العنوان الأمطار والسيول كارثة بشرية ومادية جسمية في مصر
الكاتب بدر محمد بدر
تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
مشاهدات 15
نشر في العدد 1125
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
- مقتل أكثر من خمسمائة وتهدم أكثر من ١٧ ألف منزل في أنحاء متفرقة من مصر.
اجتاحت مصر موجة شديدة من الأمطار والعواصف الرعدية، أدت إلى حدوث حرائق شديدة وسيول مدمرة خصوصًا في جنوب الصعيد، وفي مدينة أسيوط والمناطق المحيطة بها لقي أكثر من ٥٠٠ شخص مصرعهم وأصيب الآلاف بعد أن جرفت السيول مئات المنازل التي تحطمت فوق رؤوس ساكنيها، وشب حريق هائل في مستودع للبترول في أسيوط أدى إلى ارتفاع ألسنة اللهب إلى عنان السماء وانتشرت النيران بكثافة خصوصًا بعد أن حملت مياه السيول البترول المشتعل إلى البيوت والشوارع مما دفع بالمواطنين إلى الهرب إلى الجبال والمناطق المرتفعة بعيدًا عن ألسنة اللهب الحارقة.
وتشير الأرقام شبه النهائية التي أعلنتها المصادر الرسمية إلى تهدم وانهيار أكثر من ۱۷ ألف منزل، منها عشرة آلاف و٥٠٠ منزل بمحافظة سوهاج وأكثر من ثلاثة آلاف في قنا وحوالي ۲۷۹۰ منزلًا في أسيوط و ٦٥٦ منزلًا في مدينة الأقصر، كما أتلفت المياه التي انحدرت في سيول رهيبة أكثر من خمسة آلاف فدان من الأراضي الزراعية بمحافظة سوهاج و۱۳۲ فدانًا بالمنيا و٤٠٠ فدان بالجيزة، كما نفقت أعداد كبيرة من الماشية والأغنام والماعز تقدر بالملايين.
وأعلن الدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء أن الخسائر المادية تزيد على ٥٠٠ مليون دولار «1,7 مليار جنيه مصري» وأن قتلى قرية درنكة وحدها زاد عن 330 حالة وفاة، وكانت مصر قد تعرضت لأمطار وعواصف رعدية لم تشهدها منذ حوالي ستين عامًا، بدأت منذ فجر الأربعاء قبل الماضي (٢ /١١) واستمرت لعدة أيام، وتسببت في خسائر جسيمة في جميع أنحاء البلاد، بينما تعرضت محافظات جنوب الصعيد «أسيوط وسوهاج وقنا ومدينة الأقصر» إلى كارثة لم تشهد لها مثيلًا من قبل في الأرواح والممتلكات نتيجة لسقوط المياه من أماكن جبلية مرتفعة أدت إلى إغراق جميع البيوت وتهدمها وارتفعت المياه إلى أكثر من خمسة أمتار في بعض المناطق، خصوصًا التي تقع في مجرى السيول، وأدى ارتفاع منسوب المياه إلى صعوبة الوصول إلى القرى والنجوع والكفور مما زاد من حجم الكارثة، كما أدى تفوق الأعداد الهائلة من الماشية والأغنام إلى انتشار الروائح الكريهة واتساع المخاوف من انتشار الأوبئة خصوصًا في محافظات سوهاج وأسيوط وقنا مما دفع وزارة الصحة لمحاولة تطعيم أكبر عدد ممكن من الناجين من هذه الكارثة من خطر الأوبئة والأمراض سريعة الانتشار.
وشهدت بقية محافظات مصر، خصوصًا الإسماعيلية والإسكندرية والجيزة والقاهرة والدقهلية عواصف رعدية وأمطار غزيرة تسببت في إحداث خسائر بشرية ومادية لكنها أخف من خسائر جنوب الصعيد والمنيا، ففي القليوبية تصدع وانهار أكثر من خمسين منزلًا ولقي ما يقرب من عشرة أشخاص مصرعهم، وفى الإسماعيلية تم إغلاق جميع الطرق لتعذر الرؤية في منتصف النهار وأعلنت حالة الطوارئ لمواجهة أية نتائج، واستمر هطول الأمطار في مدينة المنصورة لمدة ثلاثة أيام على التوالي أدت إلى وقوع انهيارات عديدة في المنازل والطرق ووقوع العديد من حوادث التصادم، وفى الجيزة حاصرت السيول أربع قرى وأغرقتها تمامًا في مركز الصف، وفي القاهرة ارتفعت المياه في صالات مطار القاهرة الدولي مما أدى إلى إرباك حركة السفر والوصول لمدة ثلاثة أيام متوالية، وقد غمرت المياه شوارع القاهرة إلى ما يقرب من نصف متر وعجزت البالوعات القليلة عن تصريف المياه الغزيرة، مما أدى إلى عدم تمكن العاملين والموظفين وطلاب المدارس والجامعات من الذهاب إلى أعمالهم، كما انقطع التيار الكهربائي عن مناطق عديدة من العاصمة والمحافظات.
وقد اتسم الأداء الحكومي لمعالجة آثار الكارثة بالبطء التنفيذي والضعف والقصور بالرغم من وصول رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والعديد من الوزراء ومسئولي الهيئات إلى مواقع الأحداث في توقيت مناسب وقد أكد ارتباك الأجهزة الرسمية إلى استهجان الكثيرين من القيادات السياسية والشعبية والحزبية لعدم وجود خطة طوارئ واضحة لمواجهة أحداث الكوارث، خصوصًا بعد تجربة الزلزال التي حدثت قبل أقل من ٢٥ شهرًا «۱۲ أكتوبر ۱۹۹٢» وظهر فيها عجز الأداء الحكومي عن التحرك السريع والمناسب والمؤثر، وما زالت بعض آثار «زلزال أكتوبر» لم تعالج حتى الآن.
وبالرغم من أن كارثة السيول الأخيرة فاقت في خسائرها المادية والبشرية كارثة الزلزال إلا أن وقوعها في المحافظات الجنوبية من مصر، ساهم في عدم إبرازها إعلاميًا بشكل واضح وبالتالي ضعف الاهتمام المحلي والدولي بآثارها ونتائجها مقارنة بالزلزال، وقد سارعت القوات المسلحة المصرية بالتدخل في المناطق المنكوبة لتخفيف آثار الكارثة، فأقامت معسكرات الإيواء وقدمت الأغذية والبطاطين والخيام والدواء وقامت بتسوية بعض الطرق وأقامت مراكز علاجية سريعة، ونقلت الحالات الحرجة إلى القاهرة لعلاجها، كما قامت بتجهيز أفران لإنتاج الخبز لسد حاجة المنكوبين بشكل سريع، كما سارعت لجان الإغاثة الإنسانية بالنقابات المهنية المصرية التي يديرها التيار الإسلامي بالتواجد في موقع الأحداث في نفس يوم وقوع السيول، وعاينت على الطبيعة احتياجات المنطقة، وقدمت الأغذية والأدوية والبطاطين والإعانات المادية، حتى إن مدير معسكرات الشباب بحي السلام بسوهاج أكد أنه لولا تدخل لجان الإغاثة الإنسانية بنقابتي الأطباء والمحامين بتقديم الأغذية والبطاطين لتَعرَّضَ المقيمون بالمعسكر وهم ١٠٦ أسر عندها أكثر من ١٠٠ فرد للهلاك وتردي الأوضاع أكثر وأكثر.
لجنة الإغاثة الإنسانية
وقالت مصادر لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء لـ«المجتمع» إن اللجنة قامت بواجبها حسب أقصى ما تستطيع بالرغم من التضييق الحكومي عليها وعلى مصادر التبرعات التي تتلقاها من مختلف فئات الشعب المصري الذي يثق في صدق جهودها لخدمة الوطن، وكان الدكتور عاطف صدقي قد أصدر قرارًا عسكريًا بصفته نائب الحاكم العسكري، بمنع أية جهة من قبول التبرعات أو الهبات إلا بإذن خاص، وذلك في أعقاب بروز دور الإخوان المسلمين ممثلًا في دور لجان الإغاثة الإنسانية في النقابات في معالجة آثار الزلزال وجودة وسرعة تحركها وتجاوب الجماهير معها.. وما زال هذا القرار ساريًا، إلا أن لجان الإغاثة تبذل ما تستطيع من أجل التخفيف من آثار كارثة السيول والمناطق المنكوبة.
على المستوى الشعبي والإسلامي دعا الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر أبناء الأمة إلى نجدة إخوانهم المنكوبين والتخفيف عنهم والتبرع من أجل إنقاذهم، كما دعت حركة الإخوان المسلمين في بيان لها إلى مد يد العون والمساعدة إلى كل مصاب والمسارعة إلى نجدته والتخفيف عنه، ودعت الحركة الشعب المصري إلى التكاتف والتلاحم والتعاون لإزالة آثار هذه الكارثة العظمي، كما دعا بيان الإخوان إلى العظة والاعتبار وتجديد التوبة والاستغفار، ونبه البيان إلى ضرورة إجراء الدراسات العلمية اللازمة لتفادي مثل ما حدث أو لتقليل الأخطار والنتائج، كما دعت القيادات الحزبية والسياسية إلى المسارعة بتقديم المساعدة والعون إلى المناطق المنكوبة والتخفيف من آثارها.
وقد وصلت إلى القاهرة كميات كبيرة من الأغذية والبطاطين والأدوية من العديد من الدول العربية وعلى رأسها السعودية والكويت والجزائر والبحرين، كما تبرع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لصالح منكوبي السيول أثناء زيارته للقاهرة وشكلت الولايات المتحدة الأمريكية لجنة لتقديم ما يمكن تقديمه من مساعدات، وفي مصر أعلنت جهات كثيرة شعبية ورسمية عن تبرعها لصالح المناطق المنكوبة، كما أعلنت الحكومة المصرية عن اعتمادها مبلغ ۲۰ مليون جنيه لمعالجة آثار السيول، ودعت مختلف فئات الشعب للمشاركة في رفع المعاناة.
وأكدت التقارير الواردة من جهات مختلف رسمية وشعبية أن المناطق المنكوبة خصوصًا في محافظات سوهاج وقنا وأسيوط ما زالت تعاني من شدة الأزمة، وما زالت الجهود المبذولة لاحتوائها قاصرة عن تخفيفها والتقليل من متاعبها وآلامها بالرغم من كل الجهود التي تم الإعلان عنها، لكن يبدو أن الكلام شيء، والواقع شيء آخر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل