الثلاثاء 09-يونيو-1970
نحن الآن في أوائل الأربعينات من القرن العشرين، الحرب العالمية الثانية تجتاح العالم في سرعة رهيبة، الحديث في كل مكان يدور حول القوة النازية التي تشبه أساطير الجن.
- قوات المحور تغزو أوروبا، وتلتهم فرنسا، وتشعل نيران الحرب في إفريقيا، وتبدأ عملية التفكير في الاتجاه نحو الشرق وروسيا بالذات.
وهنا وقف الجنرال «فون برادخيتش» أحد القادة الألمان ينصح «هتلر» الزعيم الأوحد، الذي كانت ترتفع الأيدي له «هايل هلتر»، والذي ظل خلال ١٣ سنة لم يتجرأ إنسان في ألمانيا بطولها وعرضها أن يوجه إليه سؤالًا أو استفسارًا فضلًا عن مساءلته أو استجوابه.
- فالتبجيل بالزعيم ترتفع به أصوات أعضاء المجالس البلدية.
- والمجالس التشريعية تصفق تعظيمًا لعبقريته وفكره.
- والريشتاغ يمجد القائد الملهم ويصلي من أجله.
- ورجال ألمانيا يتنافسون بإخلاص وأمانة للتقرب من الزعيم.
ويوم أن يفتر ثغره عن ابتسامة لأحدهم تشرق شمسه بالأمل.
واستحالوا جميعهم من قادة الجيش والوزراء إلى التجار والصناع والعمال إلى دمى يحركها ولي النعمة العبقري الفذ.
- فالشحنات القوية التي كانت تنطق بها أجهزة الإعلام بشتى أنواعها والتي تولاها رئيس صحافة الرايخ دكتور «أوتو ديتريش»، جعلت الزعيم قدوة الجماهير، ورسخت في أذهانهم العنصرية للشعار الذي أطلقته «ألمانيا فوق الجميع».
والإرهاب الذي قامت به جماعة الـ S - A و الـ S - S والتي نشرت الرعب في نفس كل من يفيق على الواقع المر، ويبصر مؤشر الأحداث يرسم خط النهاية الأليمة المفزعة.
● ويدير عينيه نحو التفسخ والانحلال الخلقي الذي اتسم به زعماء النازية.
● والرشوة والانتفاع الذاتي والاستغلال في شتى مرافق الدولة.
● ومقص الرقيب الذي يمزق به أوراق صحيفة ناقدة أو موجهة.
فضلًا عن مقص «المخابرات» الذي يقص رقاب الناقدين أو الناقمين.
● والوشايات والدسائس التي تُجرى صناعتها وحبكها داخل القصور، وخلف كواليس المسرح «الديكتاتوري» الحاكم.
● وحركات التطهير التي يجريها الزعيم بين الحين والحين في جلسائه ومعاونيه، والتي على قمتها مذبحة «روهم» ورجاله؛ لأنه كان يؤمن بأن «المآسي هي التي تحمل الزعامة على خلق الظروف المناسبة للتخلص من الرجال الذين تسببوا في تلك المآسي».
● والشخصيات الضعيفة التي استأسدت بسلطان الحكم وثقة الزعيم: من أمثال «بورمان» مستشار الحزب، والذي كان يتحكم في مصائر الموظفين، وأصبح بالتالي مناط الرجاء لموظفي الدولة ورجال الحزب «النازي»، الذين شغلهم النفاق والمداهنة، والحرص على المناصب والتظاهر في كل مكان بخدمة الحزب والدولة من القيام بواجباتهم، والثمن لكل ذلك الإبقاء عليهم؛ حيث هم دون أن يساقوا إلى ميادين الحرب وجبهات القتال.
لقد جمع «مارتن بورمان» بين ثلاث وظائف هامة:-
١- مدير شئون الحزب.
٢- المشرف على سير الحكم النازي.
٣- رئيس موظفي دولة الرايخ.
ونتيجة لذلك؛ أصبح يدير شئون الدولة ويحركها باسم الزعيم حسبما يهوى ويريد، مكتسبًا كل سلطانه، محاطًا بكل هالاته، حاملًا لكل بطشه وإرهاباته.
للحائط آذان
وأعود إلى الجنرال «فون براديجيتش» الذي بدأت الحديث عنه:
- إنه القائد الذي كسب لألمانيا الجبهة الغربية، بلجيكا، والدنمارك... إلخ وبولندا، والبلقان.
يذهب إلى مكتبه في القيادة كالمعتاد ليُفاجأ بحارس جديد على باب مكتبه يمنعه من الدخول، ويشير إلى المصباح الأحمر المضيء، ويفهم الجنرال أن شخصية كبيرة بمكتبه، يطلب إبلاغها بأنه قد حضر، يتركونه على الباب ساعات لا يستطيـع الدخول ولا الخروج، وبعد مدة طويلة، ومعاملة مهينة، سُمح للجنرال بالدخول فإذا به يُفاجأ بأحد زملائه في مقعده الذي كان يشغله حتى الأمس قائدًا عامًا، يخبره على الفور:
- لقد قبلت استقالتك..
الجنرال: إنني لم أطلب استقالتي.
- طبعًا، هل تذكـر معارضتك الشديدة للزحف على روسيا؟ هل تتذكر؟؟ الجنرال: نعم.. وما زلت.. لقد ذكرت لكم من الحقائق عن حالة الجيوش الألمانية، وعدم الاستعداد الكافي لحملة كهذه، ثم استطرد الجنرال قائلًا: وإن من حقي كقائد عام أن أُبدي رأيي بصراحة.
- إن الزعيم ثائر عليك ولم يتمالك نفسه من الغضب.
الجنرال: هل أفشيت أسرارًا عسكرية؟
إنني أفهم من هذا أن «هتلر» لا يقيم وزنًا لشرف قائد عسكري ألماني.
- إنني أنفذ أوامر الزعيم ولا يمكن أن أتعداها.
الجنرال: إنكم بمثل هذه الأساليب الرخيصة ستودون بحياة الشعب الألماني وعلى رأسه هتلر.
- اسكت يا جنرال فإن للحائط آذان.
الجنرال: إن آذان الحائط هي أنتم يا «ماريشال» فاسندوا الحائط قبل أن ينهار على رؤوسكم.
- وفي يوم ۳۰ نيسان سنة ١٩٤٥ قرر «هتلر» استحالة كسب النصر، واعترف وهو موقن بالنصر حتى اللحظة الأخيرة بأنه قد خسر الحرب نهائيًّا.
وفي هذه الأيام والعالم يحتفل بذكرى مرور خمسة وعشرين عامًا على سقوط دول المحور وانهيار النازية.
● هل يذكرون أن غرورًا «هتلريًّا» أحمق ما زال يسيطر على بعض زعماء العالم وحكامه، وأنهم لن يكونوا بأحسن نهاية منه، ومزارع السم للمنتحرين ملآى؟
● هل يدركون أن الأساليب «الهتلرية» في الضجيج الدعائي وتقديس الفرد لن تغطي على المستنقع الآسن طويلاً، وإن رائحتها الكريهة تتسلل حثيثًا ثم تدفع الغطاء فجأة.
● هل يعلمون أن بطانة السوء وذوي المنافع تحول بين الكسب وتورد إلى التهلكة.
● هل آن لهم أن يفيقوا على أجهزة المخابرات والإعلام، إنها مهما أحكمت وتحكمت لن تجدي فتيلاً في اليوم الموعود.
هل يوقن الذين انحدروا إلى النازية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!! واستقدموا خبراءها في القمع لكل صوت!! ودرسوا أساليبها في فنون الكبت والقضاء على كل من يقول لهم: هذا نذير بالخطر! يوشك أن توقدوا ناره.. ولن نسلم نحن ولا أنتم من لهيبه!!
«أرى خلل الرماد وميض نار ويوشك أن يكون له ضرام»
هل يوقنون أن إلقاء السمع لصوت الجماهير وأصحاب الأقلام فيها: الجماهير التي أرهبوها، وأصحاب الأقلام الذين صنعوهم!! ما هو إلا التقاط لموجات صوتية هم مصادرها، وإنها لا تحمل في ضجيجها إلا الزيف والبهتان!!
◘ هل يدرك الذين فرضوا زعاماتهم على الشعوب في بعض البلدان، وتاهوا خيلاء وسط مواكب المصفقين والمهللين الذين أجرهم الحزب «الواحد» على أن يكونوا في شرف الاستقبال والتوديع صفوفًا متراصة تهدر بالهتاف للزعيم، ودعك من قبض المصاريف..!!
هل يدركون أن أصوات الحق الخافتة اليوم تصل إلى القلوب حثيثًا حتى يأذن الله لها بالعلو؛ فتكشف زيف السحر والساحرين، وبطل ما كانوا يصنعون.
◘ هل تنفتح قلوبهم على النور الإسلامي من خلال السيرة العطرة للرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم.
- الذي كان جم التواضع:
- ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: ١٥٩)
- كثير الشورى «ولا ندم من استشار».
- يسد منافذ الوشاية «لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئًا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر».
«أتريد أن تتسمع العرب أن محمدًا يقتل أصحابه؟!»
- يمنع التجسس إلا على الأعداء..!!
- ويساوي بين الأجناس والشعوب، وأساس المفاضلة : إیمان بالله واتباع صراطه.
وإذا كنا لا نلزم الكافرين بهذا الاتباع.. هل نستطيع أن نناشد المسلمين بهذا الالتزام.
﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: ١٥٣)
أبو هالة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
هل يريد دعاة الخمر أن يدفعوا المجتمع إلى هذا المصير البائس؟
نشر في العدد 74
33
الثلاثاء 24-أغسطس-1971