; الذكرى الـ27 للغزو العراقي الغاشم.. دروس وطنية وعبر تاريخية | مجلة المجتمع

العنوان الذكرى الـ27 للغزو العراقي الغاشم.. دروس وطنية وعبر تاريخية

الكاتب سعد النشوان

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-2017

مشاهدات 1040

نشر في العدد 2110

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 01-أغسطس-2017

يصادف الثاني من شهر أغسطس الذكرى السابعة والعشرين للغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت؛ ففي فجر هذا اليوم صحت الكويت والعالم كله على كابوس ما زلنا نعيش آثاره إلى اليوم، وهو غزو القوات العراقية لجارتها الدولة الصغيرة والمسالمة دولة الكويت.

لقد مر هذا اليوم بكل ما حمل من آلام وعذابات ما زالت آثارها في حلوق من عاينوه وعايشوه حتى اليوم، لكن رغم هذه الآلام والمحن فقد انطوت هذه الذكرى على آمال ومنح ودروس عظيمة، حري بنا أن نقدمها ونبدأ بها بعثاً للأمل وشحذاً للهمم.

في الغزو تجلت مظاهر الوحدة الوطنية؛ حيث ذابت كل الفوارق بين الشعب الكويتي ولم تبق إلا كلمة واحدة «أنا كويتي»، وكذلك أبرزت الأزمة أن الشباب الكويتي مبادر وذو فكر منفتح بضوابط أخلاقية وإسلامية عندما تسنح له الفرصة يبدع؛ حيث كان الاعتماد عليه كبيراً في هذه الظروف.

ومن الدروس المهمة التي أبرزها الغزو دور العمل الخيري الكويتي في حفظ أهل الكويت؛ فقد أثبت الغزو أن الناصر بعد الله سبحانه وتعالى كان العمل الخيري، وفي هذا السياق نستذكر إلى ما ذكره د. عبدالرحمن السميط، رحمه الله تعالى، من أن قرى كاملة في أفريقيا كانت تدعو للكويت أثناء الغزو.

لقد أثبت الغزو أيضاً أهمية البعد الإستراتيجي لدول مجلس التعاون؛ فدول مجلس التعاون الخليجي مصيرها واحد، ولا بد أن يكون هناك تأكيد على هذا التعاون الخليجي وحل أي مشكلة خليجية في إطارها.

جذور تاريخية

يخطئ من يظن أن الغزو العراقي كان وليد اللحظة، وإنما هناك جذور تاريخية لهذا الغزو؛ فقد جاء أول ترسيم للحدود بين الكويت والعراق عام 1913م بموجب المعاهدة «الأنجلو-عثمانية» التي تضمنت اعتراف العثمانيين باستقلال الكويت وترسيم الحدود.

وقد نصت المادة السابعة من المعاهدة على أن يبدأ خط إشارات الحدود من مدخل خور الزبير في الشمال ويمر مباشرة إلى جنوب أم قصر وصفوان وجبل سنام حتى وادي الباطن، وأن تكون تبعية جزر بوبيان ووربة وفيلكا وقاروه ومسكان للكويت، وبينت المادة السادسة أن تبعية القبائل الداخلة ضمن هذه الحدود ترجع للكويت.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين احتلت بريطانيا الأراضي العثمانية في العراق، وقد طالب أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح في أبريل 1923م بأن تكون حدود الكويت هي ذات التي كانت زمن العثمانيين، وقد رد المندوب السامي بالعراق السير “بيرسي كوكس” على طلب الكويت باعتراف الحكومة البريطانية بهذه الحدود، وقد سعت بريطانيا بتعمد تصغير ميناء العراق على الخليج لكي لا تهدد أي حكومة عراقية مستقبلية النفوذ والسيطرة البريطانية على الخليج.

وفي 21 يوليو 1932م اعترف رئيس وزراء العراق نوري السعيد بالحدود بين الكويت والعراق، وفي 4 أكتوبر 1963م اعترف العراق رسمياً باستقلال الكويت وبالحدود العراقية الكويتية كما هي، مبينة بتبادل بالرسائل المتبادلة في 21 يوليو و10 أغسطس 1932م بين رئيس وزراء العراق نوري السعيد، وحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، من خلال توقيع محضر مشترك بين الكويت والعراق في اجتماع حضره كل من الشيخ صباح السالم الصباح، ولي العهد الكويتي آنذاك، وأحمد حسن البكر، رئيس الوزراء العراقي في تلك الفترة.

وتناست الكويت كل المشكلات السابقة، وفي عام 1979م اندلعت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، وقفت الكويت مع العراق، وتعرضت خلالها إلى الكثير من الأذى المباشر؛ مثل تهديد أمنها الداخلي من خلال بعض التفجيرات كتفجيرات السفارات والمنشآت الحيوية في عام 1983م، بل وصل الأذى إلى محاولة اغتيال سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، في رمضان عام 1985م الذي نجاه الله تعالى منها، وكذلك جاءت حادثة خطف الطائرات ومنها خطف الجابرية عام 1987م.

وبعد انتهاء الحرب العراقية عام 1988م، وفي مايو 1990م اتهم رئيس النظام الحاكم في بغداد دولتي الكويت والإمارات بالتسبب في انخفاض أسعار النفط، وكان العراق يتهم الكويت بأنها جزءٌ من مؤامرة لتخفيض أسعار النفط؛ ممّا ألحق بالعراق خسائر كبيرة نتيجة الفروق في السعر، وعدم قدرته على سداد الديون التي تراكمت عليه للكويت وغيرها من دول الخليج، وكذلك تم اتهام العراق للكويت باستغلالها لحوض نفطي مشترك بينهما أثناء انشغال العراق بحربه مع إيران، واستخراج كميات كبيرة من النفط وبيعها لحسابها، ورغبة العراق بالحصول على مساحات مائية أكبر على الخليج، خاصة بعد أن دمرت الحرب الموانئ العراقية وتخوف العراق من إمكانية تجدد هذه الحرب.

وأمام هذه الاتهامات قامت وساطات كثيرة لإنهاء الخلاف بين البلدين، وعقدت مباحثات بين البلدين في مدينة جدة بين سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، رحمه الله، الذي كان في ذلك الوقت ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ونائب رئيس النظام العراقي عزت الدوري في 31 يوليو 1990م، وتم الاتفاق على أن يكون الاجتماع القادم في الكويت، لكن النية السيئة كانت مبيَّتة لدى النظام العراقي السابق للغزو.

بعد الاجتماع في جدة بيوم واحد قامت القوات العراقية باقتحام الحدود الكويتية فجراً، مروعين الشعب الكويتي وكل من كان يقطن الكويت، بل صدم العالم بنقض العهود والمواثيق الدولية، ضارباً بها عرض الحائط، وبرر النظام العراقي البائد بوجود ثورة داخلية في الكويت، وهو ما تم دحضه بعد ذلك من خلال قيام مجموعة من رجالات الكويت والمواطنين بعقد مؤتمر جدة الشعبي، وإعلان البيعة لآل الصباح الكرام.

ولم يمضِ على الغزو 3 أيام حتى صرح النظام العراقي بدمج الكويت، مغيراً تكوين الخريطة العالمية، بل ارتكب في الكويت جرائم حرب لا تعد ولا تحصى، وقتل الأطفال والنساء، بل تعدى عدوانه إلى الحجر والبيئة، فقد قام في فبراير 1991م بتدمير 1073 بئراً نفطية، وإشعال الحرائق في 727 بئراً أخرى جعلت نهار الكويت مظلماً؛ بسبب الدخان الكثيف المتصاعد، ومسبباً الأمراض التي مازال الشعب الكويتي يعاني منها إلى الآن، وما انتشار أمراض الربو والسرطان في الكويت إلا آثار الدخان المنبعث أثناء حرائق الآبار.

صدمة عالمية

صُدم العالم أجمع بالغزو، وهرع الكويتيون للدفاع عن بلدهم، ولكن كانت القوات العراقية والحرس الجمهوري وما يسمى بالجيش الشعبي تضم حوالي مليون شخص؛ مما أذهل الكويتيين والعالم أجمع، وقد فتحت المملكة العربية السعودية حدودها لاستقبال الكويتيين، وقررت الحكومة الكويتية الخروج إلى المملكة العربية السعودية لقيادة معركة التحرير، وصمد الكثير من الكويتيين في مواجهة هذا الغزو الغاشم، وكانت أول دولة تدين الغزو هي الجمهورية اللبنانية الشقيقة.

وقامت دول مجلس التعاون الخليجي ودول العالم بإدانة الغزو، بل قامت دول المجلس وكذا مصر وسورية باستضافة العوائل الكويتية.

وعقد مؤتمر بالقاهرة في 10 أغسطس 1990م، وقرر عدم الاعتراف بالغزو العراقي للكويت وإدانته، وكذلك تشكيل قوة عربية للمشاركة في تحرير الكويت، وأصدر مجلس الأمن الدولي في 2 أغسطس قراره رقم (660) الذي طالب بانسحاب العراق من الكويت، بالإضافة إلى عدد من القرارات التي تصب في مصلحة الكويت؛ وأهمها القرار رقم (678) القاضي بتحديد 15 يناير 1991م لانسحاب الجيش العراقي من الكويت، وهو الأمر الذي لم يتم، وبدأت في 16 يناير 1991م الحرب الجوية إيذاناً بتحرير الكويت الذي تم في 26 فبراير 1991م.

ملحمة شعبية

لقد سطر الشعب الكويتي أروع ملاحم العصيان المدني والمقاومة المدنية والمسلحة؛ فمن أبرز مظاهر المقاومة المدنية أن العدو لم يجد أي مواطن كويتي يتعاون معه، بل شل الكويتيون كل مرافق الدولة باستثناء المرافق الحيوية كالكهرباء والنفط والغاز، بل استطاع الكويتيون أن يقلقوا العدو بالعمليات العسكرية النوعية الكثيرة.

وأصبح الشعب الكويتي قوة تزعج العدو، وأصبح الشباب يُعتمد عليه في كل شيء؛ فكان منهم من يدير الجمعيات التعاونية، ومنهم من يقدم كل مظاهر العون والمساعدة للمواطنين، حتى قام بعضهم بجمع القمامة وتنظيف شوارعهم في مظهر حضاري رائع رغم الغزو والحرب.

وكذلك أنشئت لجان التكافل في المناطق بالتعاون مع الحكومة في الطائف، كما ذكر رئيس لجان التكافل د. عبدالمحسن الخرافي.

وفي الخارج؛ كان الشعب الكويتي يقوم بالكثير من المظاهرات والفعاليات في أرجاء دول العالم للمطالبة باسترداد وطنه وأهله، ومن ذلك قيام الاتحاد الوطني لطلبة الكويت بكافة فروعه بالعديد من الأنشطة النوعية مثل ديوانية الكويتيين في لندن، وكذلك المسيرة الصامتة وغي

الرابط المختصر :