; «المجتمع» تستطلع آراء المؤيدين والمعارضين لاتفاق «أوسلو 2» | مجلة المجتمع

العنوان «المجتمع» تستطلع آراء المؤيدين والمعارضين لاتفاق «أوسلو 2»

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1995

مشاهدات 12

نشر في العدد 1171

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 17-أكتوبر-1995

اتفاق طابا.. «أوسلو 2» بين المعارضين والمؤيدين

أثار الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي لتوسيع الحكم الذاتي في الضفة الغربية والذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى في منتجع طابا المصري في 24/9/1995م، ومن ثم التوقيع عليه رسميًّا في واشنطن بتاريخ 28/9/1995م، ردود فعل متناقضة على الساحة الفلسطينية، تراوحت بين الترحيب والتأييد، وبين الرفض والتنديد، وإن كان موقف المؤيدين هذه المرة افتقر إلى الحقائق الموضوعية، خاصة أن الاتفاق ترك كل القضايا الأساسية (القدس - اللاجئين - الاستيطان – الحدود)، معلقة لما يسمى بمفاوضات المرحلة النهائية، تلك المفاوضات التي تحددت ملامحها من خلال نصوص اتفاق طابا، أي أن الاتفاق الجديد حدد بشكل واضح لا لبس فيه ملامح المرحلة النهائية.

ما يميز اتفاق طابا الأخير عن الاتفاقين السابقين أوسلو 1، الذي وقع في واشنطن في 13 سبتمبر أيلول 1993م، واتفاق القاهرة الذي وقع في 4 مايو أيار، 1994م، هو أن موقف معارضي الاتفاق الأخير ربما كان أقوى ويملك حججًا أكثر، سواء من قبل الفلسطينيين في الداخل أو في الشتات، وكان واضحًا مدى الفتور الشعبي الفلسطيني الذي رافق عملية الاحتفال بالتوقيع.

آراء المؤيدين والمعارضين في الاتفاق لم تختلف كثيرًا عن المرتين السابقتين، فمن قائل إنه خطوة نحو حلم الدولة المستقلة، وبين واصف له بأنه كارثة حقيقية، وبين الموقفين مسافة كبيرة ربما نستطيع عرضها من خلال الوقوف على حقيقة الاتفاق وتفاصيله عن طريق استعراض هذه المواقف والأسباب التي دفعت بالمعارضين إلى معارضتهم، والمؤيدين إلى تأييدهم لنحصل على الصورة الحقيقية لما جرى ويجري.. مجلة «المجتمع»، أجرت مسحًا لآراء عدد من المعارضين والمؤيدين فكان هذا التحقيق.

المعارضون

يبدو أن جبهة المعارضة لاتفاق طابا لتوسيع الحكم الذاتي اتسعت عما كانت عليه في الاتفاقين السابقين، وضمت إلى صفوفها عددًا من المؤيدين السابقين للمسيرة السلمية، فأعلنوا عن تحفظهم أو معارضتهم لاتفاق طابا.

ولعل بعض تفاصيل الاتفاق التي تم نشرها حتى الآن دعمت مواقف هؤلاء؛ فعلى صعيد منظمة التحرير الفلسطينية، فقد رفض سبعة أعضاء في اللجنة التنفيذية الاتفاق الأخير، وهم فاروق القدومي (رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية)، وشفيق الحوت (الممثل السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان – مستقل)، وعبد الرحيم ملوح (ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وسليمان النجاب (ممثل حزب الشعب الفلسطيني)، وتيسير خالد (ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، ومحمود إسماعيل (ممثل جبهة التحرير العربية)، وعبد الله الحوراني (مستقل).

وعلل هؤلاء أسباب رفضهم بأن الاتفاق يتضمن شروطًا تكرس وجود الاحتلال في الأراضي الفلسطينية بما فيه قلب مدينة الخليل، ويمس وحدة الشعب الفلسطيني، ويحكم عليه بالعيش في معازل تحت السيطرة الإسرائيلية، إضافة إلى ما يلحقه من خطر كبير بقضية القدس وحقوق الشعب الفلسطيني بالمياه والأسرى والمعتقلين، والقضايا المؤجلة للحل النهائي.

أما على صعيد مواقف بعض الشخصيات الفلسطينية السياسية والفكرية، فنعرض المواقف التالية:

تيسير قبعة - نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني - علق على الاتفاق قائلا: «إنه تضمن المزيد من التنازلات عن الحقوق والأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني»، واصفا إياه بأنه اتفاق إذعان كسابقه، مشيرا إلى أن «عملية التسوية الجارية حاليا فقدت مرجعيتها الدولية وجعلت من أمن إسرائيل واستحقاقات العملية الانتخابية الإسرائيلية المرجعية العليا».

صالح رأفت - عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير - انتقد اتفاق طابا، وقال إنه انتقص من حق السيادة الفلسطينية في الولاية الكاملة على أراضي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وأبقى السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية في المرحلة الانتقالية على القسم الأكبر من الضفة الغربية.

أما إدوارد سعيد -المفكر الفلسطيني المعروف، وأستاذ الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا الأمريكية- فقد كان دقيقًا في توصيف الأسباب التي أدت إلى هذا الاتفاق والنتائج التي سيتمخض عنها، والذي ينعته به الاتفاق الكارثة.

ويقول سعيد: إن الاتفاق يحمل في طياته المزيد من التأجيل في مواعيد إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي التي ستنجز وفق الاتفاق على مراحل تفصل بين كل منها ستة أشهر لتستغرق العملية ما لا يقل عن سنتين.

إضافة إلى ذلك ستتم إقامة 62 قاعدة عسكرية إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية كما أن القوات الإسرائيلية التي ستنسحب من مراكز المدن الرئيسية في الضفة الغربية باستثناء الخليل، ستحتفظ بسيطرة كاملة على مخارج هذه المدن ومداخلها، بالإضافة إلى سيطرتها على الطرق في الضفة الغربية.

ويضيف البروفيسور سعيد: إننا بفضل عبقرية التكتيكات التفاوضية الفلسطينية حققنا «لإسرائيل» حلمها الصهيوني بمنح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًّا على شعبهم، وليس على الأراضي فمجموع الأراضي التي ستقع تحت الحكم الذاتي للسلطة الفلسطينية (ستحتفظ «إسرائيل» بالسيادة) الذي سيتولى مسؤولية مليون فلسطيني يعادل حوالي 5% (بينما يحظى 140 ألف مستوطن إسرائيلي بحوالي 8 من أراضي الضفة)، فإذا أضفنا غزة (التي يسيطر الإسرائيليون على 40% من أراضيها) يصل مجموع الأراضي الواقعة تحت الحكم الذاتي إلى 18%.

ويشدد سعيد على أن هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه هو كارثة حقيقية.. ويبدو أن الحصيلة الرئيسية بالنسبة إلى الفلسطينيين هي أن أوسلو يمنح السلطة الفلسطينية رموز الحكم ومظاهره مجردة من الواقع.. هكذا يمارس عرفات وأعوانه الحكم على مملكة من الأوهام، بينما تحتفظ «إسرائيل» بسيطرتها على مقدرات الأمور.

أما المهندس إبراهيم غوشة - المتحدث الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية «حماس» فيتناول الأخطار التي ستنجم عن اتفاق طابا فيقول: إن اتفاق طابا أخطر من اتفاق القاهرة حول ترتيبات الحكم الذاتي الموقعة في 4 مايو أیار 1994م، وتأتي الخطورة من تخلي الطرف الفلسطيني عن 70% من أراضي الضفة الغربية للاحتلال، وتخليه أيضا عن نحو 70% من المياه الموجودة في الضفة للاحتلال، والأخطر من ذلك سيطرة «إسرائيل» الأمنية على معظم مناطق الضفة.

وأضاف غوشة أن أخطر ما في هذه الاتفاقية أنها رسمت الحدود شبه النهائية لما سيكون عليه الوضع لما يسمى بالكينونة الفلسطينية، ولا أسميها دولة فلسطينية، لأن الدولة لا يمكن أن تأخذ هذا الوصف عندما تسقط منها العاصمة القدس وعندما تنقصها السيادة، وعندما لا تمثل إلا جزءًا من الشعب الفلسطيني، فأربعة ملايين فلسطيني في الخارج لا تغطيهم الاتفاقية.

أما الأستاذ منير شفيق -الباحث والكاتب الفلسطيني المعروف- فيرى أن الاتفاق سيوفر لإسرائيل احتلالاً نظيفًا لا تبعات عليه فيقول: (إن اتفاق أوسلو 2 خطا الخطوة التي يحتاج إليها الكيان الإسرائيلي لجعل احتلاله لفلسطين بما في ذلك قدسها نظيفًا؛ لأن الجانب الوسخ أو المؤذي بالنسبة إليه كما لكل احتلال هو الاصطدام بمقاومة الأهالي والمحافظة على الأمن، فإذا رفع هذا العبء عن قواته العسكرية ومستوطناته وسائر تحركاته، ولم يعد ينظر إليه باعتباره احتلالا، أو يعامل كذلك تحت شعار السلم والمشاركة والتعاون والازدهار، والشرق الأوسط الجديد، وتولي حكم ذاتي محلي القيام بهذه المهمات، فذلك أروع ما يمكن أن يتحقق للاحتلال، ولم يفز بمثله احتلال في أي مكان آخر قديمًا وحديثًا.

الصحفي والكاتب الفلسطيني المعروف عرفات حجازي ابن مدينة الخليل، اتهم السلطة الفلسطينية بالتفريط في مدينة الخليل وبحرمها الإبراهيمي الشريف لصالح اليهود، حين نص اتفاق طابا على السماح للمستوطنين بالبقاء فيها، ويقول حجازي لو تصفحنا اتفاقية طابا التي تقع في 450 صفحة لن نجد اسم الحرم الإبراهيمي الشريف فيها، بل هناك اسم مقبرة الأنبياء، أي أنبياء اليهود وماذا بعد هذا من اعتراف بأن الحرم الإبراهيمي ليس مسجدًا للمسلمين، بل هو مكان مقدس لليهود، ثم لم يرد في الاتفاقية أي ذكر للمستوطنين الذين استبدل التعريف بهم بالأحياء اليهودية وهي الأحياء التي تضم مدينة الخليل القديمة، وليس بعد ذلك من تأكيد على الاعتراف بأن المدينة يهودية.

الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي يرى في اتفاق طابا أنه مثل الضربة القاضية للقضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، ويقول: إن الاتفاق محاولة لحسم صراع المائة عام بالضربة القاضية لصالح الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.. مضيفًا أن عرفات يريد أي نفوذ على أي جزء من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بغض النظر عن السيادة، وبغض النظر عن الحقوق الوطنية للشعب، وفي نفس الوقت الإسرائيليون بحاجة إلى جهاز بوليسي قمعي إضافي يحالفهم ويشاركهم، ويخفف عنهم أعباء الاحتلال ومواجهة المقاومة.

وقال: إن الاتفاق هو جريمة بالفعل جريمة العصر، وعلى المعارضة أن تنهض على كل مستوى ممكن السياسي والعسكري، فهذه هي فرصتنا لرد هجوم أوسلو المستمر منذ عامين بعد أن أصبحت الأمور أوضح.

محمد جهاد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، يرى أن الاتفاق يتعارض مع الثوابت الأساسية للقضية، ويقول: الاتفاق غير وطني، ويتناقض مع الثوابت الفلسطينية، وقرارات المجالس الوطنية الفلسطينية، وهو كارثة على الشعب الفلسطيني؛ إذ لا يحقق الانسحاب الإسرائيلي، بل هو يقطع الضفة الغربية إلى جزر معزولة عن بعضها ويكرس الاحتلال للأرض.

أما السيد حيدر عبد الشافي (الأمين العام لحركة البناء الديمقراطي، ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض السابق) فيقول: إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في طابا يفتقر إلى المصداقية في ظل ما تفعله «إسرائيل» على أرض الواقع، وأضاف: «إن الاتفاق يبقي 70% من أراضي الضفة الغربية بيد «إسرائيل» وتحت وصايتها، وأكد أن عملية السلام فقدت أي معنى لها في ظل الممارسات الإسرائيلية».

الدكتور عبد الستار قاسم - المحاضر في جامعة النجاح الوطنية بنابلس- تحدث عن آفاق هذا الاتفاق والسقف الأقصى الذي يمكن أن يبلغه قائلا: «إنه يتضمن حكما ذاتيًّا يخلو من السيادة، ويقسم الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية إلى جذر سكانية ويفصلهم عن بقية أبناء الوطن الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948م وفي الشتات».

وأضاف الدكتور قاسم أن المفاوضات التي أدت إلى اتفاق طابا بدأت بروح إسرائيلية حددت السقف الأعلى الذي يستطيع الجانب الفلسطيني أن يتحرك ضمنه، والذي يقع ضمن ما تراه «إسرائيل» أنه مصلحتها، وبين مطالب فلسطينية لا تتجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية.

ونختتم هذه الجولة مع معارضي اتفاق طابا باستعراض رأي عضو سابق في الوفد الفلسطيني المفاوض، وهو الدكتور غسان الخطيب، الذي علّق على الاتفاق الأخير فقال: «إن الاتفاق جاء مكملاً لاتفاق القاهرة، وانتقلت إليه جميع العيوب والنواقص التي كان يحتويها».

وأضاف الخطيب أن الاتفاق يعطي الفلسطينيين السيطرة على مناطق محدودة ومجزأة تعادل 6% من أراضي الضفة الغربية ولا تشمل أكثر من ثلث التجمعات السكانية بخلاف ما تعلنه وسائل الإعلام.

المؤيدون

لا شك أن اتفاق طابا الأخير قد أضعف جبهة المؤيدين للسلام، وسيعتري هذه الجبهة المزيد من الضعف عندما يحين موعد التطبيق نتيجة المراوغة والابتزاز الإسرائيليين، فبعد يوم واحد من التوقيع على الاتفاق في واشنطن أعلنت «إسرائيل» عن مصادرتها لمساحات كبيرة من الأراضي في مدينة القدس والضفة الغربية، كما بدأت مراوغتها بشأن قضية المعتقلين والإفراج عنهم.

يضاف إلى ذلك أن موقف المفاوضين الضعيف أمام الجانب الإسرائيلي قد ساهم هو الآخر في تعزيز هذه القضية، ووصل بالشعب الفلسطيني إلى درجة الإحباط، لذلك فلن يقف على آراء المؤيدين لأن جميع ما قالوه في الاتفاق لا يخرج عن إطار التوصيف وإطلاق الشعارات البعيدة عن التصور الإسرائيلي الذي يحكم الاتفاق، ويمكن من خلال عرض موقف رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في طابا وواشنطن والذي لا يخرج أغلب المؤيدين عن إطاره.

فعلى الرغم من جوانب القصور الواضحة في الاتفاق، فإن تصريحات المسؤولين الفلسطينيين المؤيدين تذهب بعيدًا عن الواقع في رسم صورة المستقبل، فبين الموقف الذي دفع بياسر عرفات للخروج من المفاوضات في طابا قبل يوم واحد من إعلان التوصل إليه وهو يصرخ لسنا عبيدًا، وبين تصريحه في واشنطن بعد حفل التوقيع حين وجه كلامه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين قائلا: الآن نحن شركاء وجيران، وقد عقدنا سلام الشجعان، الآن لدينا شرق أوسط جديد لكنه لن يكتمل طالما لم ننجح على المسارين السوري واللبناني هناك بون شاسع.

ولعل تصريح ياسر عبدربه -وزير الثقافة والإعلام في السلطة الفلسطينية- للإذاعة الإسرائيلية عقب توقيع الاتفاق يلقي بعض الضوء على ما ذهبنا إليه لمواقف المؤيدين، وقد جاء فيه أن الاتفاق خطوة للأمام رغم وجود نواقص كثيرة، إلا أن أفق الحرية وأفق الدولة الفلسطينية المستقلة أصبح مرئيًّا تمامًا.

ونختتم آراء المؤيدين وهم قلة بما قاله أحمد قريع (أبو العلاء) في اتفاق طابا الذي تفاوض على تفاصيله: «الاتفاق جيد ومقبول، وبموجب هذا الاتفاق ستضع السلطة الوطنية الفلسطينية أقدامها على أرض الضفة الغربية»، وفق قوله.

الرابط المختصر :