العنوان أين هو الإعلام الإسلامي؟
الكاتب عبدالرحيم محمد إبراهيم
تاريخ النشر الجمعة 18-أغسطس-1978
مشاهدات 16
نشر في العدد 408
نشر في الصفحة 16
الجمعة 18-أغسطس-1978
هذا السؤال يتردد كلما ألمت بالمسلمين كارثة، أو غشيتهم فجيعة من تشرد أو قتل ... أو إبادة أو أي نوع من أنواع الظلم التي أصبحت في الثلث الأخير من القرن العشرين وقفًا عليهم من دون أهل الملل والنحل عامة ... أما إذا أصيب يهودي واحد في أي بقعة من بقاع العالم، فإن أجهزة الإعلام الغربية الصليبية الصهيونية، تقرع الأذان صباحًا ومساءً، وبزخم إعلامي يمطر أنواعًا من الاستجداءات والنداءات والمناشدات حتى يعبئ للرأي العام العالمي ويشده شدًّا نفسيًّا وعاطفيًّا ومن ثم ينساق في الطريق المرسوم له ...
فكم من الكوارث تعرض لها المسلمون في أنحاء متفرقة من العالم انطوت بسرعة وأسدل عليها الستار ووضعت في أقبية الصمت؟! ...
وقد نجد لأجهزة الإعلام الغربية العذر، لأنها أساسًا معادية للإسلام والمسلمين وأنشأت خصيصًا وأغدق عليها المال، والإمكانيات، لصرف المسلمين عن دينهم ... إلا أن السؤال يظل يكر في الخاطر ...
- أين هو الإعلام الإسلامي؟
في إحدى المجلات العربية، اطلعت على لقاء أجرته المجلة مع السيد الأمين العام لاتحاد الإذاعات الإسلامية أوضح فيه جوانب القصور التي تعيق قيام الاتحاد، وكان في مقدمتها أن الكثير من الدول الإسلامية المساهمة، لم تفِ بالتزاماتها في دفع نصيبها المالي مما ترتب عليه عجز في الموازنة، وعجز في وضع مشاريع تنموية للاتحاد ... وعجز في إيجاد مقر دائم -المقر الحالي في جدة مؤجر-.
وهكذا تشرئب عدم الجدية بعنقها وتمد لسانها لكل من يحسن الظن بمثل هذه المؤسسات، التي تقوم فجأة ... مملوءة بالحماس، والعاطفة التي سرعان ما تذوب، كذوبان الثلج أمام حرارة الشمس.
- لماذا نصل دائمًا في مشاريعنا الإسلامية إلى مثل هذا الطريق المسدود؟
السبب واضح، وهو أن الكثير منا تشدهم إلى الأعمال الإسلامية الحماسة العاطفية، فيدخلون فيها كما يدخلون أي تجمعات خيرية لا تلزم المتقدمين لها بأعباء واضحة ومحددة وإنما يترك ذلك لظروفهم وأوقات فراغهم ... ويستوي في هذه النظرة للعمل الإسلامي، الحكومات والأفراد ... للأسف.
• إن النظرة إلى العمل الإعلامي، يجب أن تختلف، ويجب أن نتناولها بكثير من الجدية فهي من الأهمية بمكان، ولا داعي لضرب الأمثلة. ويكفي أن الكثير من أجهزة الإعلام في العالم الغربي يسيطر عليها اليهود وعن طريقها استطاعوا جذب الرأي العام العالمي إلى الاتجاه الذي يريدون ... ثم أقبلنا نحن نصرخ في وجه بعضنا بأن الإعلام الغربي يشوه قضايانا القومية وفي مقدمتها ما يتسمى بقضية الشرق الأوسط.
أما الإعلام الذي تتبناه جامعة الدولة العربية، وينعقد بسببه هذه الأيام في القاهرة -مؤتمر وزراء الإعلام العرب- فهذا لا يعنينا في شيء، فهو مختلف أداءً وأسلوبًا وفكرًا وفلسفة ... ولا نود أن نخوض في الاتهامات التي وجهت للقائمين بأمره من تبديد لأموال الجامعة، وعبث بالميزانية المخصصة له ويكفيه ذمًّا ألا أثر له لا سلبًا ولا إيجابًا.
إن الذي يجب أن يشغلنا هو الإعلام الإسلامي، الذي يسلط الضوء على إخواننا المقهورين والمسحولين والمستضعفين في أرجاء وطننا الإسلامي الكبير فيجعنا نحس بآلامهم وأحزانهم ومعاناتهم وتشردهم ... سواء في بورما أو فطاني أو أريتريا أو الحبشة، أو يوغسلافيا أو روسيا أو في أمريكا اللاتينية.
• إن أي انتظار لقيام مبادرات رسمية من قبل الدول الإسلامية فيه مضيعة للوقت، فإن مفهوم الإعلام خاصة، في البلاد العربية، هو الذي يقوم -بالردح- ودق الطبول والزمور، والتسبيح بحمد الحاكم والدفاع عن أخطائه، أو تبريرها.
أما الإعلام الجاد الذي يخدم قضايا القومية والمصيرية فإنه لا يجد اهتمامات حكامنا، طالما أنه لا يضر ولا ينفع نظمهم القهرية المتسلطة ...
وفي يقيني أن قوة العزم، والنية الخالصة، والروح الجادة والنهج العلمي -لا العاطفي- هي المقومات التي يرتكز عليها قيام عمل إعلامي إسلامي جاد ... وهذه المقومات لا تتوفر إلا في الهيئات الإسلامية الشعبية على نطاق العالم الإسلامي، فهذه الهيئات العامة في مجالات البعث الإسلامي يمكنها أن تأخذ زمام المبادرة، وتتبنى ترسيخ كيان إعلامي إسلامي قادر على التأثير والهيمنة في خلق رأي عام إسلامي، وبالتالي في الرأي العام العالمي.
صحيح أن المال عصب أي عمل ... ولكنه في مثل هذه الأعمال لا يستطيع تحقيق شيء إن لم تتوفر إلى جانبه تلك المقومات التي أشرت إليها آنفًا ... إن الهيئات الإسلامية الشعبية على نطاق عالمنا الإسلامي مؤهلة للمشاركة الإيجابية في مثل هذه المشروعات، بما تملكه من خبرات ... ومن كوادر ... ومن طاقات شبابية متفتحة معطاءة، فإذا انتظمت هذه يمكنها عمل المعجزات طالما أن النية جادة ... والرغبة عارمة في الصدور.
• ويجب أن يسبق كل هذا وضع برنامج علمي لحصر الكفاءات وتوجيه الطاقات التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال ... بإيفاد البعثات لدراسة النظم الإعلامية المختلفة ... وصقل الخبرات الموجودة لدينا ... وترشيدها ... وحثها على الاستزادة، وبهذا يمكننا تعبيد أرضية صالحة لغرس جهاز إعلامي إسلامي عالمي ... أما نوعية هذا الجهاز، وكالة ... أو إذاعة ... أو مؤسسة صحفية ... فهذه التسميات ليست ذات أهمية، فيمكن أن تكون إحداها -ويمكنه أن تكون جميعها متى ما خلصت النيات.
المطلوب الآن من الهيئات الإسلامية التجمع لدراسة هذا الأمر بطريقة علمية جادة ... وبحث المشكلات ووضع الحلول لها ...
إن هذا الأمر من الجدية بمكان ولا يحتمل التأجيل أو التأخير.
المؤسسات الصحفية الإسلامية متخلفة؟
ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فإن الحديث لا بد أن يجرنا إلى الإعلام المتمثل في المؤسسات الصحفية الإسلامية القائمة الآن، فهي كلها حماسة وعاطفة، أما من ناحية الجودة والمظهر، والمخبر، فهي متخلفة وغير مغرية، وليست أداة جذب، ولا ترغيب، وهذا شيء متوقع في عمل لا يقوم على التخصص، ولا على الاستفادة من تكنولوجيا الإعلام التي ضربت بأجنحتها في كل جانب. وأصبح الإعلام يقوم على تخصصات مختلفة ومتفرعة ومتشابكة.
ولا أعني بالجذب أن تنافس المجلات والصحف المستهترة التي تثير الغرائز المنحطة بالصورة الفاضحة، والكلمة العارية ... فهذه الوسائل من كثرة استخدامها أخذت تفقد بريقها وتأثيرها، بحكم قانون، كل ما وصل حده انقلب إلى ضده ...
وأصبح الإعلام الحديث يتجه نحو الجدية ومخاطبة العقل بدل الغريزة بلغة واضحة مرتكزة على الحقيقة، لأن الكذب والزيف سريع الذوبان في وهج شمس الموضوعية والصدق.
بجانب ذلك أصبح هناك المتخصص في كتابة المقالة، والتحقيق والرأي السياسي لأن كل فن من هذه الفنون له مقوماته ومتطلباته.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل