; الأبعاد السياسية لقضية الاختلاط | مجلة المجتمع

العنوان الأبعاد السياسية لقضية الاختلاط

الكاتب عيسي ماجد الشاهين

تاريخ النشر الثلاثاء 25-يونيو-1996

مشاهدات 715

نشر في العدد 1205

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 25-يونيو-1996

يعيش الكويتيون هذه الأيام دورة سياسية مكثفة يمارسون فيها كافة وسائل وسيلة العمل السياسي من أجل التأثير على اتجاه القرار بشأن قضية الاختلاط، وإن اقتصرت القضية على هذه الممارسة فقط فقد تقدمنا خطوة إلى الأمام في دفع عدد أكبر من المواطنين إلى حلبة العمل السياسي وإلى الإفصاح عن آرائهم ومواقفهم وإلى تنظيم وتكتيل صفوفهم.

إن الصراع ما بين اللادينيين والمتدينين، والنزاع ما بين المحافظين والليبراليين، قديم قدم اختلاف وجهات النظر وتباين الآراء، وسيستمر ما دامت المجتمعات البشرية، وما يعيشه المجتمع الكويتي اليوم هو حالة من حالات هذا الصراع والنزاع، ولهذه الحالة أبعاد عديدة لها قيمتها وتأثيرها، والأبعاد السياسية هي من أبرزها وأسرعها أثرًا.

لكن ماهي الأبعاد السياسية لقضية الاختلاط؟

الأول: مصداقية الحكومة

الصدق منجاة للفرد والجماعات، وللحاكم والمحكوم، وتستقيم وتستقر أمور المجتمعات عندما يشيع الصدق في تعاملاتها وعلاقاتها، وبالخصوص ما بين الناس وولاة أمورهم، وعدم الوفاء بالمواثيق والعهود صورة من صور مجانية الصدق، وخطوة في طريق نسف الاتصال والتواصل البشري.

إن السعي لاستكمال تطبيق الشريعة الإسلامية مطلب دستوري وشعبي وعليه قامت الدولة وتأسست، وفوق هذا وذاك فهو أمر إلهي لمن يؤمن بالله عز وجل، ومنذ اليوم الأول للعدوان العراقي ازداد جميع الكويتيين ارتباطًا بدينهم، سواء المرابطون منهم أم المهاجرون، وقد كان وعد وقسم من كان منهم في الطائف والرياض وفي كل مكان: «إن أنجانا الله لنعودن إليه ونستكمل تطبيق شريعته» وبعد أن من الله علينا بالتحرير استبشر البعض خيرًا وتفاءلوا بنداء وشعار تهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن تلت ذلك سلسلة من القرارات والإجراءات والمواقف التي لا تتفق مع تلك العهود والمواثيق.

أيهما أقرب إلى تهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة: الوضع الحالي أم مشروع الحكومة المحرف للرأي الشرعي والمخالف لفتوى جميع علماء الكويت؟ أم مشروع قانون مجلس الأمة؟ إجابة الحكومة تحدد مصداقيتها، وإن الكويتيين لمنتظرون.

الثاني: نظام الحكم في الكويت نظام محافظ

نظام الحكم في الكويت هو نظام محافظ مهما حاول بعض الكتاب السياسيين والاجتماعيين تحريف ذلك، ومهما بدرت من هذا النظام من إشارات « ليبرالية» في السابق والحاضر فهي طارئة ومؤقتة ولتحقيق منفعة ومصلحة محددة، ولا تعبر عن حقيقة النظام وجذوره ومقومات حاضره ومستقبله، وحين يتخلى النظام عن اتجاهه المحافظ فإنه يتخلى عن أهم مقومات قيامه وكيانه، وتجدر الإشارة هنا إلى جملة من الحقائق الراسخة في هذا الصدد، ومنها: 

أولًا: أن النظام ابتداء وشكلًا ومضمونًا وفي كافة المقاييس هو نظام محافظ. 

ثانيًا: أن المجتمع الكويتي هو مجتمع محافظ في الباطن والظاهر.

ثالثًا: أن القوى السياسية والاجتماعية المستقبلية في الكويت هي قوى محافظة.

رابعًا: أن الرأي الليبرالي العلماني في ذبول مطرد، وحدود ومحاصر في زوايا أكاديمية وإعلامية، وليست له جذور شعبية.

خامسًا: أن التأييد المحدود الذي يلقاه الرأي الليبرالي العلماني من قبل قلة من أفراد النظام منبثق من أمرين أحدهما توافق السلوكيات الشخصية البحتة دون اعتبار لمسئوليات وواجبات أفراد الحكم، وثانيهما عدم اكتمال أو وضوح الرؤية تجاه الخط الشعبي المحافظ، والذي أحد أسبابه هو تقصير هذا الخط في توضيح منطلقاته ومواقفه عبر قنوات اتصال مباشرة تلغي أدوار الوسطاء والمخلصين منهم والمنتفعين، وتتجاوز دور المنظمة العلمانية في التحريض والتأليب والتضليل والتحريف.

سادسًا: فضح ركائز الفلسفة الليبرالية العلمانية وممارستها عبر التاريخ في مختلف المجتمعات وتناقضها الجذري مع كل ما هو محافظ كفيل بإبطال أي تأثير لها على النظام الذي هو مستهدف من قبلها أولًا وأخيرًا لكونه الأساس المحافظ في المجتمع.

سابعًا: مواصلة زعماء الليبرالية والعلمانية تهجماتهم على المؤسسة القبلية واستهزائهم بأركانها وتجريحهم لممارستها يهدف إلى التشكيك بهذه المؤسسة المحافظة وإضعافها ليهدموا أحد أركان المجتمع الكويتي وأحد القوى الأساسية المساندة للنظام وليقتربوا من حلمهم بالسيطرة على مجتمع مفكك ومشتت.

ثامنًا: إن النجاح الجزئي المؤقت الذي حققه الليبراليون العلمانيون في اختراق عدد من الأسر الكويتية العريقة واستغلالهم لطاقات ومؤسسات ومنابر هذه الأسر الكريمة هو من أجل تحطيم هذه الركيزة الاجتماعية والسياسية المحافظة العتيدة وفصلها عن القوى السياسية والاجتماعية الجديدة الصاعدة في المجتمع الكويتي، وما نشهده اليوم من ضعف التأثير السياسي والاجتماعي المتزايد لهذه الأسر لهو من نتائج ذلك، وخاصة بعدما ظهر من تحيز بعض هذه الأسر إلى الأقلية العلمانية ضد الأغلبية الكويتية المحافظة.

فهل تستقيم طبيعة النظام والمجتمع مع معارضة مشروع قانون مجلس الأمة بشأن الاختلاط؟ وهل من الرشد تأييد من يسعى إلى إضعاف ركائن دعم النظام؟ وهل من مصلحة النظام والكويتيين ككل السير وراء من يهدفون إلى تقويض وتخريب المجتمع من أجل بناء المجتمع اللاديني الذي يحلمون به وتمهيدًا للهيمنة الصهيونية؟ 

الثالث: الأغلبية الدستورية الساحقة 

إذا ما أخذنا في الاعتبار أصوات السادة الأعضاء الشيعة في المجلس الذين تغيبوا بسبب يوم عاشوراء لازداد عدد وقوة المؤيدين لمشروع القانون، وإذا ما أخذنا بالحسبان سلوك ومواقف الأعضاء المروجين للاختلاط الحاضرين والمتغيبين لصدق قول أحدهم وهو العضو أحمد الخطيب فيهم عندما أسماهم بالمتخاذلين، ولو تمعنا في مستوى الخطاب وألفاظ ومنطق مروجي الاختلاط لتكشف مدى حدة حالات التشنج والإحباط والتهور والتناقض التي يعيشونها من جراء وقوفهم في وجه المطالب الشعبية الشرعية، وضد التوجهات الشعبية، وبالمقابل فإن تماسك الطرح الإسلامي المعتدل وبانتهاج أسلوب دستوري لائحي متناسق ثابت تفادى مفاجأت الحكومة والرئاسة، وأكد بوضوح تام مدى الأغلبية الساحقة التي يحظى بها المشروع بقانون بشأن الاختلاط ومدى قوة تمثيل هذه الأغلبية لرأي الشعب ومطالبه، وكل ذلك بناء على قانونية وأحقية ومنطقية المشروع، وأن محاولة المنظمات اللادينية والعلمانية نقض رأي الأغلبية الساحقة عبر مختلف الوسائل والسبل هي محاولة تفضح حقيقة ادعاءاتهم بالحرص على الممارسات «الديمقراطية» وبالالتزام برأي الأغلبية، كما تفضح مغالطاتهم بشأن علاقاتهم ومواقفهم من الحكم عندما يسعون إليه ويناشدونه ويحرضونه ضد المشروع بالقانون الذي ارتأته الأغلبية الدستورية الممثلة للأغلبية الساحقة للشعب الكويتي المسلم.

فهل تختار الحكومة الوقوف مع غالبية الشعب الكويتي وأغلبية مجلس الأمة، أم مع الأقلية المنقرضة؟

الرابع: الاستقواء بالأجنبي

أوضحت الحملة الإعلامية العلمانية استعداد العلمانيين لاستغلال كافة الوسائل، وممارسة جميع السبل دون أي حس أخلاقي أو وطني، فقد دفعوا بأقلامهم الأجنبية للتطاول على ممثلي الشعب الكويتي، وجندوا المعاهد الأجنبية لمحاربة قرار المجتمع الكويتي وحرضوا سفراء الدول الأجنبية للضغط على حكومتنا الكويتية.

إن سعي كتلة كويتية تدعى الوطنية للاستقواء بالأجنبي ضد المجتمع الكويتي وضد الدولة الكويتية لمن الممارسات الممجوجة والمرفوضة من قبل كل كويتي مواطنًا كان أم مسئولًا، فهذا السلوك غير السوي وغير المسئول يعتبر سابقة خطيرة في العمل السياسي الكويتي، وقد يفتح نوافذ الفتن والانقسامات تؤججها قوى خارجية.

فهل تساءل هؤلاء: ماذا يمكن أن يحدث في المجتمع الكويتي لو استعانت كل فئة بجهة أجنبية؟ لقد أظهرت قضية الاختلاط بعدًا سياسيًّا يجب أن يعالج بحكمة وحزم.

الخامس: الحركة الإسلامية هي الرابحة أيًّا كان القرار 

يطرح العلمانيون في سياق حملتهم الإعلامية وفي مقابلاتهم التحريضية من المسئولين قضية تحجيم التيار الإسلامي وضرورة التصدي له للحد من انتشاره وتوسع نشاطاته، وهم في ذلك ينفذون المخططات الصهيونية العالمية، علموا ذلك أم جهلوا، فإذا كانوا يعتقدون أن دفعهم الحكومة لاتخاذ موقف سلبي من قرار الأغلبية الكويتية سيضر بالحركة الإسلامية وينقص من شعبيتها ومن نشاطها فهم واهمون. إن الخيار الوحيد للحركة الإسلامية في الكويت هو العمل السياسي عبر القنوات والوسائل القانونية والدستورية، وقد شاركت الحركة مع الأغلبية الدستورية في المجلس في اتخاذ القرار بشأن الاختلاط طبقًا للوائح، ولا يستطيع أحد أن يطعن في حق هذه الأغلبية الساحقة الممثلة للأغلبية العظمى من الكويتيين المنتمين إلى الوطن وإلى أصوله وتقاليده وأعرافه ودستوره ودينه.

فإن انحازت الحكومة إلى جانب الحق والفضيلة والشعب ومجلس الأمة فقد كسب جميع الكويتيون بما فيهم العلمانيون، وإن انحازت عن هذا الجانب فيجب ألا تعتقد المنظمة العلمانية أنها نكسة وضربة للإسلاميين، فالصراع مستمر، والأحداث تبرز المواقف الحقيقية أمام الشعب الكويتي، وتزيل كل زيف وخداع، وتكشف صدق النوايا والممارسات من كذبها، وتعري المتدثرين بقيم الديمقراطية، وتفضح المتزلفين للاتجاه الإسلامي والمنافقين، وتعطي الدروس والعبر عن النهاية المهينة للمتساقطين من مسيرة الخير، وتزيد من عزم وصلابة أبناء الحركة الإسلامية ومن تعاونهم وتوحدهم، وتقوي من الالتفات الشعبي حولها وتفضح خصومها والمتواطئين ضدها.

ختامًا.. هذه بعض الأبعاد السياسية لقضية الاختلاط في الكويت، ولها أبعاد أخرى لها فرسانها.

(*) الناطق الرسمي باسم الحركة  الدستوريةالإسلامية

الرابط المختصر :