; آفاق الانتفاضة السورية | مجلة المجتمع

العنوان آفاق الانتفاضة السورية

الكاتب سليم عبدالقادر

تاريخ النشر السبت 07-مايو-2011

مشاهدات 22

نشر في العدد 1951

نشر في الصفحة 18

السبت 07-مايو-2011

(*) كاتب سوري

مثلما يحدث في التراجيديا الإغريقية؛ حيث يسير البطل » إلى مصيره المحتوم المأساوي.. هكذا نرى الأنظمة المستبدة في العالم العربي بدءاً من تونس، مروراً بمصر وليبيا واليمن، ثم سوريا.. شعوب ملت القهر والذل والنهب حتى لم يعد لديها ما تخسره، وإذ بها تنتفض مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، وإسقاط النظام.

انتفض الشعب السوري مطالباً بحقوقه المشروعة، فماذا كان موقف النظام؟ كان کالطفل الشقي الغبي الساذج الذي يكسر الكأس ثم يرمي بالتهمة على أصحابه، على أيمن، بل أسعد بل محمود بل.. اتهم النظام المحتجين بالتخريب، ثم بأن هناك عصابات مسلحة تقتل الناس، ثم بدأ يحدثنا عن المندسين والمؤامرة والفلسطينيين وتيار المستقبل والإخوان والسلفية الجهادية.. مفردات لم تعد تحتفظ بأي قيمة أو مصداقية، تبع ذلك تخبط واضح في التعامل مع الأحداث؛ فهو يقتل المتظاهرين، وهو يقر لهم بحقهم المشروع في التظاهر، ثم يتفضل على أهالي القتلى بأن يمنح أبناءهم اسم الشهداء، لقد رأى الناس بأم أعينهم كيف أن هناك من يقتل القتيل ويمشي في جنازته. وفي إدارته الأمنية النزقة للأزمة راح يتخبط ويتخبط، فقد فرض تعتيما إعلاميا ظالماً على ما يجري، ومنع وكالات الأنباء ومراسلي الفضائيات من تغطية الأحداث وأراد أن يكون إعلامه هو المصدر الوحيد

للحقائق، وهو يعلم أنه إعلام يخضع لسيطرة القادة الأمنيين ولا يصدقه حتى المذيع الذي يقرؤه، ترافق ذلك مع تجنيد متحدثين باسم النظام مضطرين أو متطوعين للدفاع عن النظام، وتكذيب الحقائق التي تتسرب عبر الهواتف الجوالة وتعرض على شاشات الفضائيات، وقد اتجه هؤلاء - نتيجة ما يعانونه من أزمة أخلاقية - إلى مهاجمة الفضائيات ومذيعيها بشكل مسف وبائس محاولين تصوير الموقف وكأن هناك مؤامرة كونية على هذا النظام الممانع العظيم (!!) بدلا من التوقف عن الكذب، ومواجهة النفس والاعتراف بالحقائق كما هي على الأرض، وكما يراها الناس جميعاً.

بالطبع، هناك منطق عجيب عند النظام والمتحدثين باسمه.. منطق لا يخضع لأي منطق وعقل.. إنه نظام ممانع، وداعم للمقاومة.. لذلك فلا حرج عليه، ولا إثم أن ينكل بالشعب السوري، وينهب ثرواته ويذل أبناءه، ويدمر الإنسان فيه.. فإن قيل: هناك فساد أجابوا: إن كل الدول فيها فساد وإن قيل: هناك مظالم قالوا: هي أخطاء فردية، وإن قيل: نريد الحرية ردوا إنهم يدعمون المقاومة (!!)، منطق لم يعرف له الناس مثيلاً في التاريخ.. ليتفوق بذلك على «صدام حسين الذي احتل الكويت ليحرر القدس!!). وبدأت مسيرة الإصلاح المزعوم بالمراوغة والمكابرة.. وسين التسويف: سنعمل.. سنلبي.. سنصلح.. ولكن ليس تحت الضغط.. سنقوم بخطوات إصلاحية لكن على مزاجنا، وبالقدر الذي نراه صالحا، وفي الوقت الذي نراه مناسباً.. لأن الإصلاح المتسرع يهدد أمن البلد(!!)، «هل سمع أحد بأن الإصلاح يهدد استقرار وطن؟!»، نعم لقد قررنا المسير في طريق الإصلاح، وما على الشعب إلا أن يصبر على إصلاح يعطى بالقطارة، ويسير بسرعة السلحفاة.

بدأ الإصلاح بوعود مشكوك فيها.. مشكوك بالقدرة عليها.. ولأن البلد مزرعة خاصة، ولأن الحكم - بحسب أوهام الرئيس الوريث - مستمر ومستقر فيه إلى الأبد، فقد ذكر في خطابه الأول بعد اندلاع الانتفاضة أن هذه الإصلاحات هي عن السنوات العشر الماضية، وللسنوات العشر القادمة!! ولقي تصفيقاً حاداً من أعضاء مجلس الشعب. وسارت الأمور بشكل عجيب وجهان مختلفان لنظام واحد: الرئيس يجتمع مع العلماء والوجهاء، فيعطي الكلام المعسول والوعود البراقة، وقوات الأمن توغل في القتل والاعتقال وسفك الدماء.

وبدأ النظام العنيد العتيد الذي يرفض الخضوع للداخل والخارج يقدم التنازلات الشكلية، ويحاول الالتفاف عليها وتفريغها من مضامينها بقوانين ومراسيم أكثر سوءا، فالشروط التعجيزية في مرسوم تنظيم المظاهرات يجعل من المستحيل تنظيم مظاهرة معارضة ورغم ذلك، فقد كان للتنازلات الشكلية أثر رمزي عند الشعب الذي بدأ يشعر بقوته الحقيقية وبأنه قادر على أن ينتزع حقوقه انتزاعا ويسعى نحو المزيد.. وفي الوقت ذاته راح النظام العلماني يستعين بعلماء دين تابعين له، ويوظفهم في خدمته، وكأنه نظام يعرف الدين أو يقيم له وزنا (!!)، وأخذ هؤلاء المهمشون المتعطشون إلى لفتة حنان من نظام يحتقرهم أبدا يكيلون له المديح جزافاً، ويحاولون تخدير الشعب بمخدرات منتهية الصلاحية عديمة التأثير.

وراح إعلام النظام يسيء إلى نفسه ونظامه، بما يقدمه من مسرحيات هزلية رديئة ومساخر بائسة من تأليف القوى الأمنية، وإخراج الناطقين الرسميين، وبطولة مذيعين مساكين لا حيلة لهم ولا خيار غير قراءة تقارير أمنية تافهة، ومذيعات بارعات في فن المكياج فقط، إعلام لا يستحيي من تلفيق الأكاذيب بالجملة، ويعلن عن ضبط مندسين وأسلحة مهربة وعصابات وما تفتق عنه من خيالات ساذجة مريضة، لا علاقة لها بالعصر والمنطق، وظهرت فظائع في قرية «البيضة»، فكذبها الإعلام، وزعم أنها من عند البشمركة في العراق، فلما ظهرت الحقائق أسقط في يديه، وراح يزعم بأن المجرمين سيحاسبون، وهو يعلم أنه يكذب.

الحكاية باختصار أن الشعب السوري كسر القمقم، وحطم القيود، وذاق طعم الحرية، ولذة أيام النضال من أجل الحرية.. والواضح أنه ماض في طريقه حتى يحقق أهدافه الوطنية المشروعة في الحرية والكرامة، وتحرير الوطن من استعباد واستبداد لا يقلان فظاعة عن أي استعمار .. وقد أفشل مخططات الدولة الأمنية التي تنحصر إنجازاتها في ظلم الشعب ونهبه وقمعه.. أفشل مخططاتها في التخويف من الفتنة الطائفية، وفي جر المتظاهرين إلى العنف، وفي التلويح بحرب أهلية، وفي التخيير بين الاستقرار على مزاجها أو الدمار، فرفض هذا المنطق الأعوج، والمعادلة الخاطئة التي أنجزها النظام المستبد بعد نصف قرن من الحكم... أفشل الشعب ذلك كله، واختار شيئا واحدا : الحرية... ليعلن بذلك نهاية دولة آل الأسد»، وإلى الأبد .

الرابط المختصر :