; الاحتشام سر الجمال | مجلة المجتمع

العنوان الاحتشام سر الجمال

الكاتب سلوى الحوماني

تاريخ النشر الثلاثاء 05-مايو-1970

مشاهدات 53

نشر في العدد 8

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 05-مايو-1970

  الاحتشام كلمة ينحني لها الرأس، وتبتهج بها القلوب؛ لأنها تتضمن معاني الخير والجمال. وهي إذا اتصفت بها المرأة، كانت تلك المرأة جميلة، ولو لم تكن في الحقيقة على قسط وافر من الجمال الجسماني، كما أن تلك الصفة تزيدها جمالاً وسحراً إذا كانت تلك المرأة جميلة بمعنى الكلمة.

 وللأسف نرى المرأة في هذا العصر تتخلى عن معاني هذه الكلمة باتجاهها نحو اللبس الفاضح الذي يكشف عن أكثر أجزاء جسدها، جاهلة ما تخسره بذلك من مظاهر الجمال الحقيقي الذي يبعث في نفس الناظر البهجة مقرونة بالاحترام، والإعجاب مقروناً بالراحة النفسية والاطمئنان.

  وهذا الإهمال من المرأة لمفهوم الاحتشام في هذا العصر، جعل الاحتشام غريباً عن مظهر حواء اليوم، بل جعله يقتصر على حواء الأمس، على جيل الجدات، حيث عاش ذلك المعنى محترماً شامخاً في الأجيال الماضية، ثم انكمش وتضاءل في جيل الحفيدات في هذا العصر المتهور الذي اتسم بطابع »الميني جيب»، بل »المايكرو جيب« الذي يكشف عن نصف فخذ المرأة أو أكثر. ولم يكن الجمال في يوم من الأيام في اللباس الفاضح، ولم تطمئن النفس الخيرة والعين المهذبة إلى منظر امرأة تجوب الشوارع عارية تقريباً أو نصف عارية.

  وقد يسر العين الماجنة، التي أعماها التهور، وعبثت بها المشاعر الخبيثة، أن تلتهم منظراً كهذا بفضول شرس وشعور شرير، ولكن ليس من صالح المرأة هذا، ولا من صالح مستقبلها، حيث إن وراء تلك النظرات تكمن نزعة الشر.

   فالاحتشام هو سر الجمال الحقيقي المهذب العميق الأثر في النفوس.

  وإن المكاسب التي تحصل عليها المرأة، وهي تلبس اللباس المحتشم، هي رضا الله تعالى ومحبة الناس واحترامهم وإعجابهم العميق. ولا يمكن للمرأة ذات اللباس الفاضح أن تحصل على هذه المكاسب أو تحوزها.

 وهذا الرأي هو وجهة نظر الدين، كذلك هو وجهة نظر الرجل أيضاً بشكل عام، واعتقاده الراسخ، وشعوره الغريزي، الذي يأبى أن يعجب بجمال مبتذل، لعبت به العيون الشريرة، ولطخته النوايا السيئة والمشاعر الخبيثة.

 وخاصة الرجل المسلم الذي يعتبر الجمال معنى أكثر منه مظهراً. ومعاني الجمال الحقيقي تتجسم في المظهر المحتشم الساتر.

 ولا يقتصر معنى الاحتشام على اللباس فقط. بل إنه يتعداه إلى حركات المرأة وسكناتها. إنه يشمل الكلمة التي تخرج من الفم والنظرة التي تصدر عن العين، وكل حركة تنم عن المرأة. فالرقة والحياء والاتزان، كل هذه الصفات إذا لم تكتنف تصرفات المرأة، فإنها لا يمكن أن تبدو جميلة ومحترمة. وما أقبح امرأة خشنة التصرف، تخلو من الحياء والتعقل، وما أبعدها عن النفس الخيرة والذوق السليم والعين الواعية.

  ولعمرى، لو سُئل رجل عربي عن سر الجمال الذي يعجبه ويحوز اطمئنانه لقال: إنه النفس المحتشمة المقرونة باللباس المحتشم.

 ولقد طُفْتُ البلاد العربية كلها تقريباً، ولم أسمع جواباً من الرجل غير هذا الجواب. ولكن المرأة لا تدرك هذه الحقيقة أو لعلها تدركها، ولا تريد أن تعترف بها، وهي منقادة وراء «موضة الميني جيب» الفاضحة، وكل الأزياء المتهورة، والأخلاق المتحللة التي تأتينا من الغرب الماجن الذي لا يقيم لشرف المرأة وزناً، ولا يفرق بين العين الشريرة التي تلتهم جسد المرأة المكشوف في الشوارع والمجتمعات، وبين العين الراضية المطمئنة أمام جمال الاحتشام وعذوبة الأنوثة الحصينة.

   إن أخلاقنا الإسلامية الأصيلة التي كوّنّا بسببها حضارة عريقة في الماضي، تمنعنا من لبس الأزياء الفاضحة، فإن ديننا الحنيف الذي هو أبو الأخلاق السامية والرقي الحقيقي في الحياة، يمنعنا عن كشف أجزاء جسد المرأة منعاً باتاً. وذلك لصيانة المرأة من الأعين الشريرة وحفظ كرامتها، وكرامة زوجها وسعادتهما.

  إذن فالدين الإسلامي أيضاً قد قرر أن الاحتشام هو سر الجمال، وأنه أيضاً أيتها الأخت المسلمة هو سر الحياة الراقية والحضارة الحقيقية والمجتمع التقدمي الناجح.

   والاحتشام إذا كان ينبثق من صميم الأخلاق الفاضلة التي هي أساس الرقي، فإن هذه الأخلاق الفاضلة المثلى، لا يمكن أن تنبثق إلا من تعاليم ديننا الحنيف.

  ولقد برهن شبابنا المسلم على ذلك بالنتيجة التي جاءت لاستفتاء نشرته مجلة كبرى في قطر عربي مسلم، عن أي ثلاث صفات يفضلها الرجل لتكون في الفتاة التي سيختارها زوجة له. فاختار الأغلبية الساحقة من الشباب العربي المسلم أولاً «التمسك بالدين»، وثانياً «الذكاء» وثالثاً «خفة الروح»، ولم يفضل الرجل على التدين ميزة أخرى، حتى ولا الجمال نفسه بكل ما فيه من مفاتن ساحرة، لأن التمسك بالدين هو أبو الفضيلة والاحتشام، ولأن الاحتشام هو سر الجمال العميق الأثر في النفوس.

سلوى الحوماني

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الأسرة - العدد 6

نشر في العدد 6

20

الثلاثاء 21-أبريل-1970

العلامة أبو الأعلى المودودي

نشر في العدد 42

24

الثلاثاء 05-يناير-1971