العنوان الأسس الجوهرية لبعثنا الحديث
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 02-أبريل-1974
مشاهدات 14
نشر في العدد 194
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 02-أبريل-1974
الأسس الجوهرية لبعثنا الحديث
بقلم أبو سمية
كثيرًا ما سمعنا أو قرأنا أن القرآن الذي أنزل على الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة كان يختلف في الخصائص والأهداف، بل والصياغة عن القرآن الذي أنزل في المدينة.
ولقد سمعنا أو قرأنا كذلك، أن القرآن المكي كان يهدف إلى إقرار قيم معينة وأن القرآن المدني كان يهدف إلى إقرار قيم أخرى أكثر اتصالا بالنظم الحياتية والإنسانية العامة.
لكننا- مع هذا العلم- قلمــــا نسأل أنفسنا:
لماذا لم يكن القرآن المكي مشابها كل التشابه للقرآن المدني؟ وهل تختلف القيم التي أريد غرسها في مكة عن القيم الأخرى التي أريد غرسها في المدينة؟
أن القرآن الكريم، وهو كتاب حياة وحركة لم يتنزل ليخاطب الفضاء الخارجي وإنما نزل ليصنع بشرا بأسلوب ينسجم مع فطرة البشر، ومن هنا كان لا بد من وضع استراتيجية تضمن الوصول إلى الأهداف من أيسر طريق وكان حتمًا بالتالي أن يبدأ القرآن بغرس عقيدة التوحيد - مثلًا - قبل أن يبدأ في تكييف الحياة الاجتماعية والأحوال الإنسانية العامة وفق قوانين إسلامية معينة فبدون الفرد الإسلامي يكون من العبث البحث في أصول مجتمع إسلامي أو إنسانية عامة مسلمة، لكن الشيء الجدير بالذكر هنا، هو أن القرآن المكي متآزر في الغايات العامة والأهداف الإسلامية الكلية مع القرآن المدني.
والقرآن في مجموعة يهدف إلى بناء الإنسان الكامل والمجتمع الإنساني الكامل على أساس الربوبية الحقة ولا مجال- بالتالي- للفصل بين آياته التي تخدم كلها أهدافًا متشابكة الإيمان ببعضه والكفر ببعضه.
وتاريخ أسلافنا البواسل، صناع حضارتنا، يقنعنا هو الآخر بهذه الحقيقة التي أوحت بها قصة الوحي الكريم، وتتلخص تلك الحقيقة في الآتي:
« إن الأمم لا بد أن تنطلق من «استراتيجية» عامة واضحة معروفة ومحترمة ومتفق عليها أيديولوجيا من الجماهير قاعدة وقيادة، نظريًّا وتربويًّا وعمليًّا.
لكن الأمم لابد أن تقدم أولويات بين الحين والحين تسعى إلى تحقيقها في ظل الظروف المحيطة بها، وذلك في حدود استراتيجية واضحة ومحدودة زمانًا وأسلوبًا، وأيضًا في حدود الإستراتيجية العامة التي تحقق تكاملية الرسالة- التي هي مؤهل الحياة وغاية الحياة».
وظروفنا الحالية تتطلب استلهام ديننا وتاريخنا بكل إمكانيات الوعي الإسلامي والتاريخي، وسوف يقودنا البحث الموضوعي إلى ضرورة الوعي بحقيقتين:
الأولى: الحرص على مبادئنا التي كيفت تاريخنا وصنعت إيجابياته، وأطلقت طاقاتنا الحضارية في معركة التاريخ، ومبادؤنا- في تحليلها الأخير- ليست إلا الإسلام والفكر الإسلامي المستوحى من الكتاب والسنة الصحيحة.
الثانية: تقديم أهداف محدودة أملتها علينا ظروف خارجية أو داخلية وتجنيد كل طاقات الحياة، فينا لتحقيق هذه الأهداف مع ربط هذه الأهداف المحددة العاجلة بالأهداف والقيم التي أصبحت أساسية وثابتة في تاريخنا وحضارتنا.
العقيدة الإسلامية:
فلا مجال بعد هذه التجارب التي عشناها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والقرن العشرين- أن نحاول الحياة بلا عقيدة.
إن كل محاولات أبعادنا عن عقيدتنا قد فشلت ولم تنجح هذه المحاولات إلا في تكريس هزائمنا وتعميق فرقتنا وسلبنا الركيزة الوحيدة التي يمكن أن توحد صفوفنا وأن نحس برغبة داخلية عميقة في الوقوف تحتها، والموت من أجلها.
وفي مقاومة اليهودية المقابلة، لم بعد ثمة أمل في الوقوف بثبات، أو إحراز أي سر، أو تقدم، بدون رفع راية العقيدة الإسلامية.
ثانيا: الاعتماد على الذات
لقد حملت القرون الأخيرة الثلاثة في طواياها، أشأم ظاهرة في تاريخنا وهذه الظاهرة هي الشعور بالدونية والركون الذليل إلى الإستيراد، و افتقاد الإرادة القوية الصادقة لصنع حضارة أو بناء أمة، أو تحقيق كيان ذاتي مستقل.
وبينما تنكبت أمم «آسيوية» وأمم أخرى أوروبية الطريق غير مرة لكنها عادت فعرفت الطريق «الصين اليابان، ألمانيا الغربية» لكننا نحن الشعوب الإسلامية بالذات- فرض علينا التيه والضلال إلى اليوم.
لقد فرض علينا أن نكون السوق للأوروبيين، وأن نظل مجرد مواد خام لمصانعهم وفنييهم وخبرائهم وفرض علينا بالتالي أن نظل أذيالا تابعين لهم، حتى في أبسط أمورنا الحياتية أعتي حتى في السلاح.
إننا في كثير من الأحايين نقاتل عدونا بسلاحه هو، بسلاحه الذي يعرفه أكثر منا، ولا يمنحنا إياه إلا بعد أن يكون قد فاقه بمراحل كثيرة.
إنه بعد هذه القرون من الضجيج والعويل لا زلنا للأسف- كائنات محلية تعيش على صناعات خارجية في كل أمور حياتها تقريبا، في ساعاتها، وفي نظاراتها، وفي آلاتها الطبية، وفي سياراتها، وفي ملابسها الجاهزة والصوفية، وفي آلاتها التي تقضي بها شؤون حياتها المختلفة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الصحابة الكرام لا يُحبهم إلا مؤمن ولا يُبغضهم إلا منافق أو جاهل
نشر في العدد 2173
29
الثلاثاء 01-نوفمبر-2022
التفسير العلمي للقرآن.. هــل يتحقق الإعجاز القرآني بالإعجاز العلمي؟
نشر في العدد 12
31
الثلاثاء 02-يونيو-1970