; الاحتفال بالميت أم بالخيبة!؟ | مجلة المجتمع

العنوان الاحتفال بالميت أم بالخيبة!؟

الكاتب أحد الغرباء

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980

مشاهدات 24

نشر في العدد 494

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 26-أغسطس-1980

- من سوء حظ مصر وشعبها أن يموت شاه إيران فوق ترابها!؟
- كانت جنازة الشاه انفعالًا سياسيًا خططت له وسائل الإعلام الغربية!!
- ذهب الشاه وبقي الحكم عليه للتاريخ الذي لا تصنعه الأهواء

مما لا جدال فيه أن مصر من أكثر الدول ولوعًا بالاحتفالات بمناسبة وبغير مناسبة، ولا يمكن حصر الأعياد والمواسم التي تحتفل بها مصر على مسار العام وحتى الموت الذي لا يليق به إلا الصمت لأنه يستحث على العظة والعبرة، تقيم له مصر -دولة العلم والإيمان- الاحتفالات والمهرجانات، كما أنها تريد أن تعيد إلى الأذهان تاريخ الفراعنة الأقدمين.

مثلًا عندما هلك عبد الناصر، أبى المسؤولون إلا أن تكون جنازته مظاهرة صاخبة تتحدث عنها الركبان، حتى لقد استأجروا عشرات من النائحات يشققن الجيوب ويلطمن الخدود ويدعون بدعوى الجاهلية والحق أن عبد الناصر كان جديرًا بهذه المظاهرة الصاخبة، لأنه ترك أرض مصر محتلة، وترك شعب مصر مثقلة كواهله بأكثر من عشرة آلاف مليار من الدولارات، ثم إن أمجاد عبد الناصر لا تنسى جعل مصر ولاية روسية، وضحى بعشرات الآلاف من خيرة شباب مصر في حرب اليمن، وفي حرب الخامس من حزيران، ووقف إلى جانب الهند الهندوكية ضد باكستان المسلمة، وإلى جانب القمص مكاريوس ضد تركيا المسلمة، وكيف يُنسى مثلًا لعبد الناصر أنه ضرب الحركة الإسلامية في مصر وشل مسارها، وألقى بعشرات الآلاف من خيرة الشباب المسلم في غياهب السجون والمعتقلات زهاء ربع قرن من الزمان، وقدم من خيرة الطلائع رقاب عبد القادر عودة والشيخ فرغلي ويوسف طلعت هدية لأمريكا سنة ١٩٥٤، ورقاب سيد قطب وإخوته هدية لروسيا عام ١٩٦٥، عدا الذين استشهدوا في قاعات المعتقلات من التعذيب، وفي الجعبة الكثير من الآلام والأوجاع ...

وشاء الله وحده أن يهلك شاه إیران، ومن سوء حظ مصر، أن يلفظ أنفاسه الأخيرة فوق أرض مصر، وأن يواري جسده في تراب مصر، وكان لا بُد أن يقام لموته مهرجان بل مهرجانات ومظاهرة بل مظاهرات من ناحية لكي يغطي على الخيبة التي منيت بها السياسة المصرية، حيث توجه إليها إسرائيل اللطمة تلو اللطمة ولن يكون آخر اللطمات موافقة الكنيست الإسرائيلي على اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ومن ناحية أخرى، لكي تغطي هذه المهرجانات والمظاهرات لموت الشاه على إفلاس السياسة الداخلية والخارجية لمصر على السواء... 

إن جنازة الشاه كانت انفعالًا سياسيًا خطط له، ولا يمكن أن تبرأ ساحة وسائل الإعلام الغربية ولا المخابرات المركزية صاحبة الكلمة الأولى لدى وسائل الإعلام الأمريكية، وذلك لامتصاص جزء- ولو قليلًا- من سخط الشعب الأمريكي لمحنة الرهائن، وقد بدا هذا الانفعال السياسي على الرئيس السادات دون مبرر لدى العقلاء، ومن حقه أن ينفعل انفعالًا ذاتيًا، بحكم صداقته للشاه، أو بحكم مجاملته لأمريكا، لكن الشعب المصري المسلم لا مكان له في هذا الانفعال حتى ولو تحدث باسمه، وهو صامت على رغم منه، هذا الشعب المصري المسلم لم يرحب بالشاه حيًا ولم يرحب به ميتًا، كذلك لم يشمت لمرضه ولا لموته...

وقد دهش الرأي العام هنا لتصريح السيد الرئيس، بأنه قرر عدم توجيه الدعوة لأي من رؤساء الدول الإسلامية للاشتراك في تشييع جنازة الشاه؟! والحقيقة أن أيًا من رؤساء الدول الإسلامية لا يمكن أن يفكر في شيء من هذا القبيل، لا لأنه يخشى أن يتهم بالتحدي لشعب إيران، بل بالتحدي لمشاعر الشعب المسلم في كل مكان، بل بالتحدي لمبادئ الأخلاق ذاتها...

لقد عارض الشعب الأمريكي لجوء شاه إيران إلى أمريكا، لأن الشعب الأمريكي يملك أن يعارض بشتى الأساليب، وقد عارض إيجابًا، وعارض الشعب المصري لجوء الشاه المخلوع بالطريقة التي يملكها ويستطيعها... وقد عارض سلبًا، وشباب الجامعات عبروا عن رفضهم جهارًا، ولم تنشر الصحف المصرية هذا الرفض، لأنها صحافة «حرة» في ألا تنشر إلا ما يرضي سياسة الحكم، وفي أن تزيف إرادة الشعب، وتصوره بصورة مشينة بصورة الرضا عن السياسة ولو أدت به إلى الجحيم...

إن بعض تصريحات دول الغرب إثر هلاك الشاه، تعاطفت معه، وهذا شيء طبيعي، لأن الشاه كان عميلًا وخادمًا للغرب وصحيح أن بعض الشخصيات المرموقة -وتعد على الأصابع- قد شيعت جنازته وهذا شيء طبيعي أيضًا، ما دامت هذه الشخصيات اليوم بعيدة عن مسؤوليات الحكم. 

وصحيح أن سفیر إسرائيل في مصر قد اشترك في تشييع الجنازة، وهذا شيء طبيعي، ثالثًا لأن أفضال الشاه «المسلم» على إسرائيل لا تعد ولا تحصى، يكفي أنه فتح أبواب إيران على مصراعيها لتكون أرضها مرتعًا خصبًا لإسرائيل. 

تمارس فوقها كل الأنشطة السياسية والاقتصادية، وأمور المخابرات والجاسوسية وحتى تجارة الرقيق الأبيض، وفنون الدعارة الجبرية والسرية معًا... 

والحق: أن أشد ما يغيظ الإنسان، تلك المحاولات من بعض المسؤولين، وغير المسؤولين، والتي مؤداها أن نترك أمر الشاه للتاريخ، أي تاريخ أيها الناس؟ هل جرائم الشاه في حق الإسلام والشعب الإيراني أمر يمكن أن يختلف عليه عاقلان؟ عشرات الآلاف الذين قتلتهم «السافاك» في الشوارع والطرقات، وداخل السجون والمعتقلات عشرات المليارات من الدولارات التي نهبها الشاه وهربها لتستقر في مصارف أمريكا وأوروبا باسمه تعاون الشاه مع إسرائيل وإمدادها ببترول إيران المسلمة في كل حروب إسرائيل مع العرب والمسلمين، عشرات الألوف من الملايين التي كانت تبعثر على الحفلات والمهرجانات....

لقد أنفق الشاه «المسلم» خمسين مليونًا من الدولارات سنة ١٩٧١ على مهرجان «قورش العظيم» احتفالًا بمرور ٢٥ قرنًا على تأسيس الإمبراطورية الفارسية والتي قضى عليها الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا...

كنت أعتقد أو أظن بمعنى أصح في بعض الكتاب شيئًا -ولو يسيرًا- من الخير، ربما كان لبعض هؤلاء الكتاب عذر بمنطق المصلحة مثال الأستاذ أنيس منصور الذي أصبح الصحفي المدلل في عهد السادات، بعد أن زالت إمبراطورية الأستاذ محمد حسنين هيكل، الصحفي المدلل في عهد عبد الناصر كتب أنيس منصور في الأهرام بعد وفاة الشاه بيومين يقول: «أما الشيء الذي ليس عليه خلاف كثير، فهو ما الذي قدم الشاه لبلاده -وقد قدم الكثير-  ولكن الخلاف على الثمن الذي دفعه الشعب أو دفعه الشاه من أموال الشعب» وكنا نود أن يذكر الكاتب ما الذي قدمه الشاه لبلاده، سوى الدماء التي أراقها والفارسية التي أحياها على حساب الإسلام، والأموال التي نهبها، والتي بعثرها على مظاهر الأبهة الإمبراطورية؟

أما الأستاذ زكي عبد القادر فقد كتب في الأخبار في اليوم الثاني من وفاة الشاه يقول: «وستظل حياة الشاه قبل أن يلي العرش، وبعد أن تولاه إلى أن لقي ربه مثار خلاف كبير بين من يؤرخون له: هل أخطأ أو أصاب؟ هل كان حاكمًا شريرًا أم خيرًا؟ هل كان حريصًا على مصالح شعبه ينشد عزه ومجده، أم كان ينشد لنفسه العزة والمجد؟ هل كان حاكمًا قاسيًا أم كان أبًا رحيمًا بالشعب» إنها محاولة من الكاتب لإثارة البلبلة لدى القراء والتاريخ لا يعرف المجاملة.

التاريخ الذي لا تصنعه الأهواء، وقد سجل التاريخ للشاه صفحات سوداء، لا تمحوها كلمات المجاملة من الساسة الحاقدين على إيران ولا المرجانات التي أقيمت يوم هلاكه...
التاريخ لم يرحم الخديو توفيق الذي خان مصر، وبرعونته يسر للإنجليز احتلال مصر أواخر القرن التاسع عشر، ولن يرحم شاه إيران الذي خان إيران وطعن من الخلف الحركة الوطنية التي قادها مصدق في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين، وقد يسر الشاه للاستعمار الغربي الصليبي أن يفرض نفوذه على إيران ...

وبعد...
فإن من الشهامة أن نؤوي مجاهدًا وطنيًا صادقًا، وأن نكرم حياته ووفاته معًا، ولكن مما لا يمت إلى الشهامة بأدنى صلة، أن نؤوي اللصوص والسفاحين والخونة للإسلام والشعوب المسلمة، وإن المنطق السليم هو الذي يكيف «الشهامة» ويضعها موضعها، وليست الزعامات التي تكيف القيم بقوة السلاح والتهديد والوعيد، وفرض الرأي الواحد على الرأي العام المغلوب على أمره!!

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل