; الانتظار في محطات التخدير ومحطات القلق | مجلة المجتمع

العنوان الانتظار في محطات التخدير ومحطات القلق

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 11-مايو-1982

مشاهدات 10

نشر في العدد 570

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 11-مايو-1982

في منطقتنا، التي اصطلحت عليها الأطماع واصطرعت فيها الأهواء، أصبحت مصائر الشعوب اليوم رهينة بمحطات الانتظار. ففي الخامس والعشرين من الشهر الماضي تم اجتياز إحدى تلك المحطات، التي طال صبر المنتظرين عليها، وهم اليوم حين يتحسسون النتائج التي أسفر عنها الانتظار، يجدونها باهظة التكاليف جدًا. فقد ازداد الجرح اللبناني عمقًا ونزفًا، وتعرضت القضية الفلسطينية لعواصف الاستئصال الدموي، والابتزاز السياسي، وتم تدمير المفاعل النووي العراقي، وضم الجولان.. وحملت آخر ساعات الانتظار ذاك أحزانًا جديدة للمسجد الأقصى، وعبئًا جديدًا بمصير الضفة الغربية وغزة، وإعدام الشهداء الخمسة خالد الإسلامبولي وإخوانه، ولعل أخطر ما حملته آخر مراحل الانتظار تدمير مدينة عريقة في بلد عربي على رؤوس ساكنيها. هذه أبرز النتائج الظاهرة، وليس ههنا مجال أن نستقصي مثيلاتها، ولا مجال أن نبحث في الأبعاد الأخرى الخفية من آثار الانتظار.

والحقيقة أن هذه اللعبة ليست عصية على الفهم، ففي ضباب الانتظار المحفوف بالصمت والقلق والذهول تصبح إرادة الشعوب مشلولة، وتخضع لموجة الخدر السياسي، الذي يسلب منها القدرة على تلمس قرارها، فتغدو أقرب إلى الإذعان وأميل إلى الصمت. وإذ ذاك تنتهز الفرصة بعض الأنظمة والأطراف، فتعمد إلى تصعيد الصراعات، وزيادة حدة التفجير، وترويج سوق المساومات، وتمثيل المهازل العسكرية والسياسية، وتصفية الأوضاع الداخلية..

ومثلما تقتضي مطامع القوى العظمى أن تطول فترة الانتظار، تقتضي ذلك أيضًا مصالح بعض الأنظمة والأطراف التي تبني وجودها وبقاءها على اضطهاد الشعب وقمعه والعبث بأمن المنطقة كلها.

واليوم تبدو حرب الخليج محطة من محطات القلق السياسي، بما تركته من آثار دامية، وبما تنذر به تطوراتها المحتملة من مخاطر كبيرة، ولا ريب في أن شعوب المنطقة قد طال انتظارها لوقف هذه الحرب.

وما دام وقف الحرب أمرًا ينطوي على أهمية بالغة، فهو يعتبر محكًا يتم على أساسه تمييز مواقف الأنظمة وسياساتها، مثله مثل سائر القضايا الكبرى التي تمس مصالح شعوب المنطقة وأمنها.

ومن أجل ذلك لا بد أن يلفت نظرنا أن معظم الدول العربية والإسلامية تسعى سعيًا جادًا لوقف الحرب، ولا أدل على ذلك من التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تجريها معظم الدول في المنطقة، لكن مما يثير الاستغراب أن يشذ عن ذلك بعض الأنظمة، فيعمل على تسعير تلك الحرب، وإذكاء حدة التناقضات فيها، وإحباط المساعي الرامية إلى إطفاء نارها.

وتبدو صورة هذا الشذوذ في أسوأ أشكالها، حين ينكشف التناقض البعيد- في المنطلقات والأهداف- بين الذين يسعون إلى وقف الحرب وبين من يعمل على تسعيرها، فمعظم الدول العربية والإسلامية تحاول أن تتطلع إلى هذه الحرب وآثارها ونتائجها من منظور يضع في الحسبان مستقبل المسلمين في المنطقة ومصالحهم، باعتبار العراق وإيران بلدين إسلاميين، على حين ينجح من يعمل على تسعير الحرب إلى حصر دوره في استغلال أوضاعها، ويلجأ إلى تكريس الفرقة بين المسلمين. بنفث سموم الطائفية، مما انعكست آثاره على الأوضاع اللبنانية، فتورط بعض الأطراف في صراعات دموية مع أحزاب الحركة الوطنية ومع المقاومة الفلسطينية أيضًا، فبدا على الصعيد اللبناني شاذًا، مثلما بدا ذاك على الصعيدين العربي والإسلامي شاذًا أيضًا.

والسؤال الذي يستحوذ على الاهتمام الآن:

متى ينتهي الانتظار على محطات التخدير ومحطات القلق؟ وإذا كان الجواب من طوايا المستقبل الغامض فإننا مع ذلك نعتقد بأن الخطورة التي تنطوي عليها تطورات الحرب في الخليج يجب أن تحمل الدول العربية والإسلامية على بذل أقصى الجهود لوقفها، وانتشال مصير الشعوب من لجة الدماء، ولئن كان المأمول ألا يطول الانتظار عن هذه المحطة، فهو أمل تهدده العراقيل التي يقيمها من ترتبط مصالحه باستمرار الحرب، ولعل هذا نفسه يدعونا إلى مطالبة الدول العربية والإسلامية أن تعيد النظر في ترتيب صفوفها، وتحديد أولوياتها، وأن تتجاوز مرحلة الصمت والتغاضي على المواقف الشاذة التي تقفها بعض الأنظمة، وأن تدرك بأنه لا بد من استئصال الأورام الخبيثة في جسد أمتنا أولًا، لتكون قادرة على التصدي لأعدائها الخارجيين من بعد.

الرابط المختصر :