العنوان أوكرانيا.. تخلط أوراق غورباتشوف من جديد
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991
مشاهدات 12
نشر في العدد 980
نشر في الصفحة 28
الأحد 15-ديسمبر-1991
موقع جغرافي مع أكبر مخزون للسلاح يخرج من خرائط
غورباتشوف بانتظار القادم الجديد!
على الرغم من تتابع الأحداث الكبرى في الاتحاد السوفيتي يومًا بعد
يوم، فإنه لم يهتز في مجلسه الأعلى وفي رئاسته الممثلة بالرئيس ميخائيل غورباتشوف
كما اهتز في حدثين هما: انقلاب الردة الشيوعي الذي وُلد ميتًا قبل ثلاثة أشهر،
وانفصال أوكرانيا.
وإذا كان من المعروف أن جمهوريات الاتحاد السوفيتي تُقسم جغرافيًا إلى
قسمين: أوروبي وآسيوي، فإن أوكرانيا التي تقع في القسم الأوروبي تشكل الحزام
الأساسي بحدود الاتحاد السوفيتي الغربية، حيث تقع إلى الشمال من البحر الأسود،
وتجاورها غربًا جمهوريات أوروبا الشرقية، بينما تمتد منها جمهورية روسيا الاتحادية
إلى الشمال منها لتطل على ثلج أوروبا وجليدها المتجمد. وبين اختلاط الأوراق التي
يتبادلها كل من غورباتشوف كزعيم سوفيتي حر، ويلتسين كزعيم قومي لروسيا البيضاء،
أعلن شعب أوكرانيا الذي يضم بين صفوفه نسبة من المسلمين لا تقل عن 25%، رغبته في
الانفصال عن الاتحاد السوفيتي. وكانت نتيجة الاستفتاء أن اختار شعب أوكرانيا
الانفصال عن البرنامج الاتحادي الذي يعده الرئيس غورباتشوف للمرحلة السوفيتية
القادمة، وكان من نتيجة الاستفتاء اختيار رئيس مستقل لجمهورية أوكرانيا هو ليونيد
كرافتشوك، الأمر الذي خلط أوراق الرئيس غورباتشوف من جديد.
والسؤال الذي يطرحه البعض: لماذا لم يرتبك الرئيس السوفيتي عندما
أعلنت دول البلطيق الثلاث استقلالها عنه؟ ولماذا لم يرتبك عندما أعلنت الجمهوريات
استقلالها التام عنه؟ إن خمسة من الأسباب الأساسية هي التي أفقدت غورباتشوف صوابه
هذه المرة، نرصدها فيما يلي:
1. كانت أوكرانيا بأراضيها ذات الخصب المتميز هي "سلة الخبز" للاتحاد السوفيتي كله:
بل إنها تُعرف عند الشعوب السوفيتية بهذا الاسم، وقد أثبتت في
السنوات الأخيرة أنها القادرة على جعل بلاد السوفييت تستغني في عصر الانفتاح
السياسي والاقتصادي عن القمح الأمريكي الذي تعتبره واشنطن صفقة سياسية أمريكية
للمستورد السوفيتي الجائع، الذي يعرف اليوم أن أوكرانيا التي استقلت تمتلك أخصب
السهول في العالم، مما يؤهلها لزراعة القمح على سبيل المثال مرتين في العام
الواحد. وإلى جانب القمح، توجد في أوكرانيا مختلف المزروعات الحيوية والبقولية ذات
الاحتياج الأساسي في الغذاء الإنساني والحيواني.
2.
تمتلك أوكرانيا
أكبر ترسانة للأسلحة الاستراتيجية والنووية السوفيتية:
والتي تشمل أنواع الطائرات والصواريخ والقنابل
والمعدات العسكرية المختلفة، وقد كانت الخطط السياسية القديمة تعتمد على أن تكون
أوكرانيا هي خط الدفاع الأول عن الحدود الغربية للاتحاد السوفيتي والتي كان من
الممكن أن تطالها الأسلحة العادية والمتوسطة لحرب الناتو. وإلى جانب ما تمتلكه
أوكرانيا اليوم من كم هائل من أنواع الأسلحة، فإنها تحتضن عددًا كبيرًا من
المؤسسات الصناعية العسكرية، وقد علمنا من أحد المسؤولين السوفييت الذين يؤيدون
الحركات الانفصالية الوطنية هناك بأن جمهورية أوكرانيا تمتلك المخزون الأساسي
لكافة أنواع الأسلحة السوفيتية.
3.
تحوز أوكرانيا
على موقع جغرافي استراتيجي بالنسبة للاتحاد السوفيتي:
ويتحكم هذا الموقع بشرايين الصلات بين
الجمهوريات السوفيتية وأوروبا الشرقية ثم أوروبا الغربية. وفضلًا عن هذا، فإن
أراضيها تحيط بمعظم سواحل البحر الأبيض شمالًا، وهو الأمر الذي يجعلها المنفذ
الطبيعي الأقرب لأوروبا الغربية.
4.
تمتلك أوكرانيا
"جزيرة القرم" الشهيرة:
وهي موقع بحري استراتيجي للاقتصاد والأمن
والتجارة والسياحة بالنسبة لسائر جمهوريات الاتحاد السوفيتي، ولا شك فإن استخدام
الجمهوريات الأخرى للجزيرة والاستفادة منها ومن موقعها ومميزاتها لن يكون بعد الآن
إلا بإذن من جمهورية أوكرانيا المستقلة.
5.
تمتلك أوكرانيا
-وهي الجمهورية الوحيدة- احتياطيًا ماليًا وثروة مادية مرتبطة بالإنتاج الزراعي:
كان يعوّل غورباتشوف عليها بعد أن استولى
بوريس يلتسين على البنك المركزي للاتحاد السوفيتي. وهل غورباتشوف الذي حمل بلاده
قائمة طويلة من الديون المالية كان يراهن على تأديتها قبل موعد حلول إيفائها وذلك
بالاعتماد على الفائض المالي السنوي لجمهورية أوكرانيا؟ ولما كانت روسيا الاتحادية
انفصلت ماليًا من قبل، فماذا يبقى لغورباتشوف بعد انفصال أوكرانيا انفصالًا كاملًا
كما هو حال دول البلطيق الثلاث؟!
وقد يسأل بعض المراقبين: إذا كان سيد الانفتاح "غورباتشوف" قد خسر الآن كل
شيء، ولن يكون في المستقبل القريب إلا رمزًا تاريخيًا للتحولات الكبرى التي حصلت
في دول حلف وارسو سابقًا، فمن هو صاحب المصلحة بكل ما حدث؟ ولعل ملاحظة مجرى
الأحداث وواقع شعوب الاتحاد السوفيتي والمواقف الدولية من ذلك تجعل المراقب يخرج
بانطباع لا يحدد فيه طرفًا واحدًا فقد يكون صاحب المصلحة منفردًا، وإنما تعددت
أطراف المصلحة في الانقلاب على الشيوعية وإشعالها، وفي تجزئة الاتحاد السوفيتي.
إننا نعتقد أن الشعوب السوفيتية هي أول من كسب جولات التغيير السياسي،
فقد تخلصت من حكم الطغمة الإرهابية الثرية لمجتمعاتها، كما نالت حرية التعبير عن
الرأي وحرية الاعتقاد وممارسة ما تطلبه فرائض الدين، وهذا يتجلى عند المسلمين أكثر
من غيرهم. ويضاف إلى هذا أن إيرادات شعوب الجمهوريات الإسلامية كانت تصب في خزائن
موسكو.
وفي جيوب الديمقراطية الشيوعية من المستفيد؟ المستفيد هو العالم كله،
ولا سيما العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة التي تخلصت من المنافس السياسي
والعسكري الكبير، والتي ستتعامل مع كل جمهورية على حدة في المستقبل.
أخيرًا.. ليعتقد القادمون من الجمهوريات السوفيتية التي استقلت أخيرًا
أنه آن الأوان بعد أن تمت بعثرتها على المستويات السياسية والاقتصادية والشعبية،
سيعاد تجميعها بأشكال أخرى لتوضع وفق توصيات دولية خارجية بين بوريس يلتسن، الذي
أنقذ جمهوريات السوفييت من مسرحية الانقلاب.