العنوان الإسلام الطريق إلى السؤدد
الكاتب أحد القراء
تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1970
مشاهدات 70
نشر في العدد 36
نشر في الصفحة 23
الثلاثاء 17-نوفمبر-1970
الإسلام الطريق إلى السؤدد
بقلم مسلم
لم تعرف البشرية من كل تاريخها، نظامًا يتسامى بكل من الفرد والمجتمع ويدفع منها دائمًا إلى الأمام، في ذات الوقت الذي يصون فيه حقوق وإنسانية الفرد، وحرمة كيان المجتمع، بغير تعارض أو تضاد بينهما، كما عرفت في نظام وشريعة ودين الإسلام.
عرفت البشرية ذلك من الفترة القليلة من عمر الزمان التي وضع الإسلام فيها موضع التطبيق الصحيح، ورأت كيف صنع ذلك الدين القيم من الأشتات المتحاربة المتنافرة، أمة جعل منها أمنع الأمم، فتحت الدنيا ودانت لها العالمين كما رأت كيف صنع من الأنفس الضائعة قلاعًا للهمة والتقوى والمروءة والبسالة، تسامت بها الإنسانية وشرف بها الزمان، وباتت علامة للسيادة على النفس وعلى الدنيا كلها، لن يصل إليها أو يدانيها مجد أو عظمة على مر الزمان، وكان الطبيعي أن تستكين البشرية لعظمة هذه المبادئ الإسلامية، وتنهل من فبض نورها ما تصنع منه عالمًا زاهيًا ساميًا راقيًا موصولًا بالله، لا يرتكس في مهاوي الصنمية ولا ينحدر إلى صمأة الوثنية، ولا يضيع فيه الإنسان السيادة والقيادة والارتفاع، وهي التي رأت ماذا صنع الإنسان، وماذا يستطيع أن يصنع؟
ولكن قتل الإنسان ما أكفره، الإنسان الذي لا يستسيغ النور، والذي يفضل عليه الظلام.
فبدأت القوى الموتورة التي غلبها الإسلام على أمرها تكيد له ولأهله، وتطورت هذه القوى الحاقدة الشريرة إلى أن أصبحت قوى استعمارية منظمة، تعمل بتخطيط وإحكام على هدم هذا الدين وإفساد مفاهيمه وتحويل أبنائه عنه، وتسمت هذه القوى بأسماء مختلفة، انصبت من شرق ومن غرب، تحركها أيدي الصهيونية الخبيثة، وتلاقت كلها على العداء للإسلام والكيد للمسلمين، وبعد أن رأت فشل الهجوم والحرب العسكرية المكشوفة على معسكر الإسلام جنحت إلى أسلوب أشد مكرًا وأكثر خبثًا، حققت به غايتها أو تكاد، هذا الأسلوب الماكر الخبيث، هو أسلوب تصدير الأفكار الهدامة، مغلفة بغلاف يبدو زاهيًا، متسترًا بالعديد من الشعارات البراقة والأسماء الخداعة المضللة، واصطنعت لها واجهات من العملاء والمأجورين، تمدهم بمخططاتها وتزودهم بأفكارها السامة، بل وترسم لهم طريقة التنفيذ، فينهارون بقيم الإسلام، ويدفعون بالمسلمين إلى طريق السقوط والانحدار، حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه اليوم، مما لا يخفى على أحد!
وتدرك القوى الاستعمارية أنها تستطيع الثبات أمام الإسلام ودعاته في حرب مكشوفة وشريفة، وتدرك أن دعاة الإسلام هم وحدهم الأمناء الشرفاء الشجعان الذين لا ينحرفون ولا يتابعون ولا ينصاعون لغير مبادئ دينهم وقواعد رسالتهم، رسالة الحق والخير والعدل والعزة والارتقاء رسالة لا إله إلا الله، وحده تعنو له الوجوه، ووحده تنحني له الجباه، فكان أن جندت كل قواها وحشدت كل جحافلها، وسخرت كل واجهاتها وعملائها؛ لتصب النقمة على دعاة كلمة الله وحملة رسالته، تجري عليهم نوازل الفناء وتصب عليهم ألوان النكال والعذاب، تعلقهم على المشانق، وتملأ بهم السجون والمعتقلات تحاول أن تهدر إنسانيتهم وكرامة آدميتهم من أقبية العذاب، لتستأصل شأفتهم من الأرض، ولكن خاب فأل الماكرين
﴿يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ (التوبة: ٣٢) ﴿وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ (الأنفال: ٣٠) فرسالة الإسلام باقية، ودعاة الإسلام على الرغْم من العناء باقون قائمون يقظون.
غير أن وجود الحق لا يعني انتصاره، إذ لابد للحق من دعاة يدعون له، ولا بد له من جنود يقاتلون عنه وينتصرون له، جنود يستسلمون لحكم الإسلام، فيصنعهم بنفس الشكل الذي صنع به أسلافهم العظام، فيسودوا ويرتقوا، وجيش الله هذا، جيش الإسلام، المهتدي بهديه، المستضيء بتعاليمه، الممثل لأحكامه، المتشرب بمبادئه، هو وحده القوة الكفيلة بأن تقضي على كل شر زرعه الاستعماريون الحاقدون، وهم وحدهم القوة الكفيلة بدحر وهزيمة كل قوى الشر والفساد وانتزاع النصر والعزة من بين أنياب الهزيمة والضعة والذل.
إن أعداء الإسلام يدركون حقيقة القوة التي يمكنه أن يصنعها، فيضعون في طريقه العراقيل والأحابيل، ويجندون كل قواهم للخلاص من فئته الطاهرة المؤمنة.
فيا قومنا، إنه لا مرد من الله إلا إليه، ولا أمل لنا إلا بالعودة إلى رحابه سبحانه فكونوا جنودًا في جيش الله وانتظموا مع فئته الصابرة الآمنة، وفوزوا بعز الدنيا وجنان الآخرة ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ صدق الله العظيم (الرعد: ١١)