; الانعكاسات السلبية للتصريحات الرسمية | مجلة المجتمع

العنوان الانعكاسات السلبية للتصريحات الرسمية

الكاتب طارق الحمود

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أغسطس-1992

مشاهدات 12

نشر في العدد 1013

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 25-أغسطس-1992


 

الانعكاسات السلبية للتصريحات الرسمية

كوابيس الغزو ورسالة التطمين المفقودة

لا تزال كوابيسيوم الثاني من أغسطس عام 1990 ماثلة في ذاكرة الكويتيين؛ فصغارهم لن ينسوا صوت هدير الدبابات العراقية التي أفزعتهم صبيحة ذلك اليوم، ونساؤهم لا تغادر خيالهن صور أشلاء الشهداء وآثار تعذيب المعتقلين، ورجالهم سوف يذكرون بكل الألم والمرارة صور الإذلال التي واجهوها مع البعث العراقي المشؤوم في سبعة شهور هي أطول عليهم من السنوات المديدة.

 

إن مشاعر وذكريات بهذا الحجم وبهذا التأثير سوف تلقي بظلالها، كلما دارت دورة الزمان على يوم الثاني من أغسطس، وكلما لاح في الأفق خطر جديد من ذلك العدو الرابض المرتقب لغفلة أو فرصة سانحة؛ ولذلك فهم على الدوام بانتظار رسالة التطمين.

 

التصريحات الرسمية ورد الفعل الشعبي

 

تثق فئات كثيرة من المواطنين العاديين بما يصدر من تصريحات عن المسؤولين في جهاز الدولة، ويأخذون هذه التصريحات ومدلولاتها على أنها تعبير عن واقع معين أو مستقبل متوقع، بحكم معرفة واطلاع المسؤول على كثير من خبايا السياسة والأحداث التي لا يطلع عليها المواطن العادي. وهنا في الكويت، منذ بداية أغسطس الحالي وحتى هذا التاريخ، تعاقبت عدة تصريحات رسمية من مسؤولين تتفاوت مراتبهم، وقد حملت عدة رسائل للشعب الكويتي؛ بعضها أثار المخاوف والقلق، وبعضها استهدف التطمين وإشاعة الأمان. فالأولى أدت إلى آثار سلبية من حيث لم تقصد، والثانية جاءت متأخرة، فلم تفلح فلاحًا كبيرًا في زرع الثقة واستلال الخوف من النفوس.

 

الانعكاسات السلبية على الاقتصاد والمجتمع

 

إن من شأن أية عبارة تخويف يطلقها مسؤول ما لغاية حسنة، أن تشيع الوجوم لدى من يعنيهم الأمر. وبنظرة أعم وأشمل، على مثال أوضح، فقد كان من تأثير بعض التصريحات السياسية عن قرب حصول أمر ما في المنطقة، أن أعاد مشاعر الاضطراب للمواطنين والمقيمين، وانعكس ذلك على نواح اقتصادية واجتماعية وسياسية. فقد هرع الكثيرون إلى تحويل جزء من نقودهم إلى العملة الأجنبية تحسبًا لانخفاض العملة الوطنية نتيجة الأوضاع أو الأحداث المتوقعة، والبعض لم يكتف بذلك بل قام بالتحويل إلى الخارج لجزء كبير من أمواله التي كان يستبقيها في البلد شعورًا منه بعودة الأمان مرة أخرى، ليفاجأ بذريعة جديدة تثير مخاوفه. كما أن بعض الأسر اضطرت خوفًا من تطور الأحداث إلى السفر للخارج في هذه الفترة رغم ضعف قدرتها المالية طلبًا للأمان رغم ما قد يجره هذا الأمر من تبعات اقتصادية واجتماعية عليها.

 

هل تتوقع غزوًا قريبًا؟

 

إن التحذير الذي ينطوي عليه التصريح الرسمي، سوف يكون مطلوبًا وضروريًا، إذا كان الخطر المراد التحذير منه قريب الاحتمال، بل وقريب الوقوع. فهل حقًا هناك خطر جديد لغزو قريب؟

 

إن آراء المختصين العسكريين والسياسيين خلال الأيام الماضية من شهر أغسطس الجاري كانت تشير جميعها، إلى أن حصول غزو جديد إن لم يكن مستحيلًا في الظروف الراهنة فإنه بعيد الاحتمال إلى حد كبير. فقد صرح الجنرال «شوارزكوف» قائد القوات الأمريكية في حرب تحرير الكويت بأنه: "رغم البيانات والتصريحات التي تسمعونها في بغداد فإن الحرب -ببساطة- لن تحدث". وأضاف قوله: "إذا اندلعت حرب أخرى فستنتهي بأسرع جدًا من السابقة". وتشير مجلة «جينز» العسكرية المتخصصة أن الجيش العراقي وصل إلى 40% مما كان عليه قبل غزو الكويت، وأن قواته البحرية والجوية قد دُمرت بشكل كبير بحيث لم يبقَ صالحًا للاستعمال سوى عدد ضئيل من القوارب الحربية والطائرات، وما بين 28 إلى 30 فرقة تابعة للجيش نصفها تقريبًا منشور في شمال العراق بمواجهة الأكراد، وجزء منها في الجنوب لمواجهة الشيعة.

 

إن آراء المختصين ترى أن النظام العراقي غير مؤهل اليوم لشن حرب عدوانية جديدة بسبب التدمير الكبير الذي نال جيشه بعد حرب الخليج، وبسبب النقمة الشعبية المتزايدة ضد النظام، والتي زاد من حجمها مؤخرًا موجة الإعدامات الجديدة التي استهدفت فئة عريضة من التجار العراقيين ومن قبلهم أعدادًا كبيرة من العسكريين.

 

تشير تصريحات الخبراء إلى أن الجيش العراقي غير مؤهل لخوض أي حرب الآن رغم التهديدات الجوفاء من هنا وهناك.

 

أين يكمن الخطر؟

إذا كان الأمر كما سبق أن أسلفنا باستبعاد احتمال تجدد محاولة غزو جديدة للكويت، فأين يمكن أن يتمثل الخطر إذن؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نراجع ونتفحص مدى مواكبتنا واستيعابنا للتغييرات والأحداث التي حصلت منذ اليوم الأول للغزو إلى يومنا هذا، لنجد أننا لا نزال متخلفين عن فهم واقع الأحداث وقاصرين عن التقاط ثمرة الاستفادة من هذه التجربة المريرة.

 

إن الخطر يكمن في عدم استغلالنا فترة ضعف النظام العراقي وانشغاله بمشاكله الداخلية، في أن ندعم ركائز استعدادنا العسكري الذاتي، وأن نسابق الزمن في تكوين جيش كويتي قادر على الردع والدفاع عن أرضه وشعبه.

 

إن الخطر يكمن في ارتخاء العزائم وغفلة العين الحارسة عن تغطية حدودنا وثغورنا، فالنظام العراقي، وإن كان لا يقوى على غزو عسكري جديد، إلا أنه سوف يرضى في الوقت الراهن بتسريب مجموعات التخريب في مجتمعنا الآمن لإشاعة الاضطراب ومحاولة تفتيت وحدة المجتمع، كما حاول وفشل في عملية التفجيرات منذ وقت قريب.

 

إن شعبنا قد عرف بالتجربة أن وحدته الوطنية هي أقوى درع يقيه غوائل المعتدين، وقد وعى -ولله الحمد- أن وحدة صفه يمكن أن تضاعف عدد سكانه القليل في أعين أعدائه. لذلك، ينبغي على الحكومة أن تنطلق من هذا الأساس المكين والراسخ لتستكمل بناء الأمن لهذا البلد من الناحية العسكرية كما تكامل سور الأمن للجبهة الداخلية بالوحدة الوطنية.






 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل