; اقتصاد إندونيسيا في مواجهة «إعصار استوائي» | مجلة المجتمع

العنوان اقتصاد إندونيسيا في مواجهة «إعصار استوائي»

الكاتب صهيب جاسم

تاريخ النشر الثلاثاء 03-مارس-1998

مشاهدات 19

نشر في العدد 1291

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 03-مارس-1998

  • إندونيسيا تجثم فوق مجموعة براكين قد تنفجر في أي لحظة إذا لم يتحسن الوضع المعيشي لـ٢٠٧ ملايين نسمة.
  • شعب إندونيسيا يتطلع لموقف صلب تجاه الأزمة وضغوط المؤسسات الدولية يماثل موقف ماليزيا.
  • تحذيرات في جنوب شرق آسيا من سقوط الجارة الكبيرة  أو حدوث انفجار سكاني  يخرج عن سيطرة الجيش
  • إندونيسيا تملك  التنمية.. ويمكن لاقتصادها أن يسترد عافيته بشرط فصل السياسة عن الاقتصاد.

 

دخلت الأزمة المالية الأسيوية هذا الأسبوع شهرها التاسع، سلطت الأضواء فيها على دول عديدة بدءًا من تايلند فماليزيا فكوريا الجنوبية، مرورًا بالفلبين وهونج كونج وسنغافورة وحتى اليابان.

وأخيرًا جاء الدور على إندونيسيا التي يزداد فيها الوضع سوءًا يومًا بعد يوم، وقد أثارت هذه الأوضاع تساؤلات عديدة ما المخرج من الأزمة الحالية؟ وهل سينجح برنامج صندوق النقد الدولي والحكومة في إنقاذ الاقتصاد؟ وإلى أي درجة ستستمر الاضطرابات وأعمال الشغب والمظاهرات؟

 سلة مشاكل: يعيش الشعب الإندونيسي هذه الأيام أشد فترة عاينها منذ الستينيات لا لسبب واحد، وإنما لأسباب كثيرة تراكمت خلال السنوات الماضية، وما أن جاءت الأزمة المالية التي ضربت بإعصارها الاستوائي دول الشرق الأقصى حتى سقط النمر الإندونيسي جريحًا مع غيره مع دول الجوار الآسيوية، لكن ما حصل هو أن الإعصار الاقتصادي تركز في دولة الأرخبيل الكبير، وبدأ بالظهور الكثير من المشاكل حتى أطلق البعض عليها بأنها سلة مليئة بالمشاكل والتحديات، وكما أن هناك العشرات من البراكين الحية في غابات وجبال إندونيسيا فقد وصف أحد الخبراء السياسيين الاستراليين إندونيسيا بأنها جاثمة على مجموعة براكين قد تنفجر في أي لحظة، إذا لم يتحسن الوضع المعيشي لملايين الإندونيسيين الفقراء.

 وقبل الحديث عن البعد السياسي للأزمة الذي اكتسب موقعًا مركزيًا في دائرة الأحداث لابد من تسليط الأضواء على مجموعة من الظواهر والقضايا والأحداث لمحاولة فهم الواقع الإندونيسي بشكل عام.

١-صرح رئيس البنك الدولي جيمس ويلفنسون خلال زيارة له إلى جاكرتا مؤخرًا بأن منظمته كان لديها تصور خاطئ عن إندونيسيا، وذلك بسبب التفاؤل الزائد بمستقبل اقتصادها قبل وقوع الأزمة، وقال إن الكثيرين كان لديهم تصور خاطئ جعلهم غير متوقعين لهبوط أسعار صرف الروبية الإندونيسية لمستوى منحدر جدًا، بل ووصف ممثل البنك في جاكرتا الاقتصاد بأنه على وشك الشلل.

 ووصف الوضع بأنه خطير جدًا، إن الثقة بدأت تعود إلى المستثمرين في قدرات الاقتصاد الكوري والماليزي، وبدأت تظهر مؤشرات إيجابية فيها بل حتى تايلند والفلبين أصبحنا في وضع أحسن من قبل، فالفلبين خرجت من العام الماضي بفائض في ميزانيتها وبصورة غير متوقعة وارتفاع حجم التصدير بنسبة ٢٢٪ لكن ما يحدث في إندونيسيا هو العكس مع أن البعض كان يعتقد أنها أحسن حالًا من الدول المذكورة، وأنها ستكون في مقدمة الخارجين من الأزمة، لكن هذا الرأي بدأ يتراجع مع دعوة سوهارتو رئيس صندوق النقد الدولي لتشاور بشأن الأزمة، ثم وصل إلى طلب معونة وبشكل مفاجئ في أكتوبر الماضي، وقد حذر الاقتصاديون من تراجع الأداء الاقتصادي الإندونيسي لدرجة خطيرة هذا العام والعام القادم، بل بدأ الحديث عن وجود مؤامرة وراء ضرب سعر الروبية لأهداف سياسية من قبل بعض الأطراف للتأثير على توجهات اختيار نائب الرئيس فقد كان معدل صرف الروبية قبل الأزمة ٢٥٠٠ روبية مقابل الدولار الواحد فوصل في منتصف شهر يناير إلى ١٧ ألف روبية، ولابد من عودة سعر الصرف إلى 4 آلاف على الأكثر حتى يستطيع القطاع الخاص تدبير أمر تسديد ديونه الهائلة وحتى إذا بقي في معدل 8 آلاف فلن يكون بمقدور الكثير من الشركات تسديد ديونها، ولقد اكتشف رجال الأمن الإندونيسي عدة محاولات لتهريب الروبية للخارج، فهل هناك مؤامرات تحاك ضد إندونيسيا لزعزعة استقرارها بحكم موقعها وحجمها المهم في المنطقة وفي العالم الإسلامي؟

 نعود إلى تصريح رئيس البنك الدولي الذي يسلط الضوء على مشكلة في منهجية تحليل الأداء الاقتصادي لأي دولة نامية وبخاصة ما يسمى بدول «النمور» الآسيوية.

 وبداية نلاحظ سطحية في التحليل حيث يطلق على هذه الدول وصف «النمور» بمعيار أحادي يعود إلى نسبة النمو مع أن نسبة النمو وحدها غير كافية لتحديد أداء الاقتصاد، والحالة الإندونيسية تعطينا درسًا مهمًا عن أن نسبة النمو العالية غير كافية للارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، لأن القضية ليست مجرد كم حجم تصدير هذا البلد وكم مصنعًا بناه، بل قضية توزيع هذه الثروة بصورة عادلة وعدم تمركزها في دائرة ضيقة، فلو نظرنا في أداء الاقتصاد الإندونيسي قبل الأزمة لوجدنا أن نسبة النمو كانت ٧-٨ ولعدة سنوات منذ منتصف الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات، ومع أن معدلات دخل الفرد ارتفعت حسب الإحصائيات الرسمية، لكن الكثير من طبقات الشعب مازالت فقيرة، لقد كانت لإندونيسيا نجاحات اقتصادية لا يمكن إنكارها، فالقطاع الصناعي مثلًا والذي يشكل ٢٪٠ من مجموع الناتج المحلي لعام ١٩٩٥م وصل تصديره إلى ٤٢.٢ مليار دولار وبزيادة قدرها ١٥٪ ، وارتفعت صادرات المنتجات غير البترول والغاز من ٢٥ مليارًا إلى ٣١.٧ ملياراً بين عامي ١٩٩٤م و١٩٩٥م، وكان معدل التضخم بين ٩-١٠٪، وارتفع حجم الاستثمارات الأجنبية من دول عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة، واليابان، وهونج كونج، وسنغافورة، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وقد وصلت إلى أكثر من ٣٠ مليار دولار لا يمكن إنكار تحسن مستوى المعيشة مقارنة بالوضع قبل مجيء سوهارتو الذي يطلق عليه «أبو التنمية الإندونيسية» فقد كان معظم الشعب آنذاك يعيش تحت مستوى خط الفقر، ولكن تأثرًا بدول الجوار وسعي الدول الآسيوية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية اتبعت خطط تنموية خمسية، بالإضافة إلى الخطة العامة التي تغطي ٢٥-٢٠ عامًا.

وكان لها ثمار بالتأكيد، فلقد أكدت الإحصائيات الإندونيسية الرسمية انخفاض نسبة الفقراء من ٣٢,٢٪ إلى ١١,٢٪ بين عامي (۱۹۸۰ - ١٩٩٥م) لكن إحصائية أعلنتها رابطة آسيان العام الماضي أكدت أنه حتى منتصف عام ١٩٩٧م كان ٢٠٪ من الشعب الإندونيسي فقراء، وليس هناك إحصاءات دقيقة متوافرة عن الوضع الذي تغير فجأة إلى الأسوأ خلال هذا العام، ولكن لماذا عادت إندونيسيا إلى الوراء خلال الأشهر الأخيرة مما جعل رئيس البنك الدولي والكثير من المحللين يقولون إن تصورنا عنها كان خاطئًا؟ وما السبب في تداعي الأزمة؟ هل هو سبب داخلي أم خارجي؟

٢-أحد أبرز أسباب الأزمة هو الحجم الهائل للديون الخارجية وخاصة ديون القطاع الخاص التي يرى البعض أنها هي التي أفسدت الأداء الاقتصادي الجيد قبل الأزمة، ويقدر مجموع حجم الديون الإندونيسية بـ ١٣٧,٤ مليار دولار منها ٧٤ مليارًا ديون على القطاع الخاص الذي يوجه إليه اللوم في تدهور أوضاع الأداء الاقتصادي في دول آسيوية أخرى مثل ماليزيا، ومع ارتفاع تكلفة سداد هذه الديون بارتفاع قيمة الدولار بنسبة ٣٠٠٪ مقابل الروبية الإندونيسية يقف الكثير من الشركات عاجزًا عن سداد الديون بل واجه الكثير منها الإفلاس، خاصة أن الكثير من هذه الديون قصير الأجل.

وقد عبر مسؤولون اقتصاديون غريبون عن دهشتهم لوجود هذا الكم الهائل من الديون على القطاع الخاص.

٣-أحد أهم نتائج الأزمة مشروع إعانة صندوق النقد الدولي: فهل سينجح الصندوق في إنقاذ إندونيسيا؟ هذا ما شكك فيه الكثيرون خاصة إذا عرفنا أن شروط الصندوق قاسية بل وغير ممكن تنفيذها بسهولة والعجيب أن الشروط التي فرضت على كوريا الجنوبية تبدو أفضل وأقل قسوة من الشروط التي فرضت على إندونيسيا، وكم كان مؤلمًا عندما وقع سوهارتو على اتفاقية الصندوق الثانية في 15 بيناير الماضي ووقف رئيس البنك الدولي ميشيل كامديسو إلى جانب سوهارتو الأيمن وهو مكتوف الأيدي، ولا أدري كيف تناسى «كامديسو» حساسية هذا السلوك في إندونيسيا وكأنه أستاذ يراقب تلميذه أو بالأحرى يعبر عن الروح الغربية التي تتمثل بفرض اتفاقية قاسية كهذه. ومع أن الرئيس سوهارتو أنكر وجود ضغوطات أجبرته على توقيع الاتفاقية الثانية لكن ما عرف هو أن الرئيس كلينتون ومسؤولين أمريكيين أجروا اتصالات بالرئيس الإندونيسي يحثونه على الإسراع بتوقيع اتفاقية جديدة وذلك قبل يومين من توقيعها.

 ومع ثناء السياسيين الغربيين على الاتفاقية لكن الأسواق المالية لم تستجب إيجابيًا لذلك بل انخفضت قيمة الروبية بعد التوقيع، ويتعرض برنامج صندوق النقد الدولي لوابل من الانتقادات من كثيرين حتى من تايلند ولأنه يطالب برفع أسعار الفائدة والتضخم وخفض نسبة النمو إلى (صفر٪) مما سينقل كامل القطاع الخاص، ولقد شكك البعض حتى في قدرة الاقتصاد على تحقيق نسبة (صفر٪) وتخوفوا من نسبة سالبة، ويبدو أن الشعب أصبح غير عابئ بالاتفاقيات أو مشاريع الإصلاح التي تعلن من أسبوع لآخر، فهم المواطن العادي بطنه الجائع ولن يفهم الكثيرون منطقيات دورة الاقتصاد ونموه ، وكان بعض كتاب الأعمدة في الصحف الإندونيسية قد ظهروا تفاؤلًا باتفاقية صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي، لكن يبدو أن تأييدهم لها كان تكتيكيًا وليس مبدئيًا، فالصندوق لا يعطي هبة. كما أن بعض الكتاب المعارضين كان يأمل في هذه الاتفاقية أن تعجل بتغيير سياسي وهو أمر سعيد الحدوث، وهم يتراجعون الآن عن آرائهم بعدما رأوا ما ذاق الشعب من ويلات ما يدعون إليه، وهو باختصار بيع الاقتصاد الإندونيسي للمستثمرين الأجانب بتخطيط الصندوق، ولذلك نرى الاقتصادي الإندونيسي فيصل بصري يقول: « إنه شكل جديد من أشكال الاستعمار، بل بدأت تظهر مصطلحات كان الناس يسمعون عنها أيام الكفاح من أجل الاستقلال».

 رئيس مجلس العلماء حسن بصري قال أيضًا: «إن الاستعمار لا يعني بالضرورة دخول قوة عسكرية أجنبية للبلاد، فقد يكون ذلك على شكل ضرب قيمة عملة هذا البلد لتحطيم اقتصاده» ولذلك يعتبر الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، ثاني أشهر شخصية أجنبية في إندونيسيا حسب إحدى نتائج المسح الأخيرة بسبب كشفه لأسباب الأزمة الاقتصادية والمتسببين فيها من المضاربين، ولأنه رفض أن تستلم ماليزيا معونة من صندوق النقد الدولي لقساوة شروطه.

وقد بدأت تظهر تهديدات بإلغاء معونة الصندوق، فلقد أرسل مدير الصندوق رسالة إلى سوهارتو تؤكد رفض الصندوق لفكرة مجلس العملة، التي يريد الرئيس سوهارتو تطبيقها، والتي تعمل على تثبيت سعر الروبية أمام الدولار الأمريكي، وتبع ذلك تهديد من أستراليا بعدم منح نصيبها من المعونة، ومع أن المسؤولين في الصندوق ليسوا ضد الفكرة مبدئيًا لكنهم يرون عدم تناسبها مع الوضع الحالي، ويرون ضرورة تنفيذ خطوات سابقة على ذلك، وتؤيد دول عديدة وعلى رأسها دول السبعة الكبار والاتحاد الأوروبي رأي صندوق النقد الدولي، وقد أدت فكرة مجلس العملة إلى شيء من الارتباك بين دول المنطقة، وكان سوهارتو قد فصل حاكم البنك المركزي بسبب معارضته للفكرة، وعين أحد مدراء البنك السبعة مكانه، وهو شخص معروف بتأييده لها.

 وتقوم الفكرة على أن الأوراق النقدية المتداولة من الروبيات الإندونيسية يجب أن تكون مدعومة بما يساويها من الدولارات الأمريكية، وبالتالي يجب أن يكون الاحتياطي من العملات الصعبة ١٠٠٪ على الأقل من حجم العملة المحلية المتداولة في الأسواق.

وهذه الفكرة يعتبرها صندوق النقد الدولي دواء قويا جدًا أو راديكاليا وقد يكون له آثار مدمرة إذا كان المريض ضعيفًا جدًا، ولم تتخذ الحكومة قرارًا حاسمًا حتى الآن، وقالت بأن الفكرة قيد الدراسة، وكان محللون من هونج كونج مؤخرًا قد انتقدوا الفكرة ضاربين ببلدهم كمثال على أن مجلس العملة ليس بقادر على منح العملة الإندونيسية مناعة من هجوم المضاربين في إندونيسيا وهو ما حصل للدولار الهونج كونجي.

رئيس وزراء ماليزيا وأمام التدخل الأجنبي الواضح في شؤون إندونيسيا  أشار إلى حق إندونيسيا في اتخاذ قراراتها باعتبارها دولة  مستقلة حتى لو كان ذلك  القرار يؤذيها، وقال: إن هناك محاولات لفرض قرارات على إندونيسيا بخفض قيمتها وهو كما وصفه انتهاك لحق إندونيسيا لتفعل ما تريده.

ويتفق الكثير من الاقتصاديين على أن معونة صندوق النقد غير كافية وأنها بحاجة إلى جهود أخرى خاصة مع تسليم مسؤولين إلى أن جزءًا من الاتفاقية قد لا يطبق في وقته، ومن ذلك إيقاف مجموعة من المشاريع الكبيرة، ورفع الدعم للسلع الاستهلاكية الرئيسية، وخاصة الوقود. وشروط أخرى تهز بيئة الاستثمار الأجنبي في إندونيسيا، ولقد بدأ فريق من صندوق النقد زيارة إلى جاكرتا لدراسة إمكانية منحها الدفعة الثانية من القرض في ١٥ مارس الجاري التي وصفها أنور إبراهيم وزير المالية الماليزي بأنها غير كافية لتحسين الوضع، وفي حديثه لمجلس الشعب الاستشاري في الأول من مارس الجاري، أكد الرئيس سوهارتو قلقه من أن يطبق شروط صندوق النقد الداعية لرفع الدعم عن السلع من الأساسية وخاصة الأرز، ونقلت صحيفة «مانيلا وتوداي» كلامه عن مسؤول فلبيني التقاه، وذكر له سوهارتو خوفه من ثورة ضد الحكومة إذا طبق شرط الصندوق، هذا وهو ما توقعه مراقبون آخرون كذلك.

٤-أكثر ما سمع العالم عن الأزمة الإندونيسية اضطرابات الجوع والبطالة التي ضربت العشرات من المدن في الأسابيع الأخيرة، وسقوط عدد من القتلى في أحداث الشغب التي تصيب في كثير من الأحيان ممتلكات الإندونيسيين من أصل صيني، ويعود ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل جنوني، ما جعل المواطن العادي عاجزًا عن إشباع أفراد عائلته، و زاد من ارتفاع السلع كذلك الخوف من انقطاع معونة صندوق النقد، وقد انتشر الجيش في أنحاء المدن وتركزت القوات من الخاصة وحرس الرئيس في العاصمة جاكرتا لقمع أحداث العنف التي اعتبرت الأقسى من نوعها منذ ٣٠ عامًا، ومع أن التجار طلبوا السماح لهم باستيراد سلع غذائية من باكستان وتايلند وفيتنام فإن الشعب مازال خائفًا من فقدان السلع، ولذلك سرى جنون شراء السلع حتى فرغت أرفف كثير من المحلات التي ازدحم عليها الناس.

وقد حذر رئيس البنك الدولي إندونيسيا من أزمة نقص حاد في الأغذية، وكرر تحذيره يوم٢١/٢/ ۱۹۹۸م، وقال: «إن إندونيسيا في أمس الحاجة إلى ٧ بلايين طن من الأرز، وأطنان من المواد الغذائية الأخرى». 

وما زاد الطين بلة أن الملايين من العمال والموظفين فقدوا وظائفهم، وتختلف الإحصائيات في تقدير عدد العاطلين فأحد الشخصيات العمالية المعروفة قال بأن العدد هو ١٣,٥ مليون عامل مقارنة ب٨,٩ ملايين عاطل في العام الماضي، وأما الرقم الرسمي الذي أعلنته وزارة العمل فهو ٥ ملايين، ولا يضم هذا الرقم العاطلين أصلًا قبل الأشهر الأخيرة، بل من سيطرد من عمله من الـ ٩٠ مليون يد عاملة وهناك ٣,٧ مليون يد عاملة تدخل السوق العمل لأول مرة، ولكنها لن تجد عملًا، ولذلك فالوضع مضطرب جدًا، ولقد أجبرت القوات العسكرية على إنزال ما يقارب من ٤٠ ألف جندي لينتشروا في شوارع جاكرتا منعًا لانتشار المظاهرات وأعمال الشغب في العاصمة.

 من جانب آخر شددت سنغافورة حراساتها الحدودية البحرية خوفًا من تسلل العاطلين عن العمل إليها بصورة غير قانونية، ولم تسلم الجامعات من المظاهرات، حيث خرج أكثر من ٣ آلاف طالب وطالبة هاتفين إصلاحات... إصلاحات ، وذلك في المبنى الشرقي لجامعة إندونيسيا في جاكرتا بعد يوم من خروج مئات أخرى في المبنى الآخر للجامعة والواقع في وسط جاكرتا، وكانت هتافات الطلبة علوم الحكومة بأنها وراء الأزمة، بل شهدت شوارع جاكرتا كذلك مظاهرات سنوية معارضة أيضًا.

٥-المعضلة الأخرى هي عودة مشكلة الحرائق إلى غابات إندونيسيا في الوقت الذي أثرت الأزمة الاقتصادية على قدرات رجال الإطفاء، ويعود سبب الحرائق إلى موسم الجفاف الذي أدى إلى تيبس الأشجار، وكذلك تعمد بعض المزارعين حرق الأشجار لأهداف زراعية وقد تهدد الحرائق المنطقة مع بداية شهر أبريل مرة أخرى بدخانها الذي غطى ماليزيا وبروناي وسنغافورة ووصل حتى تايلند والفلبين لعدة  أشهر في العام الماضي، ولقد بدأت درجة صفاء الهواء في سنغافورة بالتدهور في الأيام الأخيرة مع احتراق أكثر من ٣٥ ألف هكتار، ولذلك طالبت ماليزيا وسنغافورة الحكومة الإندونيسية بالإسراع بإطفاء الحرائق قبل خروجها عن دائرة السيطرة، وقد نشرت القوات العسكرية الإندونيسية قواتها في الغابات المحترقة أملًا في إطفائها، علمًا بأن الحكومة الإندونيسية لم تتمكن من إطفائها منفردة إلا بعد مساعدة رجال الإطفاء الماليزيين وفرق من دول أجنبية.

وكانت دول رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»، قد وافقت على مقترح لمواجهة مشتركة لأزمة الحرائق لكنها لم تطبق حتى الآن، ومع استمرار الحرائق مشتعلة، والتي تسببت في منع الطائرات من الهبوط في مطار «ساماريندا» في شرق كاليمنتان، دعا وزير البيئة لدول رابطة آسيان لاجتماع طارئ في ماليزيا لبحث الأزمة الدخانية، ومحاولة جذب أنظار العالم يجعلها مشكلة عالمية لا إقليمية، وبالتالي ضرورة تدخل برنامج البيئة للأمم المتحدة والبنك الدولي، وسيؤسس مركز البحوث وتدريب الكوادر للتعامل مع هذه الحرائق الاستوائية بتعاون ما بين ماليزيا وإندونيسيا لإقامة المركز في جاكرتا قريبًا.

من جانب آخر ذكرت دراسة ظهرت في أحد المعاهد البيئية في سنغافورة أن الأزمة الدخانية تسببت في خسارة قدرها مليار دولار بالنسبة لإندونيسيا خلال حرائق العام الماضي ۱۹۹۷م، و ۳۰۰ مليون دولار لماليزيا، و٦٠ مليون دولار لسنغافورة في القطاعات الإنتاجية والصحية والصناعية، وكان يمكن لإندونيسيا أن تستخدم هذا المليار الذي خسرته في توفير المياه ل٤٠ مليون مواطن أو ثلث من يعيش في الأرياف.

٦-  سمعنا عن تعرض محلات الإندونيسيين من أصل صيني للتخريب من جانب المتظاهرين والجائعين وليس هذا من فراغ بل نتيجة للاعتقاد السائد بأن الصينيين الذين يمثلون ٣% فقط من السكان يسيطرون على ثلثي التجارة الإندونيسية، ولذلك فالصينيون في هلع مما قد يصيبهم وخاصة أنهم واجهوا القتل مع نهاية حكم الرئيس السابق سوكارنو في اضطرابات مماثلة، ولذلك حذر أمين الريس رئيس الحركة المحمدية الإسلامية من الاعتداءات على ممتلكات الصينيين واستكر ذلك، وقال: «إن حكومتنا هي المسؤولة عن توفير الأرز وكل الاحتياجات الضرورية الأخرى للشعب»، وقال: إذا أراد المتظاهرون إظهار غضبهم فليوجهوا ذلك ضد الحكومة، وأضاف: البطون لا تستطيع الانتظار، ولا ألوم شعبي في أعمال الشعب مادام جائعًا، وقال: «إن الصينيين إخواننا ولقد أصبحوا الآن جزءًا من هذا الشعب».

ويشعر الصينيون بالقلق مع احتمال نهاية حكم سوهارتو، وأنهم قد يواجهون مصيرًا سيئًا في السنوات القادمة، ولذلك لوحظ سفر الكثير من الأثرياء الصينيين إلى الخارج مع تدهور الأوضاع، وتعتبر إندونيسيا بالنسبة لكثير منهم البلد الوحيد، ولذلك فالرحيل عنه هو رحيل عن بلدهم التي لا يعرفون غيره، لكن هذا الأمل في البقاء يصطدم بكراهية الكثيرين من الإندونيسيين الجائعين لهم. وتشير إحدى الإحصائيات إلى وجود ٦ ملايين على الأقل من الصينيين من مجموع السكان البالغين ٧-٢ملايين نسمة ومازال الكثير من الصينيين يتذكر الأحداث الدامية التي سبقت مجيء سوهارتو إلى السلطة عام ١٩٦٦م والتي راح ضحيتها نصف مليون نسمة كثير منهم صينيون مما أجبر الكثير منهم على ترك البلاد ولو إلى حين، ولكن مع أن الأحداث الأخيرة تبدو الأشد منذ تلك السنوات فإن السنوات الأخيرة وقبل الأزمة لم تخل من أحداث مماثلة كحرق ۲۰۰۰ محل ومنزل في سبتمبر ١٩٩٧م في جنوب سولاويزي بعد حادث اعتداء أتهم فيه شاب صيني، ويعود مجيء هؤلاء الصينيين إلى عهد الاستعمار الهولندي الذي منحهم حقوقًا أكثر من أهل البلاد.

وفي السنوات الأخيرة بدأوا يندمجون بصورة أكبر داخل المجتمع مع حصولهم على الجنسية وزواجهم بإندونيسيات، بل إن بعضهم أعتنق الإسلام، ولا يتحدث إلا الإندونيسية، ومع ذلك فمازالوا مميزين ومعروفين من خلال البطاقة الشخصية على الأقل، ومنعًا لحدوث أي احتكاك مع الإندونيسيين الأصليين فإن الصينيين  عادة ما يحتفلون بأعياد سنتهم الصينية داخل منازلهم ولا يظهرون ذلك بصورة قد تزعج الآخرين كما تطالبهم الحكومة بذلك.

وقد ذكر تقرير أعد لوزارة الخارجية الأسترالية أنه مع منتصف التسعينيات كان الصينيون يسيطرون على ٧٣٪ من رؤوس أموال السوق المالية، ويقول التقرير: إن نظام سوهارتو أنتج حياة مستقرة للصينيين وجعلهم أكثر نفوذًا في المجتمع، وإن الموقع المركزي للشركات الصينية في الاقتصاد الصيني يجعل جزءًا من الجالية الصينية ذات نفوذ سياسي غير مباشر، وعلى رأس هؤلاء التجار الثري ليم سايوي ليونغ  الذي دخل إندونيسيا وعمره ٢١ عامًا، واليوم - يعتبر من أكبر دافعي الضرائب مع امتلاكه لـ١٢ مليار دولار «قبل الأزمة» ويعمل لديه ٢٢٥ ألف عامل.

أما التاجر الصيني المعروف سفيان واناتري فيقول: «إن مشكلة التكامل الوطني هي مشكلة اقتصادية، ودعا الصينيين لمساعدة المجتمع الإندونيسي مع تفوقهم على غيرهم اقتصاديًا، وفي المقابل سمع الإندونيسيون الاقتصادي المعروف سوميطرو وهو يحذر من سيطرة الصينيين على الاقتصاد، ودعا لإنهاء تحكمهم فيه وأمام هذه الدعوات يتوقع المؤرخ الصيني قدوم أيام قاسية في حياة الصينيين» ولقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في بكين لهذا الشأن فقال: «إن الحكومة الإندونيسية تعمل بجد لإعادة الاستقرار للحياة في بلدها واقتصادها، ونحن نؤمن أن الحكومة ستتحكم بالوضع وستحافظ على الاستقرار والوحدة العرقية.

 لكن قلق الصينيين دفعهم للجوء إلى الثكنات العسكرية طلبًا للأمان، ويعود ذلك لوجود مصالح اقتصادية بين بعض التجار والجيش، لكن هذا يجعل الجيش في موضع انتقاد من قبل البعض، وقد يتلقى الجيش دعمًا ومساعدة اقتصادية من آن لآخر من قبل الصينيين الأثرياء دعمًا لميزانية الجيش مقابل كسب التجار لفرص تجارية وحمايتهم من الاعتداءات المتوقعة، ولذلك فالتجار الصينيون المعروفون ومنهم بوب حسن وليونغ، ويوسف وأنا ندي دخلوا في شراكات بين الجيش والرئيس سوهارتو منذ سنين طويلة، وآخر المشاريع بين الصينيين والجيش مشروع عقاري بتكلفة قدرها 3 مليارات دولار، وبشراكة بين الجيش والتاجر الحسيني تومي وبناتا في جاكرتا والذي بدأ علاقته التجارية بالجيش منذ عام ١٩٨٨م عندما أنقذ أحد البنوك التي يمتلكها الجيش من الإفلاس.

وتنقلنا الأزمة للحديث عن نفوذ عائلة سوهارتو في الاقتصاد الإندونيسي ولم يعد الأمر سرًا بالنسبة للشعب الإندونيسي، ولكن الأزمة هي التي فرضت عودة الحديث عن هذه القضية، وكانت الأضواء قد بدأت تسلط عليها حينما طالب صندوق النقد الدولي بإغلاق ١٦ بنكًا في نوفمبر الماضي، وكان أحد هذه البنوك يمتلكه نجل سوهارتو، لكنه ذهب واشترى بنكًا آخر، ولذلك بدا أن مشروع الإصلاحات الذي فرضه صندوق النقد الدولي يضر بمصالح عائلة سوهارتو مثل محطة الطاقة التي تمتلكها ابنة سوهارتو سيتي هاديجاناتي، ومشروع صناعة سيارة إندونيسيا الوطنية «تيمو» الذي يمتلكه ابن سوهارتو هوتومو ماندالا بوترا، وهذه السيارة تحظى مبيعاتها بتسهيلات تصل بسعرها إلى نصف أسعار سيارات يابانية مماثلة، وتقول إحصائية مجلة فوربيس الاقتصادية: إن عائلة سوهارتو لديها من الثروة ما تصل قيمته إلى ٤٠ مليار دولار منها ١٦ مليارًا لسوهارتو حسبما ذكرت المجلة.

٧-ولم تسلم الحياة الإعلامية من نتائج الأزمة، فقد تتعرض ۲۸۹ مطبوعة ما بين مجلة وصحيفة إلى الإغلاق، والتي توفر عملًا لـ ٤٥٠٠ موظف وهناك ٧٠٪ من هذه الصحف مهددة بالانهيار المالي مع عدم وجود معلنين من الشركات التي انخفضت ميزانياتها بنسبة تتراوح ما بين ٣٠-٤٠٪، وقد خفضت إحدى الصحف الإندونيسية مطبوعاتها إلى النصف بعد أن كانت توزع ٥٠٠ ألف نسخة يوميًا لتوفير مبلغ ٤,٦ مليون روبية شهريًا، كما قللت صحف أخرى من صفحاتها إلى النصف كذلك مع غلاء أسعار الورق وأسعار الاشتراكات.

اهتمام وقلق: لإندونيسيا أهمية خاصة لأكثر من سبب، فهي أكبر بلد في العالم الإسلامي كما هو معروف من حيث عدد السكان ولمساحتها الشاسعة التي تجعلها أكبر بلد من حيث المساحة والسكان في جنوب شرق آسيا، بل تعتبر رابع أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان أيضًا وموقعها وحجمها  له أثر كبير في الأمن الإقليمي في منطقة آسيا الباسيفيكية، وتعتبر عضوًا مهمًا في رابطة آسيان، وإحدى الدول المؤسسة لها والعاملة لإنجاحها، ولذلك نلاحظ قلق المجتمع الدولي مما يجري في هذه الدولة ذات الـ١٣,٦٦٧ جزيرة إن لم تكن ١٧,٥٠٨ جزيرة حسبما ذكرت إحصائية جديدة غير رسمية.

ولذلك نرى وليم كوهين وزير الدفاع الأمريكي يسارع بزيارة المنطقة بعد تدهور الوضع في إندونيسيا، ومعه وزير المالية الأمريكي في محاولة لتأكيد الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة وزار رئيس الوزراء السنغافوري تشوك تونغ إندونيسيا أكثر من مرة، وكذلك د. مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، واتصل بسوهارتو الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أكثر من مرة داعيًا إياه لإظهار تعهد الحكومة الإندونيسية بإجراء الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة عبر خطوات ملموسة، ويعود القلق الإقليمي قبل الدولي بالدرجة الأولى إلى أن أي تدهور في الوضع الاقتصادي في إندونيسيا ستكون له انعكاسات سلبية على اقتصاديات الدول الآسيوية الأخرى وهو ما حصل بالفعل، ولذلك عبرت اليابان عن عزمها عدم ترك إندونيسيا لتدحرج اقتصادها نحو وادي السقوط ووعد نائب وزير المالية الياباني بالتعاون مع سنغافورة والولايات المتحدة بتشكيل برنامج مشترك لإعانتها، وتعتبر اليابان ثاني أكبر مستثمر في إندونيسيا (٥,٤ مليارات دولار)، بعد بريطانيا التي تحتل الدرجة الأولى(٥,٧ مليارات دولار)، وقد ساهمت اليابان بـ٥ مليارات دولار من مجموع قرض صندوق النقد الدولي لإندونيسيا البالغ ٤٣ مليارًا.

من جانب آخر حذرت الكثير من الدول  الأجنبية رعاياها المقيمين في إندونيسيا، بل لم تعد بعض الوكالات السياحية الأجنبية تشجع الذهاب إلى إندونيسيا هذه الأيام، ومع أن دول آسیان ملتزمة بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية فإن الذي يدعو الدول للاهتمام بالأزمة الإندونيسية هو أنها ستؤثر على أي مشاريع إصلاحية في الدول المجاورة.

 أما على الصعيد الأمني فإن أبرز تصريح في هذا الشأن هو ما طالب به أحد الخبراء الاستراليين دولته بأن تعيد ترتيب عمل قواتها الإقليمية خوفًا من سقوط الاقتصاد الإندونيسي على حد تعبيره، ونصح البروفيسور کارل تايار أحد العسكريين القدامي المخططين العسكريين أن يكون همهم الأول مراقبة الوضع الأمني في أكبر جارة لهم حجمًا وسكانًا، وقال: إن الاضطرابات قد تسوء أكثر من ذلك مما قد يهدد استقرار نظام الحكم، وقد عبر الجنرال الاسترالي جون بابكرعن قلقه من حدوث أي انفجار سكاني يخرج عن سيطرة الجيش الإندونيسي مما يؤثر على المنطقة. 

ومع تحسن الأسواق المالية في كثير من الدول الآسيوية بعد مضي أكثر من 9 أشهر على ابتداء الأزمة فإن إندونيسيا تبدو مستثناة من هذا التحسن خلال الأسابيع القادمة على الأقل ومازالت تحتاج لكثير من الجهود، ولذلك فدول المنطقة خائفة من تأثرها بأي حدث مفاجئ فيها.

من جانب آخر قام نائب الرئيس الأمريكي السابق والتو موندايل بزيارة جاكرتا مؤخرًا وتساءل مراقبون حول سر مجيئه الآن لكن مسؤولان أمريكيان أنكرا أن تكون مهمته مثل مهمة مندوب الرئيس الأمريكي ريجان في عام ١٩٨٦م عندما أرسله إلى الرئيس الفلبيني فیر دباند ماركوس يطلب منه ترك السلطة والبلاد مع أن ماركوس كان حليفهم لكن بقاء لم يعد في مصلحتهم.

إندونيسيا قادرة على الخروج من الأزمة

إن لإندونيسيا من القدرات التي يمكن أن تمكنها من الخروج من النفق المظلم إلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي وتحسن مستوى معيشة مواطنيها، فمعروف عن إندونيسيا أنها غنية بالثروات الطبيعية، ومع أن هذا يقابله نمو سكاني متسارع فإن الكثير من سكانها من فئة الشباب، إذ إن ٣٢٪ من السكان ممن هم أصغر من ١٤ عامًا، و٦٤٪ منهم من الفئة العمرية (١٥-٦٤)، والـ ١٤٪ الباقية فقط من فئة الشيوخ، كما أن لها تجارب ناجحة سابقة في الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية كالأرز وإمكانات لأن تسترد عافيتها الصناعية، وقبل ذلك ما زالت الحكومة مسيطرة على تقاليد الأمور . ولو أرادت اتخاذ خطوات جريئة ومشجعة لإنقاذ الاقتصاد فهناك أكثر من طريق لحل الأزمة، كما فعلت جارتها ماليزيا التي بدأت ترى ثمار تدابيرها التقشفية، ولإنقاذ الاقتصاد الإندونيسي أولويات مهمة، ومنها إعادة الاستقرار لسوق العملة حتى تتمكن الشركات الخاصة من سداد ديونها التي يجب أن تؤدي نصفها في منتصف العام الجاري، وهي مع ذلك فترة قصيرة جدًا وشرط قاسي من قبل الدائنين، ومن الصعب بنظر الاقتصاديين تحقيقه.

لقد عبر عن الثقة في الاقتصاد الإندونيسي مسؤولون من دول آسيوية مجاورة في محاولة منهم إلى إرجاع الثقة في الاقتصاد والتي ضيعتها من أحد الجوانب وسائل الإعلام الغربية التي كبرت من حجم النمور في أيام النمو، واعتبرت صحف الغرب ومنها مجلة «تايم» الأمريكية وحتى عام ١٩٩٦م اعتبرت الدول الآسيوية منافسًا جديدًا لها، واليوم يساهم الإعلام الغربي في تحطيم سمعة الاقتصاد الآسيوي بطرق عديدة في الوقت الذي طغى الجانب السياسي للأزمة في إندونيسيا على الجانب الاقتصادي وهذا هو الفرق بينها وبين جاراتها من دول آسيان اللواتي لم يواجهن مثل هذا الوضع الصعب سياسيًا، وتفرغت دولهم الحل الاقتصادي، بينما تحاول إندونيسيا إيجاد حل سياسي واقتصادي في آن واحد، وهو أمر صعب مما لاشك في ذلك.

النقطة الأخرى التي يجب الإشارة لها هي أن مع تعبير الدول الكبرى السبع عن قلقها من الوضع في إندونيسيا واجتماع مسؤوليها عدة مرات فإنهم باختصار لم يفعلوا شيئًا حتى اليابان السبع الكبار التي قالت بأنها فعلت ما تستطيع أن تقوم به وكانت دول قد اجتمعت مؤخرًا في لندن ولكنهم لم يخرجوا بحل للأزمة سوى نصائح، ولم يتخذوا خطوات ملموسة، بل زادوا من ضغوطاتهم وتهديداتهم بقطع المعونات عن إندونيسيا إن لم تلتزم بشروط صندوق النقد وطالبت الدول الآسيوية بمزيد من التحرر والشفافية والإصلاحات، وفي المقابل لم تقم هذه الدول بفتح أسواقها بسهولة أمام البضائع الآسيوية لمساعدتها، مع أن الأزمة الآسيوية ليست من فعل الآسيويين وحدهم، مع الاعتراف بوجود ضعف، لكن الدول الغنية لها نصيب في الأزمة ولذلك تقع المسؤولية عليها في المشاركة في حلها.

 وفي الختام نعود للرئيس سوهارتو الذي وصف الاقتصاد في بلاده وصفًا صريحًا في الأول من مارس الجاري فقال: «إن الوضع خطير وإن مشروع إصلاحات صندوق النقد لم يهون من خطورته، ودعا لإيجاد برنامج مناسب آخر».

 وقال: «ليس هناك مؤشرات على تحسن الوضع حتى الآن، وفي المقابل فإن حياة الناس أصبحت أكثر صعوبة، وإن الأزمة أصبحت أكثر خطورة، وأوسع انتشارًا، وأطول بقاء من أي مدة كنا نتصورها».

 

الرابط المختصر :