; الاحتلال العراقي للكويت وانعكاساته المدمرة على الانتفاضة | مجلة المجتمع

العنوان الاحتلال العراقي للكويت وانعكاساته المدمرة على الانتفاضة

الكاتب عاطف الجولاني

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

مشاهدات 9

نشر في العدد 1028

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

شكل الاحتلال العراقي للكويت والذي جاء في نهاية العام الثالث من الانتفاضة أحد أهم التحديات الخارجية التي واجهت الانتفاضة المباركة وشكلت خطرًا يتهدد وجودها واستمرارها ولم يقتصر التأثير السلبي للاحتلال العراقي وإفرازاته على مدة الأزمة التي امتدت عدة أشهر وإنما تجاوزت ذلك إلى المدة التي تلت انتهاء الأزمة وحتى الآن ولا نبالغ إذا قلنا إن الاحتلال والأزمة التي خلفها قد شكلت ضربة قوية وكادت أن تكون قاصمة لولا رعاية الله أولًا والقوة الذاتية وإرادة البقاء والاستمرار ثانيًا ويمكن تلخيص أهم تلك الانعكاسات السلبية المدمرة على الانتفاضة في الجوانب التالية:

 أولًا: الانقسام العربي وتراجع مكانة الانتفاضة في سلم الاهتمامات.

فقد أدى انشغال العالم بمتابعة الاحتلال العراقي وما تبع ذلك من تمحور وانقسام في مواقف الأنظمة العربية إزاء الأزمة وغياب التضامن العربي في حده الأدنى كل ذلك أدى إلى تراجع الاهتمام العربي والعالم بالانتفاضة وتراجعها في سلم الأولويات العربية والدولية.

 ثانيًا: ضعف الاهتمام الإعلامي بالانتفاضة على المستويات المختلفة.

فبسبب الانشغال بالأزمة الناشئة عن الاحتلال العراقي شهدت الانتفاضة تعتيمًا إعلاميًا كبيرًا وأصبحت في درجة متأخرة من اهتمامات الإعلام العربي والعالمي وقد صرح إسحق شامير رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق آنذاك «أن مشكلة الخليج تضع جانبًا جميع مشاكل المنطقة بما في ذلك نزاعنا مع الفلسطينيين» وعملت إسرائيل في حينه على إقناع الدوائر الغربية بأن القضية الفلسطينية أصبحت في ظل الأوضاع المتفاقمة قضية فرعية.

ثالثًا: تراجع التعاطف العربي مع الانتفاضة على المستويين الشعبي والرسمي، بسبب مواقف «م. ت. ف» المؤيدة للاحتلال العراقي.

فقد أضر موقف المنظمة المندفع وغير المتوازن، وتأييدها المتهور لاحتلال الكويت بانتفاضة الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة. وقد كان جديرًا بمنظمة التحرير وفصائلها التي كان من المفروض أن تشعر أكثر من غيرها بحجم المعاناة الناجمة عن التشرد والاحتلال، وهي التي تدرك حجم القهر الذي يلاقيه الفلسطينيون تحت الاحتلال الصهيوني، ولكنها بدل أن تشعر بمأساة المشردين والمنكوبين وأن تتعاطف معهم اختارت تأييد الاحتلال.

 وقد صدم هذا الموقف غير المتوقع الشعوب العربية التي وقفت دومًا إلى جانب الشعب الفلسطيني وانتفاضته المباركة، وأحدث شرخًا نفسيًا على المستويين الرسمي والشعبي وبخاصة في دول الخليج تجاه الانتفاضة والقضية الفلسطينية.

 رابعًا: الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالانتفاضة بسبب الأزمة وأهمها: -

۱- توقف المعونات المقدمة من دول الخليج رسميًا وشعبيًا، والتي كانت تشكل أحد روافد الدعم الهامة للانتفاضة والمؤسسات الفلسطينية «كالجامعات والمستشفيات والجمعيات الخيرية والإسلامية» والتي كانت تتلقى جزءًا كبيرًا من ميزانيتها من دول الخليج.

۲- انقطاع تحويلات الفلسطينيين العاملين في الخليج، بسبب فقدان أعمالهم. وقد زادت الخسائر الناجمة عن ذلك على ۲۰۰ مليون دولار سنويًا.

3- أثرت الأزمة سلبيًا على قطاع الصادرات الفلسطينية وبخاصة الزراعية، بسبب توقف الصادرات الفلسطينية إلى دول الخليج والعراق والأردن. وقدرت خسائر الاقتصاد الفلسطيني السنوي في هذا المجال بنحو ٥٠ مليون دولار.

٤- ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشعب الفلسطيني إلى أكثر من 35% بعد عودة عشرات الآلاف من دول الخليج، وما شكله ذلك من عبء على الانتفاضة والاقتصاد الفلسطيني.

5- ارتفاع الأسعار بشكل كبير بسبب زيادة الاستهلاك مع عودة أعداد كبيرة، دون أن يقابل ذلك زيادة في الإنتاج.

خامسًا: استغلال «إسرائيل» للظروف المرافقة للأزمة في ضرب الانتفاضة.

فقد استغلت «إسرائيل» انشغال العالم بمتابعة تطورات الأزمة، وضاعفت من إجراءاتها الوحشية بغية توجيه ضربة قاضية للانتفاضة وإجهاضها، فشنت أوسع حملات اعتقالات جماعية في صفوف قيادات وكوادر الانتفاضة، وفرضت حظر تجوال واسع في الأراضي المحتلة خلال شهر كانون أول «ديسمبر» ۱۹۹۰.

كما كانت قد نفذت في 8/ 10/ 1992 مذبحة الأقصى التي استشهد فيها نحو ۲۰ شخصًا.

وقد شجع الوضع الإقليمي والدولي الناجم عن الاحتلال، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شامير على أن يعلن في 18/ 11/ 1990 عن هدف «إسرائيل» الاستراتيجي المتمثل في السيطرة على أرض إسرائيل من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، من أجل مستقبل الهجرة الجماعية والشعب اليهودي وقد أدت الأزمة بالفعل إلى صرف الأنظار عن الانتفاضة وعن هجرة يهود الاتحاد السوفياتي إلى الأراضي المحتلة، حيث وصلها أكبر عدد من المهاجرين اليهود في تاريخ الهجرة اليهودية إلى فلسطين ويشكل لم يحلم به اليهود من قبل.

سادسًا: استثمار نتائج حرب الخليج من أجل فرض تسوية سياسية تضمن إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي وضرب الانتفاضة المباركة.

وقد تمكنت الإدارة الأمريكية بعد الجولات المتتابعة لوزير الخارجية الأمريكي السابق بيكر من الضغط على الأطراف العربية بما فيها الطرف الفلسطيني، من أجل بدء مفاوضات غير متكافئة، وفي ظل أكثر الظروف الإقليمية والعالمية سلبية.

وقد كان للانعكاسات السلبية السابقة تأثير كبير على الانتفاضة، وأدى في بعض الأوقات إلى تراجع كبير في فعالياتها. وقد أشارت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في نشرة صوت الأقصى الصادرة في 20/ 9/ 1990 إلى تلك الانعكاسات وما خلفته في تشرذم في الصف العربي وتأثير ذلك على «المنطقة الخليجية التي كانت- بدون شك- رافدًا ماديًا ومعنويًا لشعب الانتفاضة المباركة داخل الوطن المحتل». كما أشارت في العدد الصادر في 15/ 10/ 1990 إلى أن الاجتياح العراقي للكويت والأزمة التي أفرزها قد وضع الانتفاضة والقضية الفلسطينية في الدرجة الثانية من الاهتمام العربي والدولي، «بل لقد شغلت أزمة الخليج قيادة الانتفاضة في الداخل».

 لكن، وعلى الرغم من كل ذلك فقد تمكنت الانتفاضة وعلى خلاف توقعات معظم الدوائر الغربية، التي راهنت على عدم قدرة الانتفاضة في الاستمرار وتجاوز المحنة، تمكنت رغم ضخامة التحديات من الاستمرار والتنامي، مؤكدة قوتها الذاتية وعمق تجذرها في الأرض.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الفقه والمجتمع.. عدد 1016

نشر في العدد 1016

9

الثلاثاء 15-سبتمبر-1992

المجتمع المحلي العدد 1049

نشر في العدد 1049

7

الثلاثاء 11-مايو-1993