العنوان اغتيال السادات واللعبة الإعلامية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أكتوبر-1981
مشاهدات 22
نشر في العدد 547
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 20-أكتوبر-1981
تعتمد التحليلات السياسية على حجم المعلومات للأحداث الكبيرة والصغيرة، والربط بينهما وتحليلها في ضوء الأولويات الإستراتيجية للدول الكبرى نحو المنطقة مجال التحليل.. وفي ضوء مصالح أنظمة الحكم القائمة -إن كان لهذه الكيانات دور مستقل يمكن أن تؤديه- كما أن التحليل يعتمد على مجموعة من الاحتمالات الممكنة.. حيث نجد للأحداث السياسية ظاهرًا وباطنًا.. فمهندسو السياسة العالمية تظهر مهارتهم السياسية إذا استطاعوا أن يغطوا الأهداف الحقيقية والمصالح الإستراتيجية للدول الكبرى، بأحداث سياسية تبدو في مظهرها مصالح ومكاسب للدول الصغرى.
والأحداث السياسية بين دولتين أو أكثر.. المكسب فيه للدول الكبرى.. وخاصة في الزمن الطويل.. فأي مكسب لأي دولة يكون خسارة للدولة الأخرى.. وفي لعبة الشرق الأوسط.. المكسب فيها «لإسرائيل» على طول الخط.. والخاسر الأول فيها الدول العربية.. ولا مانع أن يخسر طرف آخر مثل الولايات المتحدة لصالح إسرائيل.
وقد أصبح من المألوف أن تخترع نظريات سياسية واجتماعية واقتصادية تتحمس لها شعوب العالم الثالث وتتبناها وتعمل لها.. وهي في حقيقتها تخدم مصلحة مخترع النظرية من الدول الكبرى واليهود.
كما أصبح من المألوف أن تحجب المعلومات الحقيقية عن الشعوب، وتتولى أجهزة الإعلام في هذه الدول «والكثير يأخذ الأجر مقابل ذلك» التعمية عن هذه المعلومات.. وعلى سبيل المثال تجد الأحداث الخطيرة في بعض دول العالم الإسلامي تتناولها أجهزة الإعلام العالمية، بينما أجهزة الإعلام في الدول الإسلامية تغفل ذلك الأمر وتبرز بدلًا منها أمورًا تافهة عن العالم الغربي مثلًا.
بل أصبح من المعروف أن ما يعرض في أجهزة الإعلام الغربية يعتبر جزءًا ضئيلًا جدًا من المعلومات الهامة.. على أن تعرف هذه الحقائق بعد ذلك بخمسين عامًا.. وقد خفضت هذه المدة في بعض الدول إلى ثلاثين عامًا.
كما أن بعض الأحداث السياسية تخرج عن تقدير أجهزة المخابرات العالمية وإمكانياتها.. ومعلوم أن كل حدث ما.. له سلبياته وإيجابياته.. أي مكسب وخسارة للجهة التي تم فيها الحدث.. فإذا كان الحدث مكسبًا لدولة ما.. فغالبًا ما يكون نفس الحدث خسارة لخصوم هذه الدولة.. سواء أكان هؤلاء الخصوم على مستوى الدول، أم الأحزاب، أم الأفراد.. وعكس ذلك يمكن أن يقال لسلبيات الحدث...
وأحيانًا أخرى تكون خسارة الحدث لدولة ما خسارة أيضًا للخصوم.. فإذا كان النظام مثلًا في بلد ما يمينيًا وحدث ما يعتبر مكسبًا للاتجاه الإسلامي.. فسيكون ذلك الحدث خسارة أيضًا للاتجاه اليساري في شكل أحزاب ودول.. لذلك لا نعجب أن تتفق الكتلتان الرأسمالية والاشتراكية في تقسيم المصالح الناجمة عن خسارة ما في الاتجاه الإسلامي.. كأن تقف الولايات المتحدة متفرجة وهي تشاهد مساعدة الاتحاد السوفييتي للهند وهي تعمل على تقسيم باكستان.. ومساعدة السوفييت للحبشة ضد الصومال وإرتيريا.. لأن الخاسر هنا هو الشعوب الإسلامية.
كما أن الكتلة الغربية لا تتخذ موقفًا حاسمًا في الصراع الدائر في أفغانستان، بل قد تتخذ من المواقف ما يساعد الاتحاد السوفييتي.. كمنع الدول المجاورة لأفغانستان من دعم المجاهدين بالأسلحة الثقيلة.
وتحاول الدول الكبرى أن تستثمر السلبيات الناشئة عن حدث ما لصالح الدول أو الشعوب أو الحركات الإسلامية، بحيث تحوله لصالح اتجاهها سواء أكان يمينيًا أم يساريًا.
ونظرًا لأن المستثمر لهذه السلبيات دول كبرى لديها أجهزة مخابرات وجيوش، وأجهزة معلومات وميزانيات، ولها عملاء في كل مكان، ولها دول تسير في أفلاكها يتوفر لها الإمكانيات في الاستفادة من هذه السلبيات، أو التقليل من الإيجابيات أو تحويلها لصالحها بعد ذلك.. ويساعد ذلك أخطاء أو غفلة الاتجاهات الإسلامية سواء في شكل دول أو جماعات عن مكاسبها.. بينما لا تستطيع الاتجاهات الإسلامية خاصة إذا كانت في شكل جماعات أو أفراد، أن تستثمر سلبيات خصومها.. بل بعض الجماعات أو الأفراد من يصعد بعض الخلافات أو يفتعلها، بحيث تكون النتيجة خدمة أعداء الإسلام لسبب أو لآخر.. ونظرًا لقلة الإمكانيات لدى الجماعات الإسلامية من أموال وأجهزة معلومات وكوادر متخصصة، ومراكز تأثير وعدم اتفاق مصالح الدول الأخرى معها، وعدم توفر أنظمة للحكم يهمها الصالح الإسلامي قبل مصالح الحكم.. كل ذلك يجعل الاستفادة من سلبيات الخصوم صعبة.
هذه المقدمة السريعة السابقة تجعل بعض الأحداث مثل مقتل رئيس إحدى الدول أو قيام انقلاب ما في بلد ما تحتمل احتمالات عدة.. وعادة الدول والحكام والجماعات الكبيرة أن يتحفظوا في إصدار تصريحاتهم التي تتبنى إحدى الاحتمالات السياسية، ثم ينكشف بعد ذلك أن الاتجاه خلاف ما تبنت، إلا إذا كانت طرفًا في الأحداث.
وغالبًا ما تترك الدول إبداء وجهات النظر والاحتمالات المتعددة لكتاب الصحف أصحاب المشارب المتعددة، إذا كان لدى هذه الدول صحافة حرة أو شبه حرة، وهي تحليلات تخضع لفكر كاتبها ولا يعبر عن رأي الحاكم أو النظام أو الجماعة المعينة.
والمتتبع لحدث مقتل الرئيس السادات في الصحافة العربية والعالمية وكذلك الإذاعات العالمية، يتضح له ما يأتي:
- أولًا: ظهور تخطيط خارجي يحاول نسبة هذا الاغتيال مباشرة إلى تخطيط من جماعة الإخوان المسلمين، وينقل هذا الاتجاه صوت أمريكا وإذاعة لندن في اليوم الأول للأحداث، قبل أن تؤخذ أقوال المتهمين من قبل السلطة المصرية.
ومن الأهداف الواضحة في ذلك خلق جو من العنف بين السلطات السياسية وبين هذه الجماعة، بوصفها كبرى الجماعات الإسلامية في العالم.
بل من الملاحظ في ذلك أن إذاعة لندن في القسم العربي أذاعت خبرين متناقضين في هذا الشأن.
أولهما: يتضمن نسبة نسف مقر للروس في إحدى الدول العربية، ومن العجيب أن هذه الإذاعة حاولت بيان أن هذا الحدث تم خدمة للأهداف الصهيونية.
ثانيهما: وأعجب من ذلك أنها بثت في النشرة نفسها خبرًا متناقضًا مع السابق، مفاده أن مقتل السادات تم بأيدي وتخطيط الإخوان المسلمين، بغرض منع تطبيع العلاقات مع إسرائيل ومعارضة مقررات كامب ديفيد.
والتناقض بين الخبرين لا يخفى على أحد.
- ثانيًا: وهناك من ينسب هذا الاتجاه إلى تدبير من المخابرات الأمريكية وإسرائيل، حسبما نشرته بعض الصحف في اليوم السادس. وهذا التحليل يستند إلى عدة عناصر منها:
- أن السادات فقد شعبيته عند كثير من الناس في مصر وكونه له رصيدًا من الأعداء، وأن التخلص منه قد يعمل على تحييد وإيقاف نشاط هؤلاء الخصوم، وإن إحضار وجه جديد مثل نائبه- وإن كان يسير في ركب السادات، ولكن في نظر هؤلاء ليس راسمًا للسياسة.
- وفي نظر من أتى به يعتبر صاحب اتجاه مضمون لديهم، يمكن أن يكمل مخططاتهم في سحب الزعماء العرب نحو السياسة التي في تبنتها مصر لصالح إسرائيل.
- وبالإضافة إلى أن مصلحة إسرائيل في أن تتخلص من التزامها في تسليم ما تبقى من سيناء.
ثالثًا: يقول الإعلام المصري إن القائم بهذا العمل هو جماعة التكفير والهجرة -وكما هو ثابت ومعلوم أن هؤلاء غير الإخوان المسلمين، ولا صلة لهم بهم وليس لهم جذور دولية، وفي ذلك رد ضمني على الزعامات والأحزاب المعادية للنظام المصري أن مؤامراتهم لم تخرج عن دائرة أمنياتهم- وإن الذي حدث في مصر مس فردًا ولكنه لم يمس نظامهم، وإن الشعب ما زال يلتف حول هذا النظام!
رابعًا: بالإضافة إلى ما سبق فقد حاولت أطراف متعددة، أن تدعي أنها وراء هذا الاغتيال لتحقيق مكاسب مختلفة.. منها الظهور بمظهر البطولة الزائفة.
وفي النهاية نجد أنفسنا أمام ظاهرة خطيرة هي كثرة الدعايات الكاذبة في وسائل النشر والإعلام المعاصرة.. علمًا بأن مفهوم الدعاية في المصطلحات الإعلامية يختلف عن مفهوم الإعلام..
فالمفروض أن يعتمد النشاط الإعلامي كله على الصدق.. وعلى بيان الحقائق وتيسيرها للناس.. مع التنبيه الواضح على كل المواد التي تتضمن كذبًا أو دعاية مغرضة، ليظهر لهم الحق من الباطل ويتميز الخبيث من الطيب.
بناء عليه لا يمكن أخذ كل هذه الأقاويل التي ترددت حول هذا الحادث مأخذ الجد الذي ينتج يقينًا أو يبين حقيقة يثق بها الإنسان.. وأن المستقبل يحدد موقفه إزاءها.
ولكن علينا كأفراد أن ننتظر الواقع العملي الذي سيتجه إليه خلفاء السادات، ومنها موقفهم من التيارات الإسلامية التي بدأ السادات ضربها، محاولًا تصفيتها تنفيذًا لسياسة التطبيع الإسرائيلية التي تريد أن تفرض على مصر الثقافة اليهودية بالمفهوم الصهيوني.
وعلينا كدول اتخذت موقفًا مخالفًا لسياسة كامب ديفيد، أن نثبت أن موقفنا هذا ليس للاستهلاك المحلي.. وإنما ينبع من أهداف نعمل لها.. وإن كان كذلك فيجب على هذه الدول فتح باب الحوار الهادئ مع خلفاء السادات، وحتى يصبح لهذا الحوار المناخ الملائم، يجب إيجاد قنوات اتصال لخدمة هذا الهدف، وأهم عناصره إنقاذ عروبة مصر النابعة من الإسلام.