العنوان الأمة الإسلامية بين الواقع والواجب
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أكتوبر-1972
مشاهدات 21
نشر في العدد 123
نشر في الصفحة 10
الثلاثاء 24-أكتوبر-1972
مساء الثلاثاء ۱۰ رمضان ألقى فضيلة الأستاذ حسن أيوب محاضرة قيّمة بعنوان، «الأمة الإسلامية بين الواقع والواجب» بقاعة المحاضرات بجمعية الإصلاح الاجتماعي.
وفيما يلي ملخص للمحاضرة: بدأ المحاضر كلمة بذكر صورتين من صور الجهاد والقتال بين القلة المؤمنة والكثرة الكافرة.. الصورة الأولى جرت أحداثها بعد موت سيدنا موسى -عليه السلام- واحتلال قومه من بعده وطلبهم من نبيهم شمعون أن يسأل ربه ليعرفهم بالرجل الذي يصلح لقيادة الجيش المؤمن حتى يلتف حوله المؤمنون ويحرروا بلادهم.
وقال لهم نبيهم: «إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا.. وارتضاه قائدًا لجيش الخلاص. فلما اعترضوا عليه بأنه ليس من أغنيائهم وذوي الثروة فيهم، بل هو إنسان مغمور فقير غير معروف جاءهم الرد من الله بأن طالوت عنده من قوة البدن ومن علوم الحرب وفنونها، ومن شجاعة النفس ومضاء العزيمة ما يجعله خيرًا من آلاف اللامعين بسبب الثروة والشهر.. إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم».
وانضم تحت لواء طالوت عشرات الآلاف من الجنود المحاربين، فأراد طالوت أن يعجم عودهم ليبلو صبرهم فسار بهم سيرًا طويلًا ولا ماء معهم حتى عطشوا عطشًا شديدًا، فلما قربوا من الماء الوفير العذب قال لهم: ﴿نَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ﴾(البقرة: 249).. إذ خالف أكثر الجند أمره وعصى قوله في أول امتحان فانكبوا يشربون حتى ملأوا بطونهم مع أنه لم يأذن لهم إلا أن يأخذ الواحد منهم غرفة يد فقط.
واستغنى طالوت عن أكثرية الجيش وسار القلة الصابرة حتى التقى بجيش عدوهم جالوت وكان جيشًا رهيبًا في كثرته وعدته وتنظيمه، فلما رآه المؤمنون قال بعضهم: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ﴾ (البقرة: 249) فانبرى لهم إخوانهم يطمئنون ويثبتون بلغة الإيمان التي يعز على الناس فهمها، فقالوا لهم: ﴿كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ (البقرة: 249).. ووقفت القلة المؤمنة إزاء الكثرة الكافرة..
ورددوا نشيدهم الرباني الجميل ﴿رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴿البقرة:250﴾.
والتقى الفريقان: فريق مؤمن يعد بالمئات وفريق كافر يعد بعشرات الآلاف.. وحمى وطيس الحرب، وجاء من الله المدد والنصر، فوفق صبيًّا في جيش الإيمان ليلقي على رأس قائد الكفر قذيفة من قذائفه: حجرًا.. أو سهمًا.. فأصابته في مقتل فسقط.
وبسقوطه فانهارت عزائم جيشه، وقويت عزائم المؤمنين فتكوا بأعدائهم فتكًا ذريعًا وانتصروا عليهم ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ﴾ (البقرة:251)
••••
• أما الصورة الثانية فقد حدثت وقائعها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو بالمدينة التي كانت حينئذ الدولة، والعاصمة، وفيها الأمة والقيادة، والشعب الجديد المسلم وجيشه وحاكمه. وهو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان الرسول والقائد والحاكم والقاضي... إلخ.
وكان ذلك بعد خمس سنوات من هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام، وبعد أن انتصر على أعدائه عدة انتصارات، وطرد يهود بني قينقاع ويهود بني النضير من المدينة وبلاد الحجاز كلها وبقي في المدينة وما حولها عدة جيوب تسكنها قبائل يهودية تحمل في نفسها الحقد والغيظ، والحقد للإسلام، وأهله ورسوله.. فهم يهود بني قريظة بالمدينة، ويهود خيبر قريبًا منها فلما أحس اليهود بـأن مؤامراتهم ضد الإسلام لا نتيجة لها إلا تأديبهم ومعاقبتهم فكروا في أمر يستأصلون به الإسلام بالقضاء على رسوله، وعلى أتباعه معه..
فطافوا بقبائل الكفار يثيرون حفيظتهم ضد المسلمين ويؤلبونهم عليهم حتى استطاعوا أن يقنعوا قريشًا وغطفان وغيرهما أن يقوموا بعمل موحد، وأن يجيشوا أكبر عدد ممكن وينقضوا به على المسلمين لإبادتهم إبادة نهائية، وإلا فإن المسلمين سيفعلون ذلك بالكافرين... هكذا أفهموهم وأقنعوهم، ووعدوهم أن يكونوا معهم على المسلمين ناقضين بذلك ما بينهم وبين المسلمين من عهود.. وجاءت القبائل المتحزبة بجيوشها البالغ عددها عشرة آلاف محارب.. واستشار الرسول أصحابه فيما يفعل فأشاروا بحفر خندق حول المدينة في المواضع التي تعتبر نقاط ضعف فيها، لأنها ليس فيها مواقع طبيعية.
والتف جيش الكفر حول الخندق ولم يستطع فعل شيء یکید به المسلمين..
وأحس اليهود بأن مكيدتها باءت بالفشل فقد مضى عشرون يومًا والجيش في موضعه لم يستطع أن يقوم بهجوم واحد ناجح..
وأعلن اليهود تضامنهم العلني مع الكفار ونقضهم العهد مع المسلمين.. وأحس المسلمون بأن الخطر بات يحدق بهم ويطوقهم.
واقتطع الرسول من الجيش المدافع ثلاثمائة محارب لحراسة النساء والذراري ودخل المدينة بقيادة زيد بن حارثة.
وأخذ الكفار يستعدون للجولة الأخيرة يتحرشون بالمسلمين من وراء الخندق.. وطار صواب المنافقين وتراجعوا متخاذلين وعادوا إلى بيوتهم داخل المدينة ليحرسها حسب قولهم والحق أنهم فروا من المعركة ليمكنوا الكفار من المؤمنين..
ونادى بعض المنافقين في المسلمين يحرضهم على الاستسلام للهزيمة والعودة إلى النساء والذرية وقالوا: ﴿يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ (الأحزاب: 13).
وزاد إحساس المؤمنين بالخطر الداهم من الداخل والخارج على حد سواء.
فالكفار من اليهود من حولهم، والمنافقون من داخلهم، وجيشهم محصور في غير مأمن، وبيوتهم معرّضة لأن ينقض عليها اليهود والمنافقون فيقضوا على من فيها..
وهنا صور القرآن الموقف كله تصويرًا دقيقًا فيقول: ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)﴾ (الأحزاب: 10-12).
وماذا بعد هذا؟
المدينة العاصمة والدولة محاصرة حصارًا عنيفًا محكمًا! والمنافقون في الجبهة الداخلية أخذوا ينشرون الشائعات ويروجون للهزيمة!
وليس للدولة أي صديق خارجي يمكن الاعتماد عليه..
وليس هناك منفذ لتهجير النساء والأطفال.
وما حول المدينة من زرع قد أكلته دواب الكافريـن أو أفسدته..
ومع ذلك كله لم تضعف ثقة أحد من المؤمنين بربه، ولم يخطر ببال واحد منهم أن يستسلم لعدوه بأية صورة من الصور.
لذا مدحهم الله بقوله: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: ٢٣).
إلى هنا نجد الأمور كلها قد تكشّفت.
واليهود قد غدروا بالمسلمين وأعلنوا الحرب عليهم مع بقية الكافرين.. والمنافقون أشاعوا الهزيمة وفروا بجبنهم، إلى نسائهم وصبيانهم.
والمؤمنون مع قلتهم صدقوا الله، وتضرعوا إليه أن ينصرهم.
حينئذٍ أتت آية الله، ونزلت ملائكته، وصدق المؤمنين وعده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، فأرسل على الكافرين ريحًا مع الملائكة تدمر ما أتت عليه من خيام وقدور، وتضرب بعض الكافرين ببعض، وقد ظلم ليلهم كأشد ما يكون الإظلام، وألقى الله الرعب في قلوبهم وولوا مذعورين، وقبل أن يصبح الصباح كانت الأرض حول المدينة قد خلت من كل الكافرين... ثم تحوّل الرسول ومن معه بأمر جبريل إلى الغدرة من يهود بني قريظة، فحاصرهم حتى استسلموا، ثم قضى على كل محارب منهم، واستحيا الذرية والنساء.. وحالنا اليوم هو حالنا بالأمس.
فالأمة الإسلامية الآن مطوقة من كل جانب، وليس لها من خارج بلادها صديق واحد تعتمد عليه، والمنافقون في الداخل يمارسون أسلوب الهزيمة، والتشكيك والتكفير بشتى الوسائل، والقلة المؤمنة وضعها الآن يختلف عن وضعها أيام الرسول في غزوة الخندق.
فلا قائد يجمع شملها وتلتف حوله باسم الله وتحت علم التوحيد والجهاد في سبيل الله وحده.
ولا رابطة تربط بين الفئات القليلة المؤمنة التي لن يأتي النصر إلا على يديها.. وهي ممنوعة من أن تمارس حقها في الحياة بأسلوب المؤمنين ومنهجهم حسب القرآن الكريم والسنة النبوية.
كما أن المؤمنين مطاردون داخل بلادهم ومشتتون بطريقة تجعل من العسير جمعهم في جيش واحد.
وكثير منهم يعيش في السجن، أو الاعتقال، أو النفي، أو العزل السياسي، أو الحرمان من حقوق المواطن، ومصادرة أمواله وممتلكاته.
والزعماء المحدثون يقفون للإسلام موقف المحارب له، لأن نور الإسلام لو سلط عليهم لكشف خباياهم وأظهر أن كثيرين منهم يعملون لصالح إسرائيل وأعداء الإسلام في كل جهة من جهات الأرض.
والجيل الجديد ضائع تائه لا يدري أين يلقي عصاه ويستقر.
وعلماء الإسلام محبوسون عن كلمة الحق، وإلا فالسجون والمشانق في انتظارهم وخطباء المنابر يرسم لهم خط المقال مشروطًا فيه ألّا ينكروا منكرًا رضيه الزعماء، ولا يتكلموا بحق لا يؤمن القادة به ولا يريدونه.
والشعوب الإسلامية اليوم تعيش في سجنها الكبير بسبب قادتها وزعمائها المصنوعين خارج أرضها وبعيدًا عن دينها.
والأمة الإسلامية اليوم فقدت معالمها وشخصيتها.
والإسلام في الجامعـــــــات والمدارس يعرض بصورة تنفر منه ولا تحبب فيه.. صورة كأنها تقول: هذا هو الإسلام فارفضوه وابحثوا عن شيء آخر..
وحتى الصالحون من العلماء أكثرهم لا يقول الكلمة إلا بثمن وحسب رضاء ولي الأمر وخلت المساجد من علمائها العاملين بعد أن صار كرسي الجامعة والمعهد أفضل وأعز عند أهله من روضة من رياض الجنة ومجلس علم في بيت الله ولو فتشت في المساجد فلن تجد إلا الفقراء ومن لا يقوم بهم أمر ولو بحثت المناهج بتدبر لأخذك طوفان الحزن حتى تكاد تهلك وجنود جيشنا اليوم جاءوا من الفراغ، وضعوا في الفراغ، لا عقيدة دافعة، ولا قيادة مؤمنة عاملة، ولا التزام بأي فرض من حقوق الله، وظهر في الأمة من يعلن الكفر فتصفق الأكف، ويرقى إلى أعلى المناصب، وجندت الكفر والفسوق طوائف شتى لا عمل لها إلا إغراق الأمة في الفواحش ووسمها بالإجرام وقتل روح الدين والإنسانية فيها.
وظهر شباب هيبيز وخنافس، ومنحل من كل مبدأ.
واعتنق أكثر شبابنا مبادئ أعدائنا فصار لا يصلح إلا للسجود لهم والخضوع.
وامتهنت المرأة فعريت من كل الفضائل، فمن ملابس تقول إنها مسلمة أو حتى عربية ذات حمية وإباء وغيره.
•••
هذا واقعنا اليوم.. فهل يأتي النصر؟!
ليس ذلك بعزيز ولا بعيد ولكن بشرط العودة..
بشرط أن يوجد القائد الذي يقود المؤمنين باسم الله لإعلاء كلمة الله ودينه وبشرط أن تعلن الأمة توبتها وعودتها إلى كتاب الله وسنة نبيه لتسير حياتهم حسب النهج الرباني الذي إذا وجد سار في موكبه؛ نصر الله أينما وجد.
وبشرط أن ترفع يد البطش عـــــن الشعوب لتقول كلمتها، وتعيد بناءه، وتحمل رسالتها كما حملتها من قبل مئات السنين.
وكل من جاء على يده الذل والاستعمار والاستعباد لا يصلح هو ولا فريقه لأن يأتي على يديه نصر بعد ذلك ما دام لم يغير شيئًا من نفسه، ولا من نظمه التي سببت ذلك كله.
لا بد من منهج لأمتنا.. وتربية إسلامية لشبابنا وجعل كل شبر في أرضنا معسكرًا لأبنائنا..
لا بد أن يكون الإسلام في المدرسة وفي الجامعة، وفي المجتمع، وفي السياسة، وفي الحرب هو الدعامة التي تبنى عليها نهضة أمتنا.. ﴿فَفِرُّوا إلى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ (الذاريات: ٥٠).
وهنا فقط ننتصر كما انتصر المؤمنون حين تألبت عليهم جميع الأحزاب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل