; الافتتاحية .. حرصًا على أرض الكنانة وشعبها | مجلة المجتمع

العنوان الافتتاحية .. حرصًا على أرض الكنانة وشعبها

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993

مشاهدات 16

نشر في العدد 1047

نشر في الصفحة 6

الثلاثاء 27-أبريل-1993

 

الأوضاع المتفجرة في مصر والتي تتصاعد حدتها يومًا بعد يوم بين الجماعات الإسلامية المسلحة، والحكومة المصرية ممثلة في قوى الأمن، تستدعي وقفة ضرورية لاحتواء هذا الصراع بدلًا من تصعيده لا سيما بعد محاولة اغتيال وزير الإعلام المصري صفوت الشريف في الأسبوع الماضي؛ فمصر هي أكبر بلد عربي من حيث الكثافة السكانية، ومصر صاحبة تاريخ إسلامي عريق، وعطاء فكري مستمر، ومصر كانت ولا تزال هي الهدف الأول للطامعين في العالم الإسلامي على مدار التاريخ، وهي الهدف الأول الآن للمطامع الصهيونية وقوى الاستكبار العالمية بموقعها المميز في قلب العالم الإسلامي، وثقلها السكاني وأرضها الخصبة ومواردها الغنية وحضارتها الزاهرة، وما يحدث فيها الآن من مواجهات واضطرابات أمر لن يستفيد منه أحد سوى أعداء الأمة.

لقد كان الكبت السياسي وعدم إتاحة الفرصة للإسلاميين حتى يعبروا عن آرائهم الصحيحة عبر منابر ووسائل الإعلام الرسمية منذ عهد عبد الناصر البائد، هو الدافع الأساسي وراء تنامي تيار العداء بين الشعب المصري والسلطة ممثلة في جهازها الأمني على وجه الخصوص لا سيما مع استمرار الضنك المعيشي وزيادة المعاناة لدى عامة الشعب.

وزيادة على الكبت السياسي فقد قامت الحكومات المتعاقبة بتجاهل التيار الإسلامي الممتد في طول البلاد وعرضها، واستخدمت أسلوب القمع بدلا من الحوار وإتاحة الفرصة للحوار والتعبير مما أدى إلى تصعيد المواجهات واندفاع الشباب المتحمس إلى المقاومة، ومن ثم ظهور حركات وتجمعات إسلامية مسلحة اعتبرت أن هذا هو أقصر الطرق لمواجهة القمع الذي تقوم به الحكومة وجهازها الأمني، ومع تصعيد الجهاز الأمني وتضخيمه لبعض الأحداث التي كان من الممكن استيعابها وتجاوزها، اتسع نطاق المواجهات.

واعتقد المتطرفون داخل النظام سواء من السلطة أو الجهاز الأمني أن تصعيد المواجهة والقمع هو الطريق الوحيد للسيطرة على الموقف، وقاموا باستخدام وسائل وأساليب وتجاوزات، انتقدتها كافة جمعيات وهيئات حقوق الإنسان على مستوى العالم، ودفعت كثيرًا من الشباب إلى الانتقام والرد بالمثل، مما أدى إلى اشتعال الموقف بصورة أكبر.

إن أكبر دليل على أن العنف الذي يستخدمه الجهاز الأمني ويصعده المتطرفون في السلطة لن يؤدي إلى حل وإنما يؤدي إلى مزيد من العنف، وهو ما يحدث الآن بالفعل من تصعيد في المواجهة قد يدخل مصر في دوامة لا نهاية لها.

ولعل فشل الحكومة الجزائرية في قمع الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر منذ يناير 1992 حتى وصلت خطورة الأمر أنه يكاد لا يمر يوم دون أن يقع فيه مزيد من الضحايا من الطرفين، ودون أن تتمكن الحكومة الجزائرية رغم استخدامها للجيش من قمعهم، حيث يبقى المحرك الديني يدفع الناس دائمًا إلى التضحية والمواجهة حتى وإن كانت مفاهيمهم خاطئة، وإننا نخشى أن تدخل مصر في هذه الدوامة التي دخلت فيها الجزائر، إن استمرت السلطة وجهازها الأمني في استخدام أسلوب القمع.

إن إصرار عناصر متطرفة في الحكومة المصرية وبالذات في المؤسسة الأمنية العسكرية على تغييب كافة أشكال الحوار والحرية السياسية للإسلاميين، واستخدام الرصاص كأسلوب وحيد للحوار، لم ولن يجني على مصر إلا الخراب والدمار، وإن لم يتوقف هذا الأسلوب فإن الأوضاع ستتحول من سيئ إلى أسوأ.

وإذا كان بعض الرسميين في مصر يروجون لفكرة أن القمع ضد الإسلاميين يتم بتحريض أمريكي أو أن وقف القمع سيوقف المليارات الأمريكية إلا مزيدًا من الخراب والغلاء والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتدهورت القيمة الفعلية للعملة المصرية، وأصبح الشعب المصري يعيش في ضنك يصعب وصفه.

لذلك يجب النظر لمصلحة البلاد بمنظار غير ذلك المنظار الذي ينظر به إلى الأمور الآن، ويجب أن يدرك الجميع أن مصر بها من الخيرات ما تستطيع أن تستغني به عن الدنيا كلها، إن وضعت مقوماتها في أيدي أبنائها المخلصين، وإلا فكيف كانت قوة اقتصاد مصر قبل أن يتولى أمرها لصوص انقلاب يوليو 1952.

أمر آخر هام يؤدي إلى تصعيد المواجهات بين الجماعات الإسلامية المسلحة والجهاز الأمني، يتمثل في الإعلان عن قيام تنسيق أمني بين مصر وبعض الدول آخرها الولايات المتحدة من أجل قمع الإسلاميين تحت مسمى قمع «الإرهاب» بل والإعلان علانية في الأسبوع قبل الماضي، عن قيام جيمس ويلزي مدير جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية «C.I.A» بزيارة للقاهرة تحت دعوى تكثيف التعاون الأمني بين البلدين في مجال تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب في المنطقة وإمداد مصر بمعلومات عن المصريين المقيمين في الولايات المتحدة والذين شاركوا في الجهاد الأفغاني بعلم المخابرات المركزية الأمريكية.

إن مثل هذه العلاقات والزيارات المريبة تؤدي إلى مزيد من المواجهة والعنف، وتجعل حتى عامة الشعب يشعرون بأنهم يحاربون بأيد خارجية داخل بلادهم.

إننا من خلال هذه الصورة ندعو السلطات المصرية إلى وقف هذه المواجهات الدموية التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والخراب للبلاد، وأن تجد الدعوة للحوار التي وجهها بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين للحكومة المصرية استجابة فورية، ويجب تشجيع هذا المسعى لاحتواء هذه المواجهات لا سيما وأن الجماعات الإسلامية التي تستخدم السلاح في التعبير عن رأيها، لا تمثل أغلبية التيار الإسلامي المتنامي في مصر، وهذا يجعل الطريق سهلًا أمام السلطات المصرية إن تخلت عن العنف، وفتحت الحوار مع الإسلاميين الذين أعلنوا استعدادهم للحوار ليكون ذلك بداية لتهدئة الموقف، وفتح قنوات رسمية لهم للتعبير بدلًا من التجاهل والتهميش، ومن ثم تهدئة الأمور مع الجميع وتفويت الفرصة على أعداء مصر وأعداء شعبها.

كما أننا نناشد الجماعات الإسلامية المسلحة انطلاقًا من الحرص والحفاظ على أرض الكنانة، أن يتخلوا عن أسلوب الرصاص، وأن يتخذوا الحوار سبيلًا لتحقيق مطالبهم، وأن ينتبهوا إلى أن أعداء الإسلام يتخذون بعض التصرفات التي تقوم بها هذه الجماعات، وسيلة يشوهون بها صورة الإسلام والمسلمين.

إننا نأمل أن تجد الدعوة إلى الحوار صداها لدى الحكومة المصرية، وأن يوفق الله هؤلاء الدعاة الوسطاء إلى تدارك الأمور حرصًا على أرض الكنانة وشعبها، والله الهادي إلى سواء السبيل.

الرابط المختصر :