العنوان «الأقصى».. بين «الطوفان» والعقيدة الخلاصية الصهيونية
الكاتب زياد ابحيص
تاريخ النشر الأربعاء 01-نوفمبر-2023
مشاهدات 13
نشر في العدد 2185
نشر في الصفحة 55
 
                                    
                                الأربعاء 01-نوفمبر-2023
«الأقصى».. بين «الطوفان» والعقيدة الخلاصية الصهيونية
كان العدوان على المسجد الأقصى، ومحاولة طمس هويته الإسلامية، وتوظيف الطقوس التوراتية لتحويله إلى مقدس مشترك تمهيداً لتهويده بالكامل؛ قادح التفجير الذي من أجله انطلقت «طوفان الأقصى».
ولعل ما تمكنت المعركة المظفرة من إلحاقه بالجيش الصهيوني من هزيمة مذلة يدفع للافتراض بأن الكيان سيحاول أن يتجنب تكرار هذه الهزيمة بكل الأشكال؛ وبالتالي سيتجنب العدوان على «الأقصى»، ويلجم جماعات «الهيكل» المتطرفة.
واقع الأمر أن الاستجابة الصهيونية تبدو مختلفة حتى الآن، إذ لجأ الاحتلال لتصعيد عدوانه على «الأقصى» بمنع المصلين من الوصول إليه، ووضع سقف عمري تراوح ما بين 60 - 70 عاماً على كل الصلوات منذ يوم السبت 7 أكتوبر؛ وليفتح بالمقابل باب الاقتحام للصهاينة بلا قيود، وليسمح لهم بالطقوس والرقص والقراءات العلنية للتوراة، في رد فعل نفسي يظن من خلاله أنه يثأر لهزيمته، وأن العنوان الأبرز الذي من أجله قامت المعركة لم تتمكن من تغيير مصيره، دون أن يدرك أنه بذلك يستديم أسباب الحرب والتفجير.
جزء كبير من فهم رد الفعل الخالي من العقل هذا قراءة موقع «الهيكل» في الفكر الخلاصي لحركات الصهيونية الدينية المتطرفة، فهذه الأيديولوجيا تؤمن بأن الغاية المطلقة لعملها السياسي تحويل الكيان الصهيوني إلى «مملكة الرب» التي يقودها الرب بنفسه عبر إرسال المخلص؛ ما يعني أن تحقيق أسباب تحولها إلى مملكة للرب ستؤدي في النهاية إلى أن يتدخل الرب في مجرى التاريخ بمعجزة ظاهرة «تكبت أعداء إسرائيل، وتخضع لها أعناق الأمم»!
تعتبر الصهيونية الدينية إقامة «الهيكل» أهم المقدمات المركزية لتحويل الكيان الصهيوني إلى «مملكة الرب»، وهم لذلك يرونه الجوهر الناقص للصهيونية التي يجب إكمالها بتحقيقه، إذا ما أدركنا طبيعة هذه الرؤية الصهيونية الدينية، فهذا يعني أن محاولاتهم لطمس هوية «الأقصى» وتحويله إلى «هيكل» ستشتد كلما ضاق الخناق عليهم، فكلما لحقت بهم الهزائم؛ فإنهم سيكونون أكثر حاجة للتدخل الإلهي المباشر بمجرى التاريخ، واستدعائهم لـ«المخلص المنتظر»، وبما أن «الأقصى» بوابة استدعائه؛ فإنهم سيلجؤون للعدوان عليه أكثر رغم أن المنطق العقلاني البحت يقتضي منهم أن يفعلوا العكس.
المهم أن نقرأه هنا أن اللجوء لهذا الخيار هو ابن اليأس وليس نتيجة الصلف، فإقرار الصهيونية الدينية بأن القوة الذاتية باتت عاجزة عن حسم المعركة هو ما يدفعها إلى أن تعتنق التدخل الإلهي باعتباره المخرج الوحيد، فالواضح أن الجيش الصهيوني غير قادر على فرض الانتصار وتصفية الأعداء، فلا بد من استدعاء القوة الإلهية لتفعل ذلك، وإذا ما صحت هذه القراءة، فيمكننا القول: إن المبالغة في استهداف «الأقصى» قد بات مؤشراً على مدى اليأس الصهيوني؛ على مدى الشعور بالمأزق واستشعار عجز التخطيط والفعل البشري عن تأمين مخرج منه، ما يجعل استدعاء التدخل الإلهي بوابة الحل الوحيدة المتبقية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل 
         
         
                 
        