; الأبعاد الحقيقية للصراع الدائر في أفغانستان | مجلة المجتمع

العنوان الأبعاد الحقيقية للصراع الدائر في أفغانستان

الكاتب رأفت يحيى العزب

تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994

مشاهدات 7

نشر في العدد 1083

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 11-يناير-1994

الجنرال حمید چل رئيس المخابرات الباكستانية السابق «للمجتمع»:

التسوية الرسمية هي الطريق الوحيد لحل الأزمة

في أفغانستان والحل العسكري سيضاعف الأزمة

«لن أدخل كابل، لن أوقف القتال ضد مسعود ورباني، ولا تصالح قبل أن تخرج ميليشيا دوستم من العاصمة، هدفنا الأساسي هو تطهير كابل من الميليشيا الأوزبكية وفلول العناصر الشيوعية التي ما تزال على الوضع في كابل».

 كان ذلك هو رد زعيم الحزب الإسلامي حكمتيار عندما سألته بينما كان معسكرًا بأحد مواقعه فى شراسياب قرب كابل عن دواعي رفضه للتعاون مع بقية القادة الأفغان في إدارة دفة الحكم، وكان ذلك في مايو ۱۹۹۲م، أي مع دخول جميع القادة الأفغان العاصمة، وعلى ضوء إجابته طرحت على البروفيسور برهان الدين رباني وجهة نظر الحزب حول شروطه للمشاركة في السلطة، فأجاب رباني قائلًا:

«إن أفراد الميليشيا الأوزبكية التي يرأسها دوستم هم إخواننا، وقد عفونا عنهم وعن غيرهم من الشيوعيين، وهم لا يشكلون خطرًا علينا، بل يدعمونا في إقرار نظام الحكم الإسلامي الجديد».

ماذا يحدث الآن؟؟

انهار التحالف القديم الذي ضم رباني و دوستم والشيعة الأفغان ومجددي الشيوعيين من الأصل الطاجيكي. هذا التحالف الذي أسهم في تشكيله معطيات الواقع في ذلك الوقت، وقد كان مصيره أن ينهار بعد أن استنفد الغرض منه، وهو تعزيز مواقع كل طرف، ولأن المحور الأساسي الذي تدور حوله التحالفات هو السلطة والقوة، فقد صيغ على إنقاص هذا التحالف تكتل جديد أساسه المصالح أيضًا ويضم دوستم وحكمتيار والشيعة الأفغاني ومجددي، بالإضافة إلى القوى الشيوعية من البشتون التي ينتمي إليها حكمتيار عرقيًّا، وقد حدد هذا التحالف الجديد هدفه وهو إسقاط رباني وإقامة حكومة محايدة في البلاد؛ وصولًا إلى تحقيق الغاية النبيلة التي من أجلها بدأ الجهاد الأفغاني قبل ١٥ عامًا!! وهي إقامة نظام إسلامي يقف على رعايته دوستم والشيعة الأفغاني ومجددي وحكمتيار، والتخلص من أعداء هذا النظام من أمثال رباني وغيرهم.

وقد حدد التحالف الجديد وسائله الرامية إلى تحقيق هذا الهدف، وهي إعلان الثورة الشعبية الإسلامية ضد النظام في كابل، والذي يمثله رباني، وبدأ القصف الصاروخي والمدفعي يدك كابل على من فيها دون تفريق بين مدنيين أبرياء من أطفال وشيوخ ونساء؛ لم يسعفهم قدرهم من الهرب بجلدهم من هدير الثورة الجديدة التي كانت حصيلة مكاسبها خلال الأيام الثلاثة الأولى من الإعلان عنها أكثر من ألف قتيل وجريح؛ فضلًا عن الدمار الذي لحق بالمنشآت المدنية والعامة التي سيتطلب بناؤها أو تعميرها التسول على أبواب الغرب والشرق لجمع المساعدات، هذا إذا قدر لهذه القوة الإسلامية أن تخمد.

وعلى غير العادة فقد امتدت نيران القتال إلى خارج كابل ولأول مرة منذ سقوط نظام نجيب الله قبل ما يقرب من عامين؛ إذ ظلت دائرة الصراع محصورة داخل وحول العاصمة؛ لتنتقل بعد ذلك إلى مزار شريف وكندوز وهيرات وغيرها من المناطق الشمالية والغربية الأخرى، وتوالى مسلسل الدمار والخراب في أنحاء مختلفة من البلاد.

موقف رباني

أعلن رئيس الدولة البروفيسور برهان الدين رباني من قصر الرئاسة الجهاد الإسلامي ضد أعداء النظام الإسلامي، وحث الشعب الأفغاني على حتمية الدفاع عن النظام الشرعي في البلاد، وقالت بيانات الحكومة العسكرية: إن قواتها قتلت أكثر من ٤٠٠ من العناصر المعتدية، وأنها ماضية في طريقها للنهاية للحفاظ على مكاسب الجهاد الأفغاني. وتفويت الفرصة على القوى المعادية التي سلكت كل الوسائل غير المقدسة للاستيلاء على السلطة.

وقالت البيانات الصادرة عن رباني: إنه يتمتع بتأييد سياف ومحمد نبي محمدي ويونس خالص، غير أن هذه القوى لم تصدر عنها بيانات رسمية إلى الآن باستثناء البروفيسور سياف زعيم الاتحاد الإسلامي الذي أيد موقف رياني في قتاله مع التحالف الجديد، بينما احتفظت القوى الأخرى بالحياد إزاء القتال الراهن، وهو حياد المراقب الذي سينتهز الفرصة المناسبة لتحديد مواقفه في ضوء حجم الربح والخسارة الذي سيسفر عن ارتباطه بأي من الطرفين المتحاربين.

الخيار العسكري

ماذا لو سقط رباني؟ هل ستنتهي الأزمة فعلًا، وماذا لو نجح رباني في إخماد الثورة الإسلامية بزعامة دوستم وحكمتيار والشيعة الأفغان «مجددي»، هل ستهدأ الأمور ويستتب له الحكم، هل ستقبل بذلك القوى المهزومة، أم أنها ستتربص به من جديد. بحثت عن إجابة لهذه التساؤلات مجتمعة لدى الفريق حميد جول مدير المخابرات الباكستانية السابق والمشهود له برؤيته الموضوعية إزاء الأزمة الحالية بحكم تجربته الطويلة هناك فقال: «قلبي مع دماء الشهداء التي أهدرت منذ ١٤ عامًا في عمر سنوات الجهاد الحقيقي، وأسفي على هذا الواقع المحزن الذي تعيشه أفغانستان اليوم، أمالنا العريضة التي تعلقنا بها بيد وأنها أصبحت حلمًا صعبًا. فالصراع الدائر اليوم قد تجزر في الأعماق، ولن يكون الحل العسكري هو الوسيلة العملية لإنهاء هذا الصراع؛ بل على العكس إنها ستعمق الهوة بين الأطراف الرئيسية المتحاربة رباني وحكمتيار، وقال كخبير عسكري ولحكم تجربتي الطويلة في أفغانستان: لا أرى سوى التسوية السلمية الموضوعية سبيلًا لإنهاء الأزمة الأفغانية، أما الحل العسكري فسيضاعف من الأزمة، وسيمنح الفرصة للعناصر الخبيثة من الشيوعيين وغيرهم أن ينفخوا في نار الفتنة الحالية. إن أولى خطوات الحل تتمثل في جمع السلاح من المجاهدين وتسليمه للسلطة الحاكمة؛ لأن هذا السلاح الذي يحمله كل أفغاني هو أخطر أداة في تصعيد الأزمة الأفغانية. وعزا حميد جول فشل الاتفاقيات السابقة مثل اتفاق بيشاور وإسلام آباد وجلال آباد إلى عدم الالتزام ببنود هذه الاتفاقيات وقال إن الالتزام ببنود إسلام آباد كان من الممكن أن يفوت على البلاد الكوارث التي تتعرض لها حاليًا. ويعتقد جول أن منظمة المؤتمر الإسلامي كانت قد أعربت عن استعدادها لتشكيل دائمة للإشراف على وقف إطلاق النار، غير أن هذه اللجنة لم تتشكل منذ توقيع اتفاق إسلام آباد في مارس الماضي.

الأزمة الأفغانية.. اختبار للحركة الإسلامية

منذ بداية الجهاد الأفغاني أولت الحركة الإسلامية اهتمامًا بخلافات القادة الأفغان وخاصة القادة الأربع رباني وسياف وخالص وحكمتيار، غير أن هذا الاهتمام ليس لسبب أو الآخر لم يؤتِ أكله، وظل الخلاف يتعمق خاصة بين حكمتيار ورباني... وقد كان آخر جولة قام بها حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية السودانية، وقد قال عقب عودته من كابل في نوفمبر الماضي: إن جميع الاتفاقيات التي تم التوصل إليها لم تترجم إلى واقع عملي لغياب الآليات المناسبة لتنفيذ هذه الاتفاقيات من ناحية ولافتقار القادة الأفغان للخبرة السياسية في إدارة شئونهم، ووقتها قالت: إنه على تفاؤل كبير بإمكانية الخروج من المأزق الأفغاني، ولن يتكرر القتال مرة أخرى ،كان ذلك في نوفمبر الماضي، غير أن أمال الدكتور حسن الترابي قد بخرتها الأحداث الراهنة. لكن هل يعني تعثر المحاولات السابقة التخلي تمامًا عن القادة الأفغان، وتناسي المكاسب الكبيرة التي حققها الجهاد الأفغاني في أول الأمر.

أبعاد الأزمة الحالية

لا تقف حدود الأزمة الأفغانية الحالية عند حدود أفغانستان وحدها وما لحق بها من دمار أو تخريب، كما لا تقف عند حد الإساءة لمفهوم الجهاد الإسلامي الذي لوثته الصورة القائمة التي ساهم في تشكيلها القتال الدائر بين الأفغان منذ عامين، إن الأزمة الحالية في أحد جوانبها تؤثر على القضية الطاجيكية التي تضررت إلى أقصى حد ممكن من جراء مأزق أفغانستان الذي كان يتوقع من أبناء هذا البلد الذين استقبلوا في باكستان استقبال الأخوة والأهل أن يحنوا على المهاجرين الطاجيك، ويقفوا إلى جوارهم في محنتهم، ويقدروا عظم الدور الذي كان من المفروض القيام به إزاء إخوانهم في طاجيكستان خصوصًا وآسيا الوسطى عمومًا لا بحكم الرباط العرفي أو التاريخي؛ بل بحكم الرباط العقيدي الذي يربط بينهم، خاصة وأنهم من أقرب الدول المجاورة لهم، والتي كان من الممكن أن تلعب دورًا فاعلًا في تحديد ملامح صورة آسيا الوسطى الراهنة.

 لقد كانت باكستان هي الأخرى تؤمل في أن تصبح أفغانستان العمق الإستراتيجي لها في مواجهة الخطر الهندوسي الذي باتت تهدد المسلمين في جنوب آسيا، لقد كانت الآمال كبيرة في إقامة تكتل إسلامي في منطقة وسط وجنوب آسيا؛ لمواجهة المخاطر المحتدمة بالأمة الإسلامية، غير أن مأزق أفغانستان الراهن ظل عقبة كبيرة في هذا المسار.

الرابط المختصر :