العنوان إلى من يحرصون على حطام هذه الدنيا
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-مايو-1970
مشاهدات 66
نشر في العدد 11
نشر في الصفحة 23
الثلاثاء 26-مايو-1970
قالت فاطمة الزهراء:
شعر النبي صلى الله عليه وسلم بألم في رأسه واشتد عليه المرض فمنعه من النوم؛ فخرج مع أحد أصحابه في منتصف الليل، وذهب إلى مقابر المسلمين فدعا لهم الله عز وجل أن يغفر ذنوبهم، ثم وقف يقول: "السلام عليكم يا أهل المقابر، هنيئا لكم الموت على الإسلام"، ثم قال: "والله إن الله عز وجل عرض عليَّ مفاتيح خزائن الأرض ولكني فضلت الموت لملاقاة ربي".
واشتد المرض على محمد وكان من عادته إذا دخلت عليه أن يطبع على جبيني قُبلة الأب الحنون، أما هذه المرة فعندما دخلت عليه وجدته راقدًا في فراشه لا يستطيع حراكًا فرفعت عيني وانحنيت وطبعت قُبلة على جبينه، وقلت: "واكرب أبتاه"، فنظر إليَّ في عطف وقال: لا كرب على أبيك بعد اليوم. ثم قال: يا بنيتي لا أمل لي في الحياة كثيرًا وسوف أموت قريبًا، فصرت أبكي عليه، فقربني منه وهمس في أذني قائلًا: لا تحزني يا بنيتي فأنت أول من سيلحقني.
وكان عند أبي سبعة دنانير فاستدعى عائشة زوجته وقال لها تصرفي بما عندي من المال على فقراء المسلمين؛ فإني لا أريد أن أقابل ربي وعندي من المال شيء. فوعدته السيدة عائشة بتنفيذ رغبته ولكنها نسيت لانشغالها بمرضه.
وتذكر النبي هذه الدنانير في أحرج ساعات مرضه فنادی السيدة عائشة وسألها عن الدراهم فقالت له إنها نسيت وصيته لانشغالها بمرضه؛ فقال: هاتي الدراهم، وأمسكها بيد مرتعشة وقال: ماذا أقول لربي إذا ما قابلته وعندي هذه الدراهم تصرفي بها الآن قبل أن أموت، ولم يستطع صلى الله عليه وسلم أن يتكلم أكثر من ذلك فوضع رأسه في حجر عائشة، وقال: اللهم إني أسألك الجنة، اللهم اني أسألك الجنة، وهكذا مات النبي العظيم وذهب الى جنة الخلد وبقي دينه منهجًا للناس على مر العصور.
عائشة الزوجة الحبيبة
دخلت عائشة منزل الرسول صغيرة السن، وقد اكتمل نموها ونضجت في بيته وتدرجت شخصيتها بين عينيه من صبية كان يأتيها بصاحباتها ليلعبن معها أو يحملها على عاتقه لتطل على نفر من الحبشة يلعبون الحراب، إلى شابة مجربة تسألها امرأة في الزينة فتقول: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتضعيهما أحسن مما هي فافعلي.. وتقول لامرأة أخرى في الحداد: لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوج.
كانت تتفاخر بين ضرائرها بأنها البكر الوحيدة التي أخذها الرسول، وأن الرسول يحبها دون سواها، وتردد دائمًا قوله صلى الله عليه وسلم: حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى..
سأل عمرو بن العاص الرسول مرة: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ أجاب: عائشة.
قال عمرو، إنما أقول من الرجال، فأجاب الرسول: أبوها.
وانتهى الأمر بزوجات الرسول إلى الطلب من السيدة فاطمة الزهراء مخاطبة أبيها في أمر حبه لعائشة، فدخلت فاطمة على والدها وعائشة عنده وقالت: يا أبي إن نساءك أرسلنني إليك وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة.
فسألها الرسول: أي بنية أتحبينني؟ فهتفت بملء حماسها: بلى يا أبي، قال: فأحبيها ..
وعادت فاطمة لزوجات والدها بالخبر فألححن عليها بالعودة وسؤاله من منهن أحب إلى نفسه بعد عائشة؛ فتحدثت فاطمة مع والدها بالأمر عدة مرات إلى أن قال: لا تؤذيني في عائشة.
وكذلك رد عن عائشة والدها أبا بكر حين كان يحاول التخفيف من غلوائها، وكان الرسول يستميح لها العذر فيقول ويحها لو استطاعت ما فعلت.
ويسألها أحيانا: أغرت؟
فتجيب ومالي ألا يغار مثلي على مثلك.
وقد أقامت عائشة طول حياة الرسول بجانبه تؤازره وتشهد أمجاده واتساع دولته، وتتلقاه عائدًا من حروبه مظفرًا مكللًا بالنصر.
ثم حان الوقت ليستريح هذا البطل بعد حياة طويلة شاقة قضاها في نضال وجهاد وتعب، فاجأه المرض فذهب وزار مقابر المسلمين ثم عرج على عائشة وجلس يتحدث معها وداعبها بقوله: وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك؛ فصاحت وقد هاجت غيرتها ليكن ذلك حظ غيري، والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيها ببعض نسائك، فأشرق وجهه صلى الله عليه وسلم بابتسامة صغيرة، وذهب يطوف بزوجاته، ويشتد عليه الألم في منزله عند ميمونة فيفكر في عائشة ويقول في تساؤل: أين أنا غدا؟ وأين أنا بعد غد؟
وأدركت نساؤه على الفور ما يقصده الرسول العظيم ووهبن أيامهن لعائشة، ونقل الرسول لمنزل الزوجة الحبيبة وسهرت عليه تمرضه وتخفف عنه حتى فاضت روحه بين يديها وهو يقول الجنة يارب العالمين.
وعاشت عائشة بعد الرسول لتكون المرجع الأول في الحديث والسنة وليأخذ المسلمون عنها نصف دينهم كما أمرهم رسولهم، ثم ماتت في السادسة والستين من عمرها بعد أن تركت أثرًا عميقًا في حياة المسلمين ودفنت عائشة مع أمهات المؤمنين.
سلام على عائشة، وسلام على أمهات المؤمنين جميعًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل