; مؤامرة جديدة ... على أرض العروبة والإسلام! | مجلة المجتمع

العنوان مؤامرة جديدة ... على أرض العروبة والإسلام!

الكاتب الشيخ محمد الغزالى

تاريخ النشر الثلاثاء 14-يوليو-1970

مشاهدات 76

نشر في العدد 18

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 14-يوليو-1970

مؤامرة جديدة ...

على أرض العروبة والإسلام!

القواعد الأجنبية تحرس الاستعمار الديني والسياسي. • الدم الإسلامي ينزف بغزارة في الشرق الأفريقي. • الذين يخونون المجاهدين ليسوا من الله في شيء.

                                                                    • بقلم: الأستاذ محمد الغزالي 

مؤامرة جديدة على أرض العروبة والإسلام!

كاتب المقال فضيلة الشيخ محمد الغزالي

إسرائيل أفريقية

 (سكان 50.000 ألف يهودي في "غواندار" التي تقع على الحدود السودانية الحبشية! وقد عرض حكام الحبشة خمسين ألف فدان يمكن استصلاحها لتكون نواة لمهجر جديد).

تسعة وثلاثون بطلًا من رجالات الله تتأرجح جثثهم في مهب الرياح دفعة واحدة.

نكالًا بأتباع محمد، وترويعًا لطلاب الجهاد وإذلالًا لأحرار الناس...!

أشارت الأنباء الأخيرة إلى مرحلة جديدة من مراحل العدوان على أرض العروبة والإسلام.

والمرحلة التي يتم إنفاذها في صمت، والتي تعرض أبناؤها تحت عنوان خادع تقوم على إسكان خمسين ألف يهودي في بلاد الحبشة في منطقة (غواندار) التي تقع على الحدود السودانية الحبشية.

وقد عرض حكام الحبشة خمسين ألف فدان يمكن استصلاحها لتكون نواة المهجر الجديد.

وربما سأل القارئ: لماذا لم يأخذ هؤلاء اليهود طريقهم إلى إسرائيل بدل الحبشة؟

والجواب، أن هؤلاء اليهود من الدرجة الثانية، ويطلق عليهم (الفلاشا) وفي نسبهم إلى اليهودية غموض، وكانوا يعيشون في الشرق الأفريقي معيشة ظاهرة التخلف، ويرزقون من بعض الحرف البدائية.

حتى نظم الغرب العلاقات بين الحبشة و إسرائيل من النواحي الروحية والاقتصادية والسياسية فأخذ وضع (الفلاشا) يتحسن، والتحق عدد منهم بوحدات الشرطة وفرق الجيش الإثيوبي وصعدوا في مدارج الترقي حتى أصبح لهم عضو في مجلس الوزراء.

أمريكا تسلح الجيش الحبشي ليقوم بحملات انتقام من المسلمين

بداية المؤامرة

وقد نوت "إسرائيل" إنشاء مدارس في منطقة غواندار يتربى فيها الفلاشيون على يد معلمين "إسرائيليين"، كما استقدمت بعثات منهم إلى أرض "إسرائيل" لتدريبهم التدريب الذي يحقق الأغراض المرجوة في مستقبل ليس ببعيد، ولعل مما يحقق زيادة التقارب والالتحام بين "إسرائيل" وإثيوبيا أن توضع الخطط الصارمة كي ينكمش نشاط الكثرة الإسلامية التائهة في الحبشة فلا يسمع لها صوت، بل لا يحس لها وجود.

وذلك حتى تجد "إسرائيل" أمدادًا لا مقطوعة ولا ممنوعة من الدعم الإثيوبي لاقتصادها، ومن ثم تستطيع أن تمزق العرب وتضرى عليهم، ويوم تلفظ العروبة أنفاسها؛ فإن شمس الإسلام ستجنح إلى الغروب.

وهذا هو ما يستهدفه الاستعمار الناشط وراء سياسة إثيوبيا وقيام "إسرائيل".

وخطة توطين بعض اليهود في الحبشة التي شرحتها جريدة (جويش كرونيكل) اليهودية، والتي تعمل لها الوكالة اليهودية من بضع سنين ليست في نظرنا أمرا ذا بال.

وأحسبني قريبًا من الصدق إذا قلت: إن هذه أخف الطعنات التي وجهها الاستعمار إلينا، فإن الدم الإسلامي النازف بغزارة في الشرق الأفريقي يكشف عن مأساة فاجعة تقع وراء أسوار من السكون المفتعل، وأخشى ألا نصحو حتى تكون الضحية قد طواها العدم، والضحية هنا شعب مسلم كبير

هو شعب (إريتريا)!

شعب إريتريا

إن مسلمي (إريتريا) يقاتلون قتال المستميت منذ ربع قرن ليظفروا بحريتهم الدينية واستقلالهم السياسي ضد استعمار باطش أعماه الحقد وأغرته السلطة.

ومع فداحة الخسائر التي نزلت بهم فهم لم يضعوا السلاح، ولم يستسلموا لليأس وجبهة تحرير إريتريا تعمل بإيمان ومثابرة لاستبقاء الإسلام والعروبة على أرض الأجداد وتقاوم سلطان إثيوبيا وهو يهجم بالسلاح الأمريكي هذا كله.

إن جبهة تحرير إريتريا تقوم بالعمل التاريخي الضخم الذي قامت به من قبل جبهة تحرير الجزائر، والذي تقوم به الآن جبهة تحرير فلسطين، ويظهر أنها تلقى من أعداء الاسلام في ميدانها الصعب

مواجهة أعتى، وعدوانًا أعنف لأنهم يخشون أن يكون مصيرهم مصير أغلب المستعمرين في البلاد التي استردت حريتها.

 إن هذا التوجس يجعل الجيش الإثيوبي غاشمًا في سطوه، طاغيًا في عدوه.

أهي عداوة إلى آخر رمق؟!

وهناك نموذج لما يقع هنالك من مصائب طامة ذكره الصحفي السويدي (لارزبرو) رئيس تحرير مجلة -كافلوسبوستن - وزميله (يرفل روين) عضو البرلمان السويدي، وكانا في زيارة خاصة لإريتريا في يوم عاصف تدلت فيه اثنان وعشرون جثة من جثث الثوار على أعواد المشانق في مدينة کرن، إحدى مدن إريتريا الرئيسية وفي الوقت نفسه كانت تتدلى سبع عشرة جثة أخرى بمدينة قندع الواقعة بين أسمرة العاصمة ومصوع الميناء.

يا حزناه على أمة الإسلام، ما أرخص دمها، وأهون أحرارها.

تسعة وثلاثون بطلًا من رجالات الله تتأرجح جثثهم في مهاب الرياح دفعة واحدة على هذا النحو الرهيب.

نكالًا بأتباع محمد، وترويعًا لطلاب الجهاد وإذلالًا لأحرار الناس.. معرض للردى تتمثل فيه كل ضغائن البشرية الخسيسة على الدين الذي قدر الإنسان وتبرز من خلاله الأحقاد التي ورثها المستعمرون الجدد عن الصليبيين الأقدمين، وتحيرنا نحن كيف نطفئها ونستريح من نارها ودخانها.

حرب إبادة

إن الكثرة المسلمة في إريتريا كأختها المسحوقة داخل الحبشة تتعرض لحرب إبادة حقيقية.

وقد بدأت محنة هذا القطر التعيس منذ قضت هيئة الأمم المتحدة بضمه إلى إثيوبيا رغم أنفه، ومع أن الضم أخذ أول الأمر صورة اتحاد (فيدرالي) إلا أنه سرعان ما تحول إلى إذابة للقطر المستضعف، وإفناء لشخصيته، ولغته، ودينه، وتاريخه ومستقبله، وبديهي أن يقاوم مسلمو إريتريا كما قاوم إخوانهم في الجزائر وفلسطين من قبل، وهنا جن جنون المعتدين وحاولوا بوحشية أن ينتهوا من الثورة الأبية فاجتاحوا عشرات القرى يحصدون من فيها وما فيها بالرصاص والقنابل. 

غير أن الأبطال المجهولين نظموا صفوفهم في جبهة تحرير شجاعة مثابرة، قاتلت الجيش الإثيوبي، وأذلته في معارك شتى.

أمريكا تتدخل

وفي العام الماضي فـر القرويون الإريتريون أمام حملة انتقام حبشية شديدة شنها عليهم الجيش الذي سلّحه الأمريكيون تسليحًا جيدًا، واجتاز هؤلاء البائسون حدود السودان في حال منكرة، فقد أحرقت قراهم ومزارعهم ومواشيهم، واستبيحت حرماتهم وتعقبتهم الغارات الملحة تبغي القضاء عليهم وتناثر موتاهم دون دفن؛ لتأكلهم الوحوش وقال شاهد عيان يصف هؤلاء اللاجئين: لقد كانوا هياكل بشرية، وكان الجوع والعطش قد برحا بهم وهدأ كيانهم.

على أن جبهة تحرير إريتريا مضت على درب الجهاد الطويل المضني، ولقد عرفت رئيسها الجلد الأستاذ إدريس آدم رئيس مجلس النواب السابق، كما قابلت الكثير من فتيان البلد الثائر على الضيم، وتفرست في ملامحهم عزيمة الجهاد حتى لقاء الله، إلا أن هناك حقيقة أحب أن أبثها في هذه الكلمة العجلى.

تنوعت الأساليب والعدو واحد

إن الأعداء القابعين وراء البحار الذين يعملون على تهويد فلسطين هم الأعداء الذين يعملون على تنصير إريتريا، وإن اختلفت أساليب الجريمة وأدوات التنفيذ.

والغرض الظاهر الباطن لدى هؤلاء إصابة الإسلام في صميمه وتمزيق أمته شذر مذر، فما الذي يجعل العرب شديدي الجوار لمحنة فلسطين، منكري الصمت بإزاء مسلمي إريتريا؟ إن الأمة العربية لم تكترث عندما سُلب هؤلاء المسلمون استقلالهم وسُلّموا إلى الحبشة لتسترق أعناقهم، وكان في مقدورها أن تقاوم وترفض.

لكن الأمم العربية -ونقولها كاسفي البال- لا تهتم بأمر المسلمين ولا تشتغل بقضاياهم وهي – إذ تستصرخ الضمير العالمي لأهل فلسطين – تفعل ذلك إعلانًا لإخوة جنس وحسب، والمجتمعات العربية إذ تؤثر هذا المسلك تخون دينها وتاريخها وتنفصل عن الأمة العربية ذاتها فلا تترجم عن مشاعرها ولا عن أمانيها.

الإريتريون عرب مسلمون

بل إن هذه المجتمعات العربية تخون قوميتها المزعومة بتجاهلها قضية إريتريا، فإن الشعب المسلم المضطهد هناك يتكون من قبائل عربية الدم واللغة مثل الألوف المؤلفة من سكان وادي النيل، ولا ندري كيف تناسى السياسيون هذه الحقيقة عندما صمتوا صمت القبور على وأد إخوانهم العرب؟؟

والمجتمعات إذ تتجهم للإسلام تغرق في مسلك مدني انتهى أمده وانكشفت حقيقته، فإن اليهود لا يستحيون من الانتساب إلى أبيهم إسرائيل إذا استحيى العرب من الانتساب إلى أبيهم محمد. 

والأمريكيون لا يستحيون من عرض الإنجيل وتأييد بعثاته، إذا استحيى العرب من عرض القرآن وإبلاغ رسالته.

فإلى متى تنفض الجامعة العربية يديها من قضايا الشعوب الإسلامية المأكولة في أفريقيا وغيرها؟ بل إلى متى تعد قضية فلسطين عربية خالصة، وهي اليوم نهب عدوان ديني سافر يؤازره حقد تاريخي قديم؟

إن العرب إذا خانوا الإسلام، فلن‏ يفيدوا من ارتدادهم إلا الضياع والمعرة وسيحيق بهم قوله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُون﴾ (البقرة: 86).

إن هذه الميوعة باسم السياسة انتهت بالقضاء على العروبة في إريتريا، فإن السلطات الإثيوبية شنت حملات على اللغة العربية، وهي لغة البلاد الرسمية وفق المادة 38 من دستور إريتريا، وبدأت هذه

الحملات بإهمال الطلبات والعرائض المكتوبة بهذه اللغة ثم بإزالة اللافتات العربية، واستطاعت أخيرًا أن تمنع تدريسها في شتى مراحل التعليم الرسمي منه والشعبي عندما عزز الإثيوبيون سيطرتهم

السياسية سنة 1956.

وقد أحرقت الكتب العربية التي استوردها وزير المعارف الأريتري من القاهرة.

أما خريجو الجامعات العربية فيمنحون نصف مرتب خريجي الجامعات الأخرى حتى تموت رغبة الشباب من كل دراسة عربية.

تدريس الإسلام بالأمهرية

وفي سنة ‎1963‏، منعت تدريس الإسلام باللغة الأمهرية؛ لأنها تعلم أنه لا يوجد كتاب واحد عن الإسلام بهذه اللغة.

وهكذا قضت الحبشة بجرة قلم على مستقبل دين وشعب، والعرب ينظرون واجمين، ومعروف أن للأمريكيين قواعد كبيرة في أرجاء البلاد، تحرس الاستعمار الديني والسياسي في هذه البقاع المنكوبة؛ وقد ذكرت جبهة الثوار أنها في بعض الاشتباكات مع الأحباش أسقطت طائرة هليكوبتر أمريكية كانت تساعد المعتدين.

إلى متى نتهرب من واجبنا، ونحن لا نستغرب هذا المسلك، وإنما نستغرب أن يتراخى عرب الشمال الأفريقي في خدمة دينهم ومساعدة إخوتهم في الوقت الذي ألّف فيه الاستعمار مجموعات من الحكومات الحاقدة تطارد الإسلام وتتعقب أنصاره.

إن جبهة تحرير إريتريا تلقى فنونًا من الصد والتهرب من أناس يخونون قوميتهم وعقيدتهم على سواء.

ويستحيل أن يدل ذلك على إيمان بالله أورعاية لدينه، فإن الذين يخونون الفدائيين الفلسطينيين أو يثبطون إخوانهم المكافحين من أجل دينهم وعروبتهم في إريتريا ليسوا من الله في شيء.

لقد كنا نود لو أظلت العالم إخوة إنسانية رحيمة، تنظم شتى الأديان والأجناس وتوجه الجهود إلى الخير العام والارتقاء النافع، غير أن آمالنا تلك كانت سرابًا خادعًا.

فما فتئت غرائز الشر وأحقاد الأقدمين تمج سمومًا في الميدان الدولي، ويصلى المسلمون وحدهم نارها.

فبيوتهم هي التي تهدم وحقوقهم هي التي تستباح وأوطانهم هي التي يسطو عليها الآخرون.

فإذا فزع المستضعفون إلى المؤسسات الدولية؛ وجدوا الأقوياء لهم بالمرصاد يعاملونهم بقانون التطفيف، إن كان عليهم دفعوا وإن كان لهم خذلوا، لا يظفرون بكلمة حق، وإن ظفروا بها لم يجدوا من ينفذها.

ويبدو أنه لم يبق بد من أن يعرف المسلمون علميًّا صدق ما أخبرهم كتابهم به: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة: 217).

وثمرة هذه المعرفة أن يعودوا إلى رشدهم، أو أن يتشبثوا بإسلامهم، وأن يستعيدوا قواهم، وأن يغلفوا كيانهم بالحديد، حتى إذا حاول ذئب نهشهم تكسرت أنيابه قبل أن يشبع نهمته من لحمهم، أما قبل ذلك فسوف يظلون غرض الردى، وهدف اللئام. 

الرابط المختصر :