العنوان الافتتاحية- اتهامات فرنسا وعداوتها للمسلمين
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
مشاهدات 30
نشر في العدد 1168
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
دون أي دليل أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك بأن ضلوع الجماعات الإسلامية في الاعتداءات الأخيرة التي حدثت في فرنسا هو الافتراض «الأكثر احتمالًا» وقد أكد شيراك على أنه ليس لديه أي دليل على اتهامه، حينما قال في المقابلة التي نشرتها وسائل الإعلام في الخامس من سبتمبر الجاري غير أننا «لا نملك أي دليل»
ولا ندري ما هي الدوافع التي تجعل الرئيس شيراك- وهو رئيس واحدة من أكبر دول العالم- يدلي بأتهامات عامة للمسلمين دون أي دليل؟ لا سيما وأن تصريحاته قد واكبتها حملات اعتقال واسعة النطاق ضد المسلمين في فرنسا، حيث يعتقل المئات كل يوم تحت بند ما يسمى «الاشتباه بأنهم إسلاميون» ولا ندري لم لم ينظر الرئيس الفرنسي إلى الحقيقة ليرى أن كل الحركات الإسلامية- بما فيها جبهة الإنقاذ الجزائرية التي توجه إليها أصابع الاتهام الفرنسية دائمًا في مثل هذه التفجيرات- قد شجبت التفجيرات التي حدثت في فرنسا، وأدانت القائمين بها ولم لا ينظر الرئيس الفرنسي إلى حقيقة ما يحدث في أرجاء العالم من إدانة لإصرار فرنسا على استمرار قيامها بتجاربها النووية في أرخبيل الملايو بما يسبب أذى لا نهاية له للبشرية جمعاء حيث لم يتوقف أمر إدانة فرنسا واستنكار قيامها بهذه التجارب على مواطني نيوزيلاندا وأستراليا، وتاهيتي فقط، وإنما أستنكرته دول كبرى على رأسها أمريكا وبريطانيا، والبرلمان الأوروبي، الذي أدان فرنسا بشدة في الأسبوع الماضي، فلم لا يوجه شيراك الاتهام لمناهضي التجارب النووية الفرنسية على أنهم هم الذين دبروا هذه التفجيرات وليس الإسلاميين وهذا هو الاحتمال الأكثر دقة لدى كثير من المراقبين طالما أن السلطات الفرنسية لا تملك حتى الآن أي دليل على اتهام الإسلاميين، ولم تصر الإدارة الفرنسية على دفن رأسها في الرمال، وعدم مواجهة حقيقة الموقف الدولي الرسمي والشعبي ضد تجاربها النووية وتوجه أصابع الاتهام إلى الفاعل الحقيقي بدلًا من تشويه صورة المسلمين دائمًا وأستعداء الفرنسيين والغربيين عليهم، واستعداء المسلمين كذلك ضد الفرنسيين في الوقت الذي يقيم فيه أربعة ملايين مسلم في فرنسا معظمهم فرنسيون إننا لا نستطيع أن تفصل تصريحات شيراك الأخيرة عن حملة العداء الفرنسي العامة الموجهة ضد الإسلام والمسلمين وتحريض الغرب وبث الكراهية ضد المسلمين طوال السنوات القليلة الماضية، وقد بلغت هذه الحملة ذروتها في عدة جوانب كان أبرزها سلوكيات لوزارتي التربية والداخلية، وقد تمثلت سلوكيات وزارة التربية في منع الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس، وأخذت هذه القضية أبعادًا كبيرة وصلت إلى حد رفض المسؤولين في المدارس الفرنسية دخول الطالبات المسلمات المدارس بالحجاب، رغم صدور أحكام قضائية من المحاكم الفرنسية تؤيد حق الطالبات المسلمات في ارتداء الحجاب داخل المدارس، وقد حول الإعلام الفرنسي القضية إلى معركة بين الإسلام والمسيحية دون مبرر حينما كتبت مجلة «ليبوان» الفرنسية في افتتاحيتها الصادرة في ١٠/٩/ ١٩٩٤م قالت: «إن تراجع المدارس العامة أمام زحف الإسلام يفسح المجال لاستقرار جرثوم مدمر داخل قلب المبدأ الجمهوري»، واستمرت المجلة في إثارة العداوة ضد المسلمين قائلة: «مع نهاية القرن، وفي بلد متحضر هل يجب علينا تغيير ما يقبله الإنجيل لإرضاء ما يقبله القرآن»؟
أما مستشار وزير الداخلية الفرنسي السابق شارل باسكوا المدعو «جون كلود بارو»، فقد كان مشهورًا بكتاباته العدائية ضد المسلمين والفكرة الإسلامية، بل وحتى الدين الإسلامي عمومًا، وفي هجوم شامل وقوي ضد المسلمين قال بارو في مقابلة نشرتها له صحيفة «لوفيجارو»، بتاريخ ٩/٩/١٩٩٤ م: «إن طرد الإسلاميين الجزائريين من فرنسا عملية رمزية، لكن هناك خطرًا إسلاميًّا حقيقيًّا في بلدنا، وهذا الخطر هو جزء من موجة الأصولية العالمية الكبرى»
أما شارل باسكوا وزير الداخلية الفرنسي السابق فلم تكن سياساته المتطرفة تجاه الإسلام والمسلمين سوى انعكاس للسياسة الفرنسية المتنامية في العداء للمسلمين وقد بلغت درجة التطرف والعداء لدى باسكوا أن قام في مايو الماضي ١٩٩٥م بمصادرة كتاب الحلال والحرام في الإسلام، للدكتور يوسف القرضاوي، بما اعتبره كثير من الفرنسيين اعتداء واضحًا على حرية الفكر والتعبير، وعداء صريحًا للدين الإسلامي، حتى إن الكاتب الفرنسي "ناتانيال هارزبارغ" كتب في صحيفة لوموند الفرنسية في ٤/٣٠ ٩٥ ينتقد قرار باسكوا قائلًا: «إن هذا الكتاب لا يدعو إلى احتقار الديانات الأخرى، ولا العصيان والتمرد على الدولة»
أما المفكر الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي- مؤلف الكتاب- فهو مفكر من أوساط الإخوان المسلمون في مصر وهو معروف باعتداله، أما المفكر الفرنسي أوليفي روا- الباحث بالمركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية فقد قال: «إن منع كتاب القرضاوي هو استهداف للدين الإسلامي في حد ذاته».
هذا الاستنكار الواضح من هؤلاء المفكرين الفرنسيين الذين انتقدوا السياسة العدائية الفرنسية الواضحة للإسلام والمسلمين لا يحتاج منا إلى تعليق، ويكفي أن يشهد على ذلك شهود فرنسيون، فالعداء للحجاب، ولتعاليم الدين الإسلامي واتهام المسلمين دائمًا بالإرهاب دون دليل، واعتقال العشرات منهم كل يوم بتهمة الهوية الإسلامية، علاوة على مواقف فرنسا الخارجية المضادة للمسلمين خاصة في الجزائر والبوسنة والهرسك ليست سوى سياسة استعداء وبث للكراهية والنفور تأباها كل المعايير لا سيما إذا صدرت عن رئيس الدولة الفرنسية، وإننا ندعو الرئيس شيراك أن يتذكر تصريحاته التي أدلى بها في 8/4/١٩٩٥م أثناء حملته الانتخابية حينما قال: إن مسلمي فرنسا ساهموا في إثراء فرنسا، وفي وحدتها، وتعددية ثقافتها، وأن يدرك الرئيس شيراك أن المسلمين هم أهل حضارة ودين قويم تأبي عقيدتهم ويأبى دينهم أن يسلكوا تلك المسالك التي تسلكها الحكومات المعادية للإسلام والمسلمين من إرهاب وظلم، وفتك وقتل واتهام الناس بالباطل، وأن يدرك أن سياسة الاستعداء واتهام المسلمين دون دليل، إنما هي شكل من أشكال الإرهاب لا يليق بدولة مثل فرنسا تدعي أنها راعية للحرية والتعددية أن تسلكه..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل