوة واعية حازمة «سلطان» توقفها عند حدود شرع الله، لا تتخطاها، ولو أدى ذلك إلى استعمال الصرامة القصوى لكسر حدة انحرافها، وتدلنا هذه الحكمة كذلك على اتساع آفاق الفهم عند هذا الإنسان الخجول الرقيق، الذي قال عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تستحي من عثمان».. تدلنا على اتساع آفاق الفهم عنده لأحكام الإسلام، وما تنطوي عليه من إرشادات، ومواعظ، وأخلاق سامية، لا يمكن أن تؤتي ثمارها على الوجه الأكمل، وتحظى بالاحترام اللازم من معظم النفوس، إلا إذا كانت هناك قوة مؤمنة بها، تدافع عنها، وتزيل من دربها العراقيل، ويؤكد هذه الحقيقة التي نشارك عثمان الإيمان بها- ما آل إليه واقع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وما وصلوا إليه من بؤس وشقاء وذل، حينما افترق السلطان عن القرآن، وأصبح الناس يحتكمون إلى شريعة الطاغوت.
· فإنك لو طفت في بلاد المسلمين، لأخبرت بلسان الحال والمقال: عن الانحطاط، والتخلف، والظلم، والتبعية الذليلة للغير، والهوان بسبب هذا الافتراق، ولسمعت هنا وهناك أصوات الدعاة المخلصين وعشرات الألوف من خطباء المساجد والوعاظ، يهيبون بالناس أن يرجعوا لدينهم، ويعتصموا بحبل الله جميعًا، ولكن لا مجيب إلا النزر القليل ممن وقى الله، وحتى هذا القليل غير سالم من الفتنة، وأنى له أن يسلم وقد أحیط إخلاصه وتفانيه بالشبهات، ونعت بنعوت لا تتفق وجلال إیمانه وإخلاصه لدينه: كرجعيّ.. وعميل للاستعمار.. إلخ.
· ولا حاجة لنا -في هذا المقال- أن ندحض هذه الشبهات لسببين: السبب الأول: لأنها في اعتقادنا لا تصدر إلا عن فريقين اثنين.. فريق باع نفسه بثمن بخس للاستعمار.. أفكار خسيسة، واتجاهات منحرفة، وحياة في الجحور، وعلى فتات الفكر الغربي والشرقي وبين متناقضاته.. وفريق آخر أثر الضلال على الهدى، والجهل على المعرفة والعلم.. والكسل والخمول على البحث والتنقيب، واكتناه حقائق الدعوات القائمة الآن في عالمنا الإسلامي.
· والسبب الثاني: لو أن دعاة الإسلام وأتباعه المخلصين حاولوا الرد على كل شبهة تدور حولهم لاستنفد هذا العمل جل جهدهم وطاقاتهم فلا يبقى منها ما يبذلونه للجمع بين القرآن والسلطان مرة أخرى. وقديمًا قال الشاعر:
لو كل ذئب عوى ألقمته حجرًا
لأصبح الصخر مثقالًا بدينار!
وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن نهمل الرد نهائيًّا على الجاهلين، ونتركهم يعيثون في الأرض فسادًا، فيسمموا العقول والقلوب بأكاذيبهم وفاسد أفكارهم ومناهج حياتهم، بل نفند أباطيلهم بالقدر الذي يحافظ على وضوح منهجنا وسلامة مسيرتنا، ولا يصرفنا في نفس الوقت عن هدفنا الرئيسي وهو الجمع بين السلطان والقرآن، حتى نقضي نهائيًّا على ما تعاني منه أمة الإسلام والعالم أجمع من تيه وضياع.
«قاعدة التحدي»
· إن الجمع بين القرآن والسلطان واستئناف حياة إسلامية صحيحة تحكمها شريعة الله أصبح مطلبًا ملحًّا وهدفًا رئيسيا لكل مسلم غيور.. فعلاوة على أنه السبيل الوحيد لإنقاذ المسلمين بشكل خاص والبشر بشكل عام من أوضاعهم المتردية، علاوة على ذلك فان هذا الجمع فرض من الله على المسلمين يأثمون أشد الإثم إذا لم يحققوه.
وتجدر بنا الإشارة هنا إلى القاعدة التي بنى الإسلام عليها تحديه للجاهلية؛ حتى يكون الأمر في غاية الوضوح بالنسبة لمن يجاهدون لاستئناف الحياة الإسلامية لتكون كلمة الله هي العليا.
· إن أول ما يهدف إليه الإسلام : هو تحرير الإنسان من الخوف الناشئ من استسلامه للوهم، والخرافة، والجهل؛ وذلك بإنشاء التصور الصحيح في ذهنه عن حقيقته وحقيقة دوره في الحياة وعن حقيقة الكون المحيط به والقوة الفاعلة المدبرة له ولهذا الكون، وممن يتلقى المعلومات في هذه الأمور كلها، فكان أول خطاب من الله –سبحانه- لرسول الرسالة الأخيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- هو ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم﴾ (العلق : 1. 2. 3. 4 .5). فكشف الله في هذه الآيات القلائل عن تفرده –سبحانه- بالخلق والتكوين ومن جملة هذا الخلق الإنسان، الذي خلقه من علق «نقطة دم عالقة بجدار الرحم» وأشار سبحانه إلى هذه القابلية العجيبة في الإنسان، قابلية التعلم من بعد جهل؛ لكنها قابلية منحها له الله الذي خلقه، وهي جديرة -إن ساربها الإنسان باسم الله وعلى منهجه -تعالى- أن توصله إلى أعلى مراتب الكمال المقدر له.
وتتابع التنزيل بعد ذلك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، يناقش كل القضايا التي تشغل عقل الإنسان ذي الخاصية العجيبة «خاصية التعلم والارتقاء» ليقيم له الحجة الواضحة التي تجعله يستسلم طائعًا لله، فكانت قاعدة تحدي الإسلام للجاهلية هي «انتزاع الإنسان من براثنها وجعله يستسلم استسلاما مطلقًا لله، ويتلقى في أمر هذا الاستسلام وكيفيته من محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم » وهذه القاعدة تمثلها كلمة الإخلاص « أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله » والتي من قالها صادقًا، وعمل بمدلولها دخل الجنة.
· فعلى هذا الأساس المتين بنى الإسلام تحديه لجميع النظم، والأوضاع، والفلسفات، والتصورات، والأخلاق، والعادات الجاهلية القائمة في الأرض، ومن هذا المنطلق أمر الله رسوله والمؤمنين أن يسعوا لتحطيم قيود العبودية التي فرضت على الناس لغير الله؛ مهما كانت أشكال هذه القيود وأحجامها، سواء كانت تعبيد الإنسان وإخضاعه لنظام غير شريعة الله أو فرض تصورات وأخلاق تتنافى مع تصورات الإسلام وأخلاقه، فكلها قيود يجب تحرير الإنسان منها، حتى يخلص عبوديته لله، فيتربى على منهج دينه، فتتكون تصوراته، وأوضاعه، وأخلاقه، ونظمه بوحي من الله -تعالى.
· ولكي يحافظ من آمنوا بـ «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» على هذه المكاسب، ويستطيعوا تطبيق كل أمر صادر لهم من الله، كان لابد لهم من قاعدة أمينة لا ترضخ في كل أمورها إلا لشريعة الله.
وهذه القاعدة لم تكن متوفرة فيها هذه الشروط حينما كانت الدعوة الإسلامية والقلة المؤمنة بها لا زالت في مكة؛ حيث الكثرة الكافرة المتغطرسة التي لم تألو جهدًا في عذاب المؤمنين، مما حدا برسول الله -صلى الله عليه وسلم، أن يبحث عن قاعدة أمينة تحتضن الدعوة والدعاة، ومن ثَمَّ تكون المنطلق لحمل هذه الدعوة للناس كافة، فقيض الله لرسوله الأوس والخزرج فأسلموا، ثم أمر عليه السلام بعد ذلك أصحابه بالهجرة إلى يثرب، وتبعهم بعد أن اكتملت هجرتهم من مكة -هو وصاحبه الصديق -رضي الله عنه- وهناك في يثرب أقام -صلى الله عليه وسلم- أول دولة في تاريخ البشرية يعبد أفرادها الله مخلصين له الدين، فيتربون على منهجه، ويتخلقون بأخلاق دينه، ويحتكمون إلى شريعته في جميع شئون حياتهم ومن يثرب بعد أن استقر المقام برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أطلق الجحافل، التي قاد معظمها إلى الجزيرة العربية ينشر بين ربوع حواضرها وبواديها الإسلام، ومن يثرب بعث رسول الله بالرسل إلى ملوك وزعماء ذلك الزمان يدعوهم وشعوبهم إلى الإسلام، ومن يثرب قاد رسول الله جيش الفتح الأكبر الذي طهر به مكة المكرمة من الأوثان وعبادتها، وإلى يثرب بعد أن قويت شوكة المسلمين بالفتح توافدت البعوث من جميع أقطار الجزيرة العربية تعلن إسلامها أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
· وأدى حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وبعد اكتمال الدين ﴿اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3)، اختاره الله –سبحانه- إلى جواره وقد ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يحيد عنها إلا هالك.
· ومرت السنون بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حافلة بالجهاد والتضحيات من أجل نشر تعاليم الإسلام، إلى أن عم السلام والخير بهذا الدين ربوع العالمين، وكان لا بد مع اتساع بلاد الإسلام من مشكلات تنجم هنا وهناك؛ لكنها كانت تجد الحلول السريعة، إلى أن تبدل حال المسلمين غير الحال، فتكالبوا على الشهوات، وعضوا عليها بالنواجذ، فرماهم الله بالفتن، وضربهم ببرابرة آسيا وبرابرة أوروبا؛ علهم يثوبون لرشدهم ويعتصمون بدينهم، فكان ما كان من حرب مدمرة خرج المسلمون منها منتصرين، ولكن بعد أن أثخنتهم الجراح، وسارت أمورهم بعد ذلك بين هبوط وارتفاع إلى أن آلت كما نرى ونسمع من ذل وهوان وضياع نتج من ضعف الإيمان بالله، الذي قاد لافتراق السلطان عن القرآن دون أن يشعر المسلمون بفداحة هذا الخطر المزدوج الذي أورثهم خسارة الدنيا: بخسارة العدالة التي يوفرها ويرعاها الحكم بشريعة الله، وأورثهم خسارة الآخرة بتعطل هذه الشعيرة - وسكوتهم على تعطلها - والتي في حقيقتها وجوهرها لا تقل عن الصلاة والزكاة إن لم تزد عليهما في توفير النفع العام؛ حيث يقود تركها وتعطيلها وعدم السعي إليها إلى المفاسد الكثيرة والتي نعاني منها في عصرنا هذا، لذا كانت التحذيرات الصارمة من رب العزة للتاركين الحكم بما أنزل الله؛ فوصفهم تارة بالكافرين، وتارة بالظالمين، وتارة بالفاسقين.
· لعلنا بعد هذا الاستعراض الموجز لأوضاعنا الراهنة والملابسات التي مرت بها الدعوة منذ بشر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى امتداد تاريخ المسلمين، أقول لعل هذا الاستعراض كشف لنا عن حقيقة لا أظنها تغيب عن ذهن الواعين من أبناء المسلمين وهي : أن الإيمان الصادق يدفع إلى تحكيم شريعة الله، والحكم بما أنزل الله هو الإيمان بحد ذاته، وبناء على هذه الحقيقة نستطيع القول: إنه لا بد للمسلمين -إذا أرادوا استئناف الحكم بما أنزل الله- أن يبدأوا ببناء العقيدة الإيمانية في قلوبهم من جديد؛ حيث إن هذه العقيدة مخلخلة الآن، بدليل أنها لا تحركهم للسعي إلى تحكيم كتاب الله في حياتهم، وبدليل هذه المفاسد المنتشرة في بلاد المسلمين، ولا تجد من يحاربها بشكل إيجابي مؤثر.
· وبناء العقيدة الإيمانية يبدأ من النقطة التي بدأ منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتعبيد الناس لخالقهم وتتلخص بإقرار معنى «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» في القلب والضمير.. لا ربوبية، ولا عبودية، ولا حاكمية في هذا الكون إلا لله، ومعنى هذا الكلام في تفصيلاته وتفريعاته: الرفض التام والقاطع لما لم يأذن به الله.. فنكون بهذا الاعتقاد قد حققنا البناء النظري الذي نتحدى به تصورات الجاهلية وأوضاعها، ونظمها، وأخلاقها، وعاداتها؛ حيث إنها جميعًا مما لم يأذن به الله.. يتلو هذا البناء النظري بناء آخر: لحمته وسداه تجمع عضوي حركي، تبرز من خلاله التطبيقات العملية «لمدلول لا إله إلا الله، محمد رسول الله».
· وبهذا التجمع العضوي الحركي يبرز التحدي المادي للتجمع الجاهلي؛ حيث يبدأ في بناء نفسه بالإسلام فهمًا نظريًّا وتطبيقًا عمليًّا تظهر على أساسه بوضوح الفروق الجوهرية بينه وبين التجمع الجاهلي، مما يساعد المعاين لنشاط هذين التجمعين أن يدرك المحاسن في التجمع الحركي الإسلامي والمساوئ في التجمع الحركي الجاهلي.. وهذا الإدراك ذو أثر بالغ في كسر حدة خلاف التجمع الجاهلي للتجمع الإسلامي؛ حيث تتعرى عيوب الأول فلا يبقى ما يبرر وجوده، أو تأخذه العزة بالإثم، فتزداد حدة خلافه وفي كلتا الحالين تدنو اللحظة الحاسمة لصالح التجمع الحركي الإسلامي، هذا بالذات ما أعتقد أن «الشهيد: سيد قطب» وضحه تمامًا في مجموعة «بحوثه النادرة المثال» التي قدمها في كتاب «معالم في الطريق» فمن أراد توضيحًا أكثر؛ فليراجع هذا الكتاب».
· ليس وهمًا هذا القول كما أنه لا يدل على الغرور.. فهذه هي حقيقة المعركة التي يجب أن يدركها کل داعية إلى الله.. وهذه هي طبيعتها: صراع مرير وشاق بين الخير الذي يمثله المسلمون، وبين الشر الذي يمثله الجاهليون، على اختلاف نوازعهم وأهوائهم والنصر فيها دائمًا حليف المؤمنين الذين قويت صلتهم بالله ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ (آل عمران: 195. 196).
· إن رجوع السلطان إلى القرآن طريقه الإيمان بالله والسير في ذلك على منهج الله كما بينا وهذا الأمر لا اجتهاد فيه؛ حيث إنه الأسلوب الذي خاطب به عباده، وهو أعلم –سبحانه- بمداخل الفطرة البشرية، وهو أعلم بالأسلوب الذي تصلح به حالها.
· هناك ظاهرة في حياة الإنسان المسلم يراد لها، بقصد أو بغير قصد، أن تتحكم في حياة هذا الإنسان المسلم، وتسيطر على جميع نشاطاته وتصرفاته؛ وهي ظاهرة الخوف والجهل التي تقود في النهاية إلى الاستسلام للأمر الواقع مهما كان هذا الواقع.
· هذه الظاهرة بالذات تفرض علينا أن نعيد لهذا الإنسان ثقته بنفسه وذلك بتقوية صلته بالله، فلا يطرد شبح الخوف الذي يسيطر على هذا الإنسان إلا اعتماده على الله.. الله الذي لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه.. فلنناقش هذه الظاهرة «ظاهرة الخوف» علنا نصل إلى أسبابها، فنحرره منها بالقضاء على هذه الأسباب أو الاحتياط منها، فما لم يتحرر المسلمون من شبح الوهم والخوف فإنهم لا يصلحون لاستئناف الحكم بما أنزل الله.
· العجيب في أمر الإنسان المسلم في هذا العصر، أنه يخاف من كل شيء إلا من الله؟! فعذابه مؤجل.. وهو غفور رحيم كما يحلو للجهلة والبله أن يتعللوا.
· إنه يخاف من أمريكا، ويخاف من بريطانيا، ويخاف من روسيا.. فهو دائمًا يتمسح بها، ويحرق في نواديها البخور حتى يحظى برضاها وتحميه من هذه الطفلة الشرسة «إسرائيل».. إنه يعيش في رعب قاتل من هذه الدول جميعًا.. لأنها تملك السلاح بشتى أنواعه، ولأنها دول مخادعة تخطط للقضاء عليه.. لأنها تملك السلاح ما يساعده على الصمود، ولا يملك من الخبرة ما يمكنه من إفساد مخططات هؤلاء الأعداء؟؟
· هناك قوى لعينة في عالمنا الإسلامي تحاول دائمًا الإبقاء على جو الإرهاب النفسي والفكري مسيطرًا.. مرة بالتصريح.. ومرة بالتلويح؛ مرة بخبر إذاعي، ومرة بمنشور حزبي يشرح بإسهاب الصراع الإمبريالي الأمريكي البريطاني على منطقة الشرق الأوسط؟
ومرة بعنوان بارز على صفحات مجلة خليعة ماجنة: لقد توصلت إسرائيل إلى اختراع القنبلة الذرية؟
· ويتلفت المسكين حوله ببلاهة.. ماذا يصنع أمام القنبلة اليهودية «المزعومة»؟؟ وماذا يصنع أمام الاستعمار بشتى ألوانه وأشكاله؟ ماذا يصنع أمام هذا الاستعمار الذي لو جمعنا ما قلناه وما كتبناه من شتائم في حقه، لغطى سطح الكرة الأرضية وزاد؟؟
· ماذا يصنع الإنسان في البلاد الإسلامية أمام هذه القوى، التي اشتغلنا بشتمها وشرح مخاطرها ما يزيد على نصف قرن أكسبها هالة من العظمة في نفس هذا الإنسان، ما كانت لتظفر بها لو صرفت آلاف الملايين من الدنانير؟
· أجل لقد اكتسبت عظمة في نفسه جعلته يستسلم لمخططاتها، ويرتمي تحت أقدامها صاغرًا ذليلًا، علها تجود عليه بحياة.. أي حياة فهذا لا يهم ما دامت الثقة بالنفس معدومة؟
· لقد بالغنا في شرح مخاطر الاستعمار والصهيونية، وغفلنا أو تغافلنا عن دهاليز الرعب التي حفرناها في نفوس أبنائنا، حتى نشأ عندنا نتيجة لهذا الإرهاب الذي مارسناه مع أنفسنا، جيل تافه لا هم له إلا تقليد القوى التي حذرناه منها؟؟ لقد قلدها في كل شيء.. في العادات والأخلاق والتقاليد، حتى في القوانين التي تحكم الحياة والشعارات وأساليب التفكير.. ومع ذلك لا زالت الحملات الكلامية على أشدها، ضد الاستعمار والصهيونية؟؟ عجيب.. عجیب والله أمرنا؟
· لقد فشلنا في كل نشاط مارسناه ضد هذه القوى، سواء كان هذا النشاط في ميدان المواجهة الفعلية أو في ميدان الدعاية الداخلية والخارجية، وكانت النتائج التي نعرفها جميعًا، وبالرغم من ذلك لا زلنا نعمل لتكريس الفشل: بتغاضينا عن الداء الحقيقي الذي نعاني منه «داء الجبن والجهل».
وبمحاولاتنا الدائبة لتعميم الخرافة القائلة: إن الاستعمار والصهيونية هما القوتان المسئولتان فحسب عن شقائنا، غافلين أو متغافلين بأن هذه القوى كالذباب لا يضع بيضه إلا في القمامة أو كجراثيم المرض لا تغزو إلا الأجسام الهزيلة التي فقدت أسباب المقاومة.
· هذا هو داؤنا الحقيقي.. إنه في أنفسنا.. «إنه الجبن والجهل والخرافة» وهذه هي الأمراض أو الصفات التي إذا استولت على أمة من الأمم، جعلت منها أمة تافهة مستباحة الحمى.
· إنني لا أقصد بهذا الكلام التقليل من خطر الاستعمار والصهيونية، بل أردت الإشارة لهذه الأساليب الخاطئة التي اتبعت في حربهما، فأورثت جيلنا الحاضر عقدة الخوف، وهذه العقد في حد ذاتها أشد خطرًا على أمتنا من جميع القوى؛ لأنها كما بينا ونرى في واقع حياتنا أضعفت المقاومة والرفض وقادت للهزائم الكثيرة التي حاقت بنا -ابتداء من هدم الخلافة الإسلامية ومرورًا بتقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات متخاصمة وكارثة فلسطين وتجزئة الباكستان.
· وهذا الوضع الشاذ يفرض على دعاة الإسلام والساعين لاستئناف الحكم الإسلامي أن يعالجوه بمهارة وحزم، ويركزوا على تبديد المخاوف التى تأصلت في أذهان المسلمين، من الاستعمار والصهيونية؛ وذلك بالتركيز على صلة المسلمين بالله «أي بتقوية إيمانهم بالله» كما ذكرنا، فالله هو خالق الكون وبيده مقاليد أمور جميع القوى، فمن أراد الخلاص أو الاحتياط من ظلم أي قوة منها، فما عليه إلا أن يلجأ لله ويتلقى في أمر نفسه وأمر هذه القوى منـه تعالى، فتتضح له الأمور بعد ذلك بجلاء لا يكون معه إلا التحرر الكامل «من الخوف، والجهل، والخرافة» لأنه في هذه الحالة سيقدر كل قوة من قوى الوجود بمقدارها فلا يبالغ ولا يستهتر، وتكون جميع خططه مطابقة لحجم الواقع الذي يواجهه، ومن وراء خططه وخطط أعداء الله سبحانه الذي يتولى المؤمنين ويسدد خطاهم
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ (البقرة: 257). اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
نصر الدين العديلي
(1) يراجع تفسير صورة العلق في الجزء الثلاثين من «الظلال» للشهيد: سيد قطب"
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
مطالِبة بتجريم ازدراء الأديان.. مؤسسات إعلامية عربية وإسلامية تنظم مؤتمراً افتراضياً بعنوان «قرآننا عزنا»
نشر في العدد 2182
15
الثلاثاء 01-أغسطس-2023