العنوان الانتفاضة: الإنجاز السياسي والمستقبل
الكاتب جواد الحمد
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
مشاهدات 11
نشر في العدد 1028
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
- مدير مركز دراسات الشرق الأوسط - عمان
- ما هو الإنجاز السياسي الذي استطاعت الانتفاضة تحقيقه خلافًا لكل وسائل مراحل الكفاح السابقة؟
للإجابة على هذا التساؤل لا بد ابتداء من ذكر المزايا الخاصة التي امتازت بها الانتفاضة عن بقية وسائل الكفاح الفلسطيني، والتي أعتقد أن أهمها ثلاث:
الأولى: أنها تخوض المعركة فوق الأرض المحتلة مباشرة وليس من خارجها، وأن معركتها ضد الاحتلال بوضوح.
الثانية: أنها ضمت جماهير الشعب الفلسطيني بكل فئاته وطوائفه وتواجده الجغرافي هم رجالاتها وعصبها ووقودها.
الثالثة: أن مفاهيم الصراع على قاعدة الصراع الحضاري قد أصبحت الأساس الفكري والسياسي للمواجهة وجذر هذا الأمر تواجد التيار الإسلامي كطرف قيادي إلى جانب الأطراف الأخرى في قيادة الانتفاضة.
وعند التمعن في هذه المزايا الثلاث نجد أن الانتفاضة قدمت للقضية الفلسطينية إنجازًا سياسيًا متميزًا يتمثل بالآتي:
۱- إحياء القضية في الذاكرة الدولية باعتبارها قضية شعب يعيش تحت الاحتلال وليست قضية منظمات مسلحة تحارب إسرائيل فقط والتي كان الإعلام الغربي قد نجح بتصويرها في الغرب كمنظمات «إرهابية».
٢- تعرية التوجهات السياسية الصهيونية العدوانية الوحشية ضد شعبنا والتي كانت تختبئ خلف الطرح الديمقراطي، والارتباط الحضاري بالغرب وحفظ حقوق الإنسان وهو أمر سبب ضررًا سياسيًا مباشرًا للكيان الصهيوني، ولولا العجز العربي الفلسطيني، والانحياز الإعلامي الدولي لاستمر هذا الأثر حتى يومنا هذا.. لكن التحرك الصهيوني السريع استطاع محاصرة امتداد الانفتاح الإعلامي العالمي على هذه الحقائق والتي كانت ستضع إسرائيل في وضع سياسي محرج أمام حقائق ممارساتها اللاإنسانية ضد شعبنا.
3- تقدم التيار الإسلامي في قيادة الانتفاضة مما أعطى للجانب السياسي في القضية إضافة إلى الجوانب الأخرى روحًا جديدة على اعتبار أن التيار الإسلامي يدخل المواجهة كقائد للشعب لأول مرة في عمر الثورة المعاصرة منذ ١٩٦٧ وخصوصًا في الأراضي المحتلة.
هذا التطور أدى إلى تطوير التفكير السياسي الفلسطيني العام وأوجد مصطلحات ومفردات سياسية جديدة أعطت للقضية روحًا جديدة ونفسًا متميزًا، ولو تجاوبت القوى الأخرى مع هذه الروح واعتبرتها الشاب الذي سينقذ العائلة لما آل واقع القضية السياسي إلى ما آلت إليه.
- ما هو حجم انعكاس الإنجاز السياسي للانتفاضة على مسار القضية الفلسطينية؟
وقد كان لهذا الإنجاز السياسي المتميز انعكاس واضح على مسار القضية الفلسطينية، لكن هذا الانعكاس قد يسير باتجاهين متعارضين يتمثلان في عدة جوانب:
1- دفع هذا الإنجاز دول العالم الغربي وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية إلى التفكير الجاد لتنفيذ الحل السياسي للقضية والذي مثلته زيارة جورج شولتز وزير خارجية أمريكا عام ١٩٨١ الثلاث إلى المنطقة، وهو أمر لا يصب في مصلحة القضية لأن منطلقه كان الحرص على حماية أمن إسرائيل من جهة، وحفظ مصالح الولايات المتحدة في البلاد العربية من جهة أخرى.
۲- تحركت بعض دول الطوق العربية في الضغط على أوروبا وأميركا نفسيًا بالتحذير من خطر الانتفاضة على المنطقة كلها وعلى الأخص نحو التيار الأصولي الإسلامي فيها حتى يصفها أحدهم بقوله «إنها خطر على الجميع».
3- نظرًا للعجز المؤسساتي والفكري الذي كان قد تراكم في القيادة الفلسطينية، فقد نظرت إلى الانتفاضة بارتباك، فيما هي تنسجم مع طرح المنظمة وتنفذ موقفها السياسي الذي كان يصل إلى حد الشغب من خارطة المنطقة حتى عربيًا، فهي في نفس الوقت قد انطلقت خارج دائرة تخطيطها أو عملها، ليس كذلك فحسب، بل وتدفع فيها النفس والحماسة قيادات إسلامية ليست جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية، وقام مخطط المنظمة على محورين: الأول سرعة تدارك قيادتها وتوجيهها عبر إنشاء ما يسمى «بالقيادة الموحدة» في يناير ۱۹۸۸، وكذلك عبر المناورة السياسية بها لاستعجال بدء المسيرة السلمية لحل القضية الفلسطينية والتي توجهها قرارات المجلس الوطني التاسع عشر في 15/ 11/ 1988 في الجزائر.
4- أحيت الانتفاضة في نفوس الأمة العربية والإسلامية معنى قدسية فلسطين، ومعنى الجهاد على أرضها وحقيقة معركتها مع الصهاينة.. وقد تمثل ذلك بالتعاطف الشعبي العظيم من شعوب العالم الإسلامي خصوصًا في العامين الأولين..
5- أن تقدم التيار الإسلامي بطرحه السياسي لطبيعة الصراع قد بشر الشعب الفلسطيني بعودة القضية إلى حقيقتها، وأعاد مسيرة الكفاح الفلسطيني إلى جارتها الأولى.
1- أوقفت الانتفاضة «مرحليًا» قدرة العدو الصهيوني على شن عدوان واسع على أي دولة عربية وخصوصًا سوريا ولبنان، كما أثرت في العامين الأولين على تخفيف الهجرة الصهيونية إلى الكيان الصهيوني مما كان ينذر بزيادة نقاط فشل المشروع الصهيوني السياسي الحضاري في المنطقة.
- كيف استثمرت قوى الانتفاضة المختلفة هذا الإنجاز؟
- ورغم كل هذه الحقائق فقد تعاملت قوة الانتفاضة الأساسية معها بفلسفات مختلفة وبرامج ربما أحيانًا متناقضة خصوصًا في مجال الإنجاز السياسي.
ففي الوقت الذي اعتبرت بعض القوى وعلى الأخص الإسلامية منها أن هذه بداية لإنجاز المشروع الجهادي الشامل المناهض للمشروع الصهيوني؟ اعتبرت فئات أخرى أن هذه فرصة لإنجاز البرنامج المرحلي القائم على بعض التنازلات المتعلقة بالاعتراف بإسرائيل وقبول الصلح معه.. والتي مثلها الشروع الفلسطيني للسلام المقر في المجلس الوطني الفلسطيني في 15/ 11/ 1988 في الجزائر.. وقد برز على السطح الانتقادي هذا الخلاف السياسي وإلى هذه اللحظة لم يحسم الأمر بعد حيث ازداد كل طرف تمسكًا بخطه السياسي وأسلوبه في استثمار الانتفاضة وما زلت أذكر كلمة صلاح خلف «أبو إياد» عندما قال: «دماء شهدائنا في الانتفاضة هي التي ستدفن في قاعة المفاوضات».. في نفس الوقت الذي اعتبرها الشيخ أحمد ياسين خطوة جادة نحو جهاد شامل لتحرير كل فلسطيني وإشراك الأمة الإسلامية جميعها فيه وهو ما تمثل بدعوة حماس في بياناتها لكل القوى المجاهدة في دول الطوق لاجتياز الحدود والمساهمة معها في مقاتلة العدو.
- ما هو مستقبل الانتفاضة في ظل هذه النتائج؟
- بعد مرور خمس سنوات على انطلاق الانتفاضة فإن البيت الفلسطيني ما زال يعاني من تصدع فلسطيني ضخم يعيق على تحقيق إنجازات جهادية على صعيد قضيته ويضطره للانجراف أحيانًا في تيارات عربية ودولية لا تحقق للقضية أي مكاسب إن لم تأت عليها بالوبال.
ومثال ذلك التراجع السياسي الضخم الذي وقع بمشاركة الوفد الفلسطيني والوفود العربية الأخرى في مؤتمر مدريد 30/ 10/ 1991 ورغم ما يرى في بنية الانتفاضة من قوة دفع ذاتية وما يرى من استعداد شعبي متواصل للقضية والفداء، فإن الملاحظ أن الخط السياسي الرسمي الفلسطيني يتعامل مع المؤثرات على قراره دون احترام لعوامل بنائها الداخلية.. ومن هنا فهو يبدي استعداده لتقديم الانتفاضة ثمنًا للحكم الذاتي الإداري الذي اقترحه الكيان الصهيوني في الضفة والقطاع.. ولعل هذه النفسية التي يتعامل من خلالها بعض الفلسطينيين المنخرطين في العملية السياسية تشكل خطرًا على الانتفاضة.. خصوصًا إذا استجابت القواعد الانتفاضية التابعة «م. ت. ف» توجهات قيادتها المنفذة المستعدة لخوض معركة مسلحة ضد القوى الفلسطينية على استمرار الجهاد والانتفاضة وعندما ينتقل الصراع إلى البيت الفلسطيني تكون الانتفاضة قد أجهضت بالفعل وتحقق الهدف الصهيوني وانطمس الأمل الفلسطيني ردحًا من الزمان.. لكن العوامل الجديدة التي تفرضها بعض قوى الانتفاضة وخصوصا تصعيد الكفاح المسلح وإعادة إشراك الجماهير، إضافة إلى زيادة الوعي الجماهيري بكذب الوعود الصهيونية ربما يحفظ لها استمرارًا ويغذيها روحًا.
- ما هي الآليات اللازمة لتطوير هذا الإنجاز وتفعيل تأثيره الإيجابي على القضية الفلسطينية؟
- إن تفعيل الإنجاز السياسي للانتفاضة تستلزم ما يلي:
1- التقاء كافة قوى الانتفاضة على هدفها الأساسي وهو طرد الاحتلال.
2- توجيه كل جهود القوى للصراع مع الاحتلال ومنع استخدام السلاح واستنزاف القوى في الصراع الداخلي.
3- أخذ العوامل الفلسطينية بعين الاعتبار بنسبة لا تقل عن 75% عن اتخاذ القرار السياسي وذلك نسبة إلى العوامل الخارجية العربية والداخلية نظرًا لميلان الكفة في العوامل الخارجية لمصلحة العدو منذ زمن.
4- إعطاء قيادات الانتفاضة الحقيقيين الدور الفاعل والأساسي في رسم مستقبلها وتجاوب القيادات الأخرى مع مستلزمات هذا الدور.
5- تفعيل العمل الجهادي ضد الاحتلال والمستوطنين وبعمليات نوعية متميزة.
٦- إعادة تأطير وتنظيم الجماهير الفلسطينية أولًا والعربية والإسلامية ثانيًا في مواجهة شاملة مع المشروع الصهيوني ورأس الكيان الصهيوني في فلسطين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل