الثلاثاء 07-يوليو-1970
في بيان سمو ولي العهد:
بين التربية والتعليم
إعادة النظر في مناهج التعليم
أولى سمو ولي العهد الشباب في خطابه اهتمامًا كبيرًا وأكد على ضرورة تربيتهم تربية قومية وتعلمهم علمًا نافعًا ذلك أن الأمم كما قال سموه »إنما تُبنى بسواعد أبنائها من الشباب« وأمتنا أحوج ما تكون اليوم إلى هؤلاء الشباب والمِحن تنوء بكلكلها على كواهل هذه الأمة والقتامة وعدم وضوح الرؤية تُغلّف هذه البلاد التي يعيش فيها شبابنا. وواجبنا إذا أردنا الخير لهم أن نحملهم على الحجة البيضاء التي ليلها كنهارها وأن نُنير قلوبهم بالإيمان حتى تنقشع الظلمة عن بصيرتهم فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
إن الشباب الذين تستنير بصائرهم لا يمكن أن نجدهم يتسكعون في الشوارع والحارات يضايقون الناس بسخافاتهم ولا يمكن أن نجدهم يقضون ليلهم في اللهو والعبث في الملاهي والسينمات في لعب الورق والنرد، لا يمكن للشباب الذي يعينه سمو الأمير أن يكون كذلك، إن شبابنا تنقصه العقيدة التي يؤمن بها ويتحمس لها ويسير في سلوكه بوحي منها.
فأين هذه العقيدة؟ هل نجدها واحدة واضحة في بيوتنا، هل نجدها واحدة واضحة في نوادينا، هل نجدها واحدة واضحة في معاهدنا العلمية، أم نجد التفرّق والتمزّق والضياع في كل مكانٍ من هذه الأماكن؟!
إن الشباب الذي يكون في بيته شيء ثم يختلط بأبناء حيّه فيجد كل واحد منهم شيئًا آخر ثم يذهب إلى ناديه فيجد فيه مزيجًا من العقائد والفلسفات ثم يذهب إلى معهده فيجد كل مدرس يبث فيه مذهبًا من المذاهب ويربيه على احترام عقيدة من العقائد ويرسم له منهجًا من مناهج الحياة لا يمكن أن ينشأ مشتت الفكر ضائعًا في بحر من الأوهام.
فهلّا أوجدنا روح العقيدة التي تريد أن تسود مجتمعنا في كل بيت! وهلّا رعينا شبابنا واهتممنا بتوجيههم في كل نادٍ! وهلَّا انتقينا المعلمين الذين يدينون بما نريد للشباب أن يدين به ويؤمنون بالعقيدة التي هي أصلح عقيدة ارتأيناها!
التخطيط
إن التخطيط ضرورة من ضرورات المجتمع الصالح والمجتمع الذي لا يقوم على تخطيط معين وعلى ما يسمونه «بالأيديولوجية» المعينة لا يمكن أن ننتظر منه إلا الفوضى والضياع. والتخطيط النافع يجب أن يشمل كل وسيلة من الوسائل وكل أداة من الأدوات بحيث يسير كل شيء على نسق واحد ليخدم اتجاهًا واحدًا وفي تخطيطنا للشباب يجب ألا ننسى وسائل الإعلام المختلفة فهي أداة واسعة الانتشار كبيرة التأثير فالإذاعة والتليفزيون والسينما والصحافة والكتاب المطبوع كل هذه الوسائل لا بد من رسم خطة لها وتوجيهها توجيهًا معينًا حيث تحترم العقيدة
التي نؤمن بها وتساعد على رسم منهج الحياة الذي نريد أن نسير فيه وعندما نرى كل شيء يوجه التوجيه السليم فحينئذٍ ننتظر من الشباب المؤمن أن يصنع الأعاجيب تنتظر منه أن يكون كأسامة بن زيد يقود الجيوش إلى معارك النصر وتنتظر أن يوجد منه من يتحمس للقتال كما تحمّس الصبيان اللذان تصارعا أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليفوز بالالتحاق بجيش المسلمين وهما في ريعان الصبا وننتظر منهم أن يكونوا مثل معاذ ومعوذ الذين قتلا بسيفيهما عدو الله أبا جهل في غزوة بدر وتسابقا يبشران رسول الله بقتله ويتنافسان على هذا الشرف.
لا نريد أن نساق بفعل الحماس والعاطفة إلى الاستمرار في ضرب الأمثلة فما أردنا لهذه الكلمة أن تكون حماسًا ولا عاطفة، ولكن نريد مخاطبة من له عقل وألقى السمع وهو شهيد.
إننا حين ننظر إلى الشباب كما نظر إليهم سمو ولي العهد فلا بد أن تكون نظرتنا شاملة لكل ما يُعانيه الشباب وإن كانت العقيدة السليمة والسلوك السليم هو الأساس الذي يبنى عليه كل شيء فإن وسائل التربية والتقويم يجب أن تشمل كل مناحي الحياة عند الشباب وأمام الشباب بعد العودة من المدرسة أوقات فراغ كثيرة لا بد أن تملأ والشباب ينزع نحو التغيير والتطوير ولا بد من مواجهة هذه النزعة كما أشار سمو ولي العهد وذلك بتسخير كل الوسائل الممكنة للشباب من مراكز صيفية موجهة في فصل الصيف ومن رحلات مختلفة تحت توجيه ورعاية سليمين ومن رحلات كثيفة ومعسكرات للعمل بشرط الإشراف السليم على كل هذه الأنشطة ومن زيارات لمختلف المؤسسات والمصانع والهيئات الاجتماعية ليكون الطالب عالمًا بما يدور حوله خارج مجتمعه المدرسي الصغير ولتستوعب مداركه حقائق المجتمع الكبير الذي ينتمي إليه، كل هذا بالإضافة إلى عملية ربط رفيقه بالماضي الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا وما في هذا الماضي من قيم رفيعة وعادات طيبة وعقيدة سليمة ونظيفة وما فيه من أمجاد وبطولات.
وإذا نظرنا إلى الناحية التعليمية البحتة والتي أشار إليها سمو ولي العهد في بيانه فإنه يتحتم علينا أن نعيد النظر في الكتب والمناهج ونظم التعليم التي تسير عليها في بلادنا بحيث يكون لنا أهداف سامية نسعى إلى تحقيقها من وراء كل هذه الأمور وبحيث تخدم هذه الوسيلة عقيدتنا التي نؤمن بها أجيالنا على الأخلاق التي تهدف إليها.
تطوير المناهج
إن علينا أن نطور الكتب والمناهج التي تهتم بالعلوم الإنسانية بحيث تخدم هذه العلوم عقيدتنا التي نؤمن بها فلا نجد تشويها في كتب التاريخ وتغيير الحقائق، بل نجد تاريخًا صحيحًا سليمًا من كل زيف. ونجد علم النفس ينطلق من الإيمان بالله خالق النفس والإيمان بالثواب والعقاب على الأعمال كما بينها كتاب الله ولا نجد تبريرات نفسية تعفي المجرمين من العقوبة أو تفسيرات وهمية تقوم على غير الحقيقة والواقع.
ونجد التربية الإسلامية متكاملة شاملة لكل نواحي النفس والمجتمع قادرة على خلق إنسان مؤمن صالح يتسلح بالعقيدة على أساس من العلم والعمل والتطبيق لكل ما يؤمن به ويعتقده.
ونجد اللغة العربية وما تحتويه من تراث عبر الأجيال تخدم القرآن الكريم وتربط بين أتباعه وتساعد على نشر تعاليم الإسلام ودراسة أحاديث المصطفى -عليه الصلاة والسلام- ونجد الفلسفة حين تُدرّس ترد إلى الحقائق الثابتة في القرآن وتناقش على أساس من العقيدة الإسلامية الخالية من الشوائب وتعرض على أنها إنتاج عملي يسري يُضل ويهدي ويوجّه الطالب بحيث لا يصل في متاهاتها ولا يضيع في تهويماتها ويكون مرجعه في ذلك كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أما العلوم التجريبية فتُدرس دراسة مجردة أساسها التجربة والملاحظة والاستنتاج على أن تكون متصلة بالحياة كلما أمكن ذلك الاتصال وأن يرد كل أمر معجز وكل اكتشاف عجيب وكل علاقات بين عناصر الكون إلى خالق هذه الأشياء ومبدعها على هذا النسق الدقيق، وعلينا أن نكون دائمًا على علم بكل جديد وأن نُنمّي في التلاميذ ملكة الابتكار وحب الاختراع وأن نهيئ لهم ذلك ونرعى النابغين منهم ليصلوا إلى أرفع المستويات.
وفي الختام نقتطف هذه الكلمة الطبية لسمو ولي العهد حول التعليم والتربية: قال: «وسنعمل على أن تربط التعليم بالتربية والتقويم، حتى يكون العلم سلاحًا للوطن لا سلاحًا عليه، وأن نُحسن اختيار المعلم، ليكون قدوة لأبنائنا علمًا وخلقًا، وأن نوفّر له كرامته وهيبته في الدولة، وأمام الطلبة والمواطنين، فإن بلدًا تهدر كرامة المعلم فيه، لا ينتظر من وراء تعليم أبنائه خيرًا».
أبو وائل
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

