العنوان الاسترداد النفسي أولاً
الكاتب جابر قميحة
تاريخ النشر السبت 11-أغسطس-2007
مشاهدات 15
نشر في العدد 1764
نشر في الصفحة 57
السبت 11-أغسطس-2007
يقال: إن صلاح الدين الأيوبي. في زحفه الميمون لاسترداد القدس والمسجد الأقصى، كان يأمر المسلمين بعد صلاة العشاء بتلاوة القرآن. فإذا رأى خيمة صامتة أشار إليها قائلاً: «الآن نعرف من أن نؤتى، أي أننا إذا هزمنا فالسبب هو هذه الخيمة الصامتة. لأن التلاوة ليست مجرد كلمات تردد، ولكنها تزرع في القلب الطمأنينة واليقين ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)﴾ (الرعد). وفي التلاوة الصادقة الخاشعة إرضاء لله سبحانه وتعالى الذي ضمن النصر للمؤمنين قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: 47) فإغفال التلاوة إذن، إنما هو إغفال لباب من أبواب النصر فتحه الله للمؤمنين.
وأمام هذه الطاقة الإيمانية الخارقة، يصبح قليل المؤمنين كثيرا، ويصبح كثير الأعداء. في نظر المؤمنين. قلة غير فاعلة.
في غزوة مؤتة كان عدد الروم ومن والاهم مائتي ألف أما عدد المسلمين، فلم يزد على ثلاثة آلاف، واستشهد القائدان زيد ابن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وجاء الدور على القائد الثالث وهو عبد الله بن رواحة ورأى أن أغلب المسلمين يستشعرون الخوف من هذا الحشد الهائل من الروم، فخطب المسلمين قائلاً:
يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور، وإما شهادة، وظل يقاتل حتى لقي ربه شهيداً.
وأمام هذا الشحن المعنوي الإيماني، يستهين المسلم بكل قوة لأنه يملك عدة التصدي، أو قائمة القيم التي يجابه بها أعداءه، من صبر، وثبات، وشجاعة، وإيثار. فهي عملية إعداد نفسي من ناحية وعملية تعويض عن أي نقص في عدته المادية من ناحية أخرى.
وقد أكد عمر بن الخطاب هذه الحقيقة في إحدى رسائله إلى سعد بن أبي وقاص - قائد جيش المسلمين في جبهة فارس - عندما كتب إليه: «أما بعد: فإني أمرك - ومن معك من الأجناد - بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وأمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما سينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم؛ فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننتصر عليهم بفضلنا، لم تغلبهم بقوتنا، ولا تقولوا : إن عدونا شر منا، فلن يسلط علينا، وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل - لما عملوا بمساخط الله - كفرة المجوس ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا﴾ (الإسراء:5)».
إنها حقيقة إيمانية، وحقيقة واقعية يؤيدها الاستقراء التاريخي، فمتى نعي؟ ومتى نأخذ أنفسنا بالحق والحقيقة، حتى نسترد المسجد الأقصى والوطن الفلسطيني المنهوب؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل