; الأسرة: خاطرة..  لا تكونوا سببًا في هلاك أطفالكم | مجلة المجتمع

العنوان الأسرة: خاطرة..  لا تكونوا سببًا في هلاك أطفالكم

الكاتب الكوكبي

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أغسطس-1971

مشاهدات 15

نشر في العدد 73

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 17-أغسطس-1971

الأسرة

خاطرة

 لا تكونوا سببًا في هلاك أطفالكم

 

كنت أتحدث مع صديق عمّا نشرته المجتمع حول حوادث السقوط وأشباهها، مما يحدث للأطفال غالبًا، وغيرهم أحيانًا من الحوادث المنزلية، وقد روى لي قصة طفل سقط من الدور الثالث، فدقت عظامه، ومات لِتَوَّتِه، وقصة طفل آخر سقط من الدور نفسه، وشاء الله أن يكون تحته حبال لنشر الغسيل؛ فيعلق الطفل فيها، ويسقط بعد ذلك على الأرض سقطة هينة لينة يقفز بعدها، ويجري في الساحة، وكأن شيئا لم يكن.. وغيرها وغيرها من الحوادث الكثيرة والمتنوعة.

وكان صديقي يسرد هذه الحوادث، ويعلق ساخرًا على الاحتياطات التي أشارت إليها المجتمع لمنع مثل هذه الأمور من الحدوث؛ محتجًّا بأن الحذر لا يمنع القدر، وما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك..

ولا شك أن القارئ لا ينتظر مني أن أتكلم عن الجبر والاختيار، فما تعود أن يرى في صفحة الأسرة غير أمور تهـم الأسرة فقط، وتخوض في مشكلاتها، والموضوع هنا واضح وضوح الفرق بين التواكل والتوكل؛ فالمسلم مأمور أن يفعل ما يستطيع، ويعد ما يقدر عليه، ثم يتوكل على الله، وقد قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي ترك ناقته متوكلًا على الله «اعقلها وتوكل»

أما ما خطر ببالي، وأنا استمع إلى هذا الصديق؛ فهو ما يحدث عادة بعد أن تحل مصيبة ما بطفل ما من الأطفال، إن أول ما يسأل عنه الناس هو.. لماذا حدثت المصيبة؟ وكيف حدثت؟ وهل احتاطت الأم لكذا وكذا؟ وهل احتاط الأب لكذا وكذا؟ ويظل يسأل الناس حتى يجدوا ثغرة ينفذون منها إلى لوم الأب أو الأم على ما حدث، وحملها المسئولية كاملة.

ويقولون حينئذ.. لو أنهم فعلوا كذا لكان كذا.. صحيح أن لو تفتح عمل الشيطان، لكن من واجبنا أن نسد منافذها، ولا نتيح فرصة لأحد أن يقولها؛ بأخذنا كل الاحتياطات الواجبة.

هذا جانب والجانب الآخر.. هو ما تشعر به الأم، أو ما يشعر به الأب من تقصير نحو طفلهما المصاب، فلو أن هذه المصيبة حدثت للطفل بسبب ترك كرسي مثلًا في الشرفة، كان الوالد يجلس عليه، ثم قام وترك الطفل عنده، فصعد عليه الطفل، ومنه إلى حافة الشرفة فالهاوية.

مثل هذا لو حدث؛ فإن الأب يظل يتألم بسبب هذا الإهمال منه، ويعتبر نفسه سببًا في وقوع هذا الحادث، وبدلًا من أن يستسلم للقضاء والقدر، وتطمئن نفسه لإرادة الله، يظل يصطرع في نفسه هذا الشعور بالذنب، كلما تذكر هذه الحادثة ما حَيَّ، ولا يغفرها لنفسه حتى الموت.

إن الأخذ بالأسباب يجعل النفس أبدًا مطمئنة، ويستطيع کل إنسان أن يحصر أسباب حوادث الأطفال في منزله، ويفعل كل ما يستطيع فعله من دفع لهذه الحوادث وتَوَقٍّ لحدوثها.

إن الطفل لا يُضار بالموت؛ فهو يذهب إلى خالقه طاهر السريرة بريء النفس، لا يؤاخذ على فعل، ولا يحاسب على عمل، وإنها لمكانة نغبطه عليها نحن الآثمين من البالغين، ولكن الذي يضار بموته هم أهله من بعده، فهو بالنسبة إليهم قرة عين لهم، وبسمة مشرقة تضيء قلوبهم، وتنعش أرواحهم، ومحَطُّ حب وألفة، به تتوثق الروابط بين الوالدين، وتشتد الأواصر، وتنعقد المودة في الأسرة كلها.

فهو إذن كنز وثروة، ليس من الهين التفريط فيه أو إهماله، فهلا اتخذنا الأسباب التي تقيه من الهلاك، وتحفظ عليه صحته ونشاطه وحيويته.

إن المؤمن ليصبر، ويحتسب مصيبته عند الله، يبتغي من وراء ذلك أن يوفي أجره بغير حساب، فيغالب الجزع، ويصارع اليأس، ويستعين بالله على ما أصابه.. ولكن هذه المغالبة والمصارعة تفتر وتضعف، حين يكون إهمال الإنسان سببًا في هذه المصيبة، ويكون التفريط في بذل ما وسعه من حيلة وجهد عونًا على حدوثها.. فيفقد حينئذ شيئين ثمينين يصعب تعويضهما.. يفقد صبره ومصابرته، ويفقد طفله وحبيبه.

فهل بعد ذلك يأتي إنسان، ويقلل من شأن الحَيطة والحذر؟ ويسخر من محاولة منع الحوادث قبل وقوعها؟

صحيح أن بعض الناس يبالغ في الحيطة، ويوغل في الحذر، يدفعه إلى ذلك الوسواس.. والخوف من المجهول.. وشدة الحب والتدليل لطفله.. فيمنعه من اللعب.. ويحرمه من النزهة، ويفرّق بينه وبين أقرانه، ويحظر عليه الأكل إلا بطرق خاصة.. وبكميات ونوعيات محددة.. فينشغل به عما حوله.. كأنه يريد أن يصنعه صناعة كما تصنع الدراجة والسيارة، مثل هذا الإفراط في العناية يؤدي حتمًا إلى نتيجة هي عكس ما يريده الأب لابنه، فلا هذه الطريقة تكسب الطفل صلابة في الجسم وصحة في البدن، ولا هي تخرج منه إلى المجتمع رجلًا إيجابیًّا عصاميًّا يبني نفسه، وتستفيد منه أمته.

فلنتبع الأمور المعقولة، ولنكن في كل شيء أمة وسطًا، لا إفراط ولا تفريط.

الكوكبي

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حَديث صَريح للشيخ محمد أبو زهرة

نشر في العدد 2

1045

الثلاثاء 24-مارس-1970

مع القراء

نشر في العدد 1

931

الثلاثاء 17-مارس-1970

مع القراء 1

نشر في العدد 2

937

الثلاثاء 24-مارس-1970