العنوان الاقتراض لسد عجز الموازنة المصرية.. هل هو الحل؟
الكاتب طارق الشـال
تاريخ النشر الخميس 01-أكتوبر-2020
مشاهدات 85
نشر في العدد 2148
نشر في الصفحة 38

الخميس 01-أكتوبر-2020
الاقتراض لسد عجز الموازنة المصرية.. هل هو الحل؟
الحكومة تعتزم اقتراض ملياري دولار من تحالف مصرفي يضم بنوكاً عربية وعالمية لسد عجز الموازنة
ذكرالله: هناك عدم قدرة للدولة على تحقيق مستهدفها من الإيراد الضريبي وإغفال الإيرادات غير الضريبية وتنويع مصادرها
الصاوي: هذه القروض سيقوم بسدادها الأجيال القادمة وستكون خصماً من حقهم في الحياة وتمتعهم بالموارد الاقتصادية
الدين لا يزال يلتهم نحو 89% من الناتج المحلي ويتوقع تزايد تلك الأرقام مع نهاية عام 2020م
«المجتمع»- طارق الشال:
طرح البنك المركزي المصري، في 6 سبتمبر الماضي، أذون خزانة بقيمة 19 مليار جنيه (1.20 مليار دولار)، في ظل مجموعة من الديون التي تعمل الحكومة المصرية على اقتراضها خلال الفترة الحالية، بغرض سد عجز الموازنة العامة، وتدبير النفقات من خلال سندات وأذون الخزانة على آجال زمنية مختلفة، وتعتبر البنوك الحكومية أكبر المشترين لها.
وقد قامت وزارة المالية المصرية، في 30 أغسطس 2020م، بطرح سندات خزانة بقيمة إجمالية بلغت 7 مليارات جنيه (442 مليون دولار)، وذكرت الوزارة، عبر موقعها الإلكتروني، أنه تم طرح سندات خزانة أجل 3 سنوات بقيمة 4 مليارات جنيه بمتوسط سعر فائدة بلغ 14.563%، وبلغ أعلى سعر 14.59%، وأقل سعر 14.4%.
وتعتزم الحكومة المصرية اقتراض ملياري دولار من تحالف مصرفي يضم بنوكاً عربية وعالمية لصالح وزارة المالية لسد عجز الموازنة في العام المالي، وذلك عقب موافقة البرلمان وتوقيع عقود الانتهاء من جميع الإجراءات.
ويضم التحالف المشارك في تدبير القرض ما يقرب من 12 بنكاً عربياً وعالمياً، بينها «أبوظبي الأول»، و»الإمارات دبي» بصفتهما المرتبين بجانب بنوك «المشرق»، «إتش إس بي سي»، «سيتي»، «ميتسوى سوميتومو»، «ABC" البحرين.
وضاعفت الحكومة قيمة القرض إلى ملياري دولار بدلاً من مليار دولار كانت قد طلبت من بنكي "أبوظبي الأول" و"الإمارات دبي" الإماراتيين، تدبيره قبل شهرين تقريباً بغرض سد فجوة التمويل للعام المالي الحالي 2020/ 2021م.
ومن المتوقع أن تصل قيمة العجز في الموازنة العامة للدولة إلى 389.1 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى مايو 2019-2020م.
أسباب العجز
ورفعت مصر في مطلع مايو توقعاتها للعجز الكلي في الميزانية في السنة المالية الحالية 2019/ 2020م إلى ما يتراوح بين 7.8 و7.9% بسبب أزمة فيروس «كورونا» المستجد من توقعات سابقة عند 7.2%.
وبحسب الخبير الاقتصادي، أحمد ذكرالله، في حديثه لـ«المجتمع»، فإن أسباب عجز الموازنة في مصر تكمن في العجز المزمن في الميزان التجاري ونقص الإنتاج والاعتماد على الواردات وعلى الإيراد الضريبي بصورة أساسية بشكل من أشكال تمويل الخزانة العامة للدولة حتى أصبح يقارب الـ75% من جملة الإيرادات.
وأضاف ذكرالله أن هناك عدم قدرة للدولة على تحقيق مستهدفها من الإيراد الضريبي، وإغفال أهمية الإيرادات غير الضريبية وتنويع مصادرها وزيادة مواردها المختلفة، فعلى سبيل المثال؛ تحصل الدولة من نحو 30 شركة من شركات القطاع العام على ما يقارب 7 مليارات جنيه فقط، وبالتالي على الدولة الاهتمام بالإيرادات غير الضريبية.
وتوقع صندوق النقد الدولي عدم تحقق الإيرادات الضريبية التي جاءت في الموازنة الحكومية لعام 2019/ 2020م، بنقص 95 مليار جنيه (6 مليارات دولار)، كما توقع عدم تحقق قيمة الاستثمارات الحكومية الواردة في الموازنة الحكومية، بنقص 35 مليار جنيه (2.21 مليار دولار).
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، عبدالحافظ الصاوي، في حديثه لـ«المجتمع»، أن أسباب ارتفاع عجز الموازنة في مصر هو أن الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على الاستهلاك وليس اقتصاداً إنتاجياً، كما يعتمد أيضاً على الإيرادات الريعية التي تأثرت بسبب أزمة «كورونا» بشكل كبير، فضلاً عن حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد المصري منذ فترة، وبالتالي وجدت الحكومة نفسها مطالبة بسداد التزامات كثيرة.
وأشار الصاوي إلى أن سوء الإدارة الاقتصادية لدى الحكومة المصرية فيما يتعلق بالاقتصاد الكلي بشكل عام والموازنة بشكل خاص أدى إلى ارتفاع عجز الموازنة؛ لأن الفجوة التمويلية الموجودة في مصر قائمة، وتقدر بحوالي 28 مليار دولار تقوم الحكومة بتدبير 18 ملياراً من الجهاز المصرفي والسوق المحلية المصرية، وتعتمد على 10 مليارات دولار من سوق السندات الدولية أو الاتفاقيات الثنائية أو المؤسسات الإقليمية والدولية، وأصبح هذا الأمر يمرر سنوياً لسد الفجوة التمويلية في مصر.
وتابع: ليس لدى الحكومة خطة لتدبير مصادر تمويل من المدخرات المحلية التي تعد واحدة من المشكلات الكبيرة في الاقتصاد المصري، فمعدل الادخار في مصر يعد من أقل معدلات الادخار بالعالم، وذلك بسبب تراجع دخول الأفراد في مصر ومرور الكثير منهم بحالة فقر أو إفقار بسبب السياسات الاقتصادية الموجودة منذ 7 سنوات ماضية.
تداعيات العجز
ويعد عجز الموازنة في أي دولة يعبر عن مدى نجاح أو فشل الحكومات في إدارة شؤون الدولة الاقتصادية، فهو ليس مجرد رقم.
فالعجز قد يكون مستهدفاً لتحقيق معدلات اقتصادية مرغوبة، كأن يكون بنسبة محدودة لا تتجاوز من 3 - 6%، بغرض تمويل أنشطة استثمارية، تخلق فرص عمل جديدة، وتساهم في زيادة القيمة المضافة للنشاط الاقتصادي، وهنا يكون العجز بالموازنة محدوداً ومحموداً.
وأشار ذكرالله إلى أن الاقتراض من أجل سد عجز الموازنة وتوفير السلع الأساسية للمواطنين وسداد القروض والفوائد يزيد من الاقتراض الداخلي والخارجي، وبخاصة أن عجز الموازنة في مصر ما زال في تزايد شديد، نتيجة تضاعف فوائد وأقساط الديون خلال الفترة الماضية.
وأضاف أن عجز الموازنة العامة ينعكس أيضاً على قدرة الدولة سلباً على تمويل الاستثمارات المحلية، وبالتالي نلحظ تردي الخدمات المقدمة في القطاعات الخدمية مثل الصحة والتعليم والمواصلات وغير ذلك بسبب عدم قدرة الدولة على تمويل مثل هذه المشروعات.
وتبلغ قيمة إجمالي مخصصات أقساط القروض وفوائدها 1.12 تريليون جنيه، حيث تقدر مخصصات سداد القروض بـ555.5 مليار جنيه، أما مخصصات فوائد الدين فتقدر بنحو 556 مليار جنيه، أي 48.8% من جملة المقدر من الاستخدامات بمشروع الموازنة.
وتمثل اعتمادات الفوائد، بدون الأقساط، 33% مـن إجمالي المصروفات، كما تمثل مدفوعات الفوائد أكبر باب على جانب المصروفات منذ عام 2015/ 2016م، وفق البيان المالي لوزارة المالية.
وأكد الصاوي أن آلية أذون الخزانة هي واحدة من الآليات المتبعة لدى الحكومة المصرية منذ فترة، وهي واحدة من أسباب تفاقم مشكلة الدين في مصر؛ لأن الحكومة أصبحت تقوم بما يسمى بتدوير الديون، فهي تصدر أذون الخزانة لسد عجز الموازنة ولسداد الديون القديمة، فتحولت أذون الخزانة من إجراء استثنائي إلى إجراء أصيل لدى الحكومة المصرية، وهي واحدة من أكبر أمراض الموازنة المصرية، لذلك فعلى الحكومة أن تدير أمورها بشكل يمكنها من الاستغناء عن قضية الديون.
لكن للأسف الشديد، الحكومة الحالية تعتمد على الحلول السهلة على الرغم من تكلفتها الكبيرة على الأجيال القادمة؛ لأن هذه القروض سيقوم بسدادها الأجيال القادمة، وستكون خصماً من حقهم في الحياة وتمتعهم بالموارد الاقتصادية المتاحة في ذلك الوقت.
هذه الأموال كلها سيتحملها الشباب والأجيال القادمة للأسف، ولا توجد أي مؤشرات ولا مبادرات يمكن التعويل عليها لسداد هذه الأموال في المستقبل، لا سيما بعد تحويل الحكومة المصرية معظم الديون من ديون قصيرة الأمل إلى ديون متوسطة وطويلة الأجل، فأصبحنا نرى الآن قروضاً يمتد سدادها لما بعد 50 عاماً كاملة؛ وبالتالي لا يمكن التعويل على إمكانية سداد هذه الديون؛ لأنه قد يمتد إلى جيل أو جيلين في المستقبل، ويصعب جداً سداد هذه الأموال خلال الفترة الحالية؛ لأن هذه الأموال لم تقدم إلى مشروعات إنتاجية للأسف بل قدمت إلى مشروعات استهلاكية.
إمكانية السداد
ولا يزال الدين يلتهم نحو 89% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، كما أظهرت بيانات البنك ارتفاع الدين العام بنسبة 7.7% على أساس سنوي إلى 4.186 تريليون جنيه (نحو 266 مليار دولار) بنهاية سبتمبر 2019م، ومن المتوقع أن تتزايد تلك الأرقام مع نهاية عام 2020م.
بينما اعتبر الصاوي أن قدرة مصر على سداد الديون واحدة من القضايا التي تحتاج إلى شفافية من قبل الحكومة المصرية، واصفاً إياها بالمعضلة الكبيرة، مشيراً إلى أن حل مشكلة القروض بالنسبة لمصر يحتاج إلى إستراتيجية متوسطة وطويلة الأجل تحول الاقتصاد المصري من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، وأن يكون لديها رشادة اقتصادية في إدارة مواردها، والسعي للقضاء على الفساد وتوجيه الإنفاق بشكل صحيح.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

