العنوان البنوك الإسلامية ترى النور بالمغرب
الكاتب عبدالغني بلوط
تاريخ النشر الجمعة 01-سبتمبر-2017
مشاهدات 19
نشر في العدد 2111
نشر في الصفحة 50

الجمعة 01-سبتمبر-2017
البنوك الإسلامية ترى النور بالمغرب
وصول العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة كان فرصة للتسريع بإطلاق خدمات البنوك الإسلامية
قوانين البنوك التشاركية بها اختيارات إسلامية مهمة لم يسبق التعامل بها في الممارسات القائمة
بعد طول انتظار، فتحت البنوك الإسلامية في المغرب وكالاتها أمام المواطنين والمهنيين والشركات، وذلك بعدما صادقت اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التابعة للمجلس العملي الأعلى، الذي يوكل إليه النظر في الأمور ذات الطبيعة الدينية، على عقود فتح الحساب وتمويل المرابحة.
حسب القانون يمكن للبنوك الإسلامية أن تقدم تمويلات لزبائنها من خلال منتجات أساسية أخرى؛ منها: الإجارة، والمشاركة، والمضاربة والسلم والاستصناع.
بدأ الأمر حالياً بخمسة بنوك، كل بنك فرع من بنك مغربي تقليدي، له رأسمال مستقل، وهو ثمرة شراكة بين البنك الأصل وبنك أجنبي (كلها دول عربية) له خبرة في مجال التمويل الإسلامي.
ويعتبر المغرب من البلدان العربية والإسلامية القليلة التي تأخر فيها إطلاق البنوك الإسلامية، بالرغم من أن الحديث عن ذلك امتد لعدة سنوات خلت، وصادق البرلمان عام 2014م على قانونها بعد مسيرة من نقاش حاد داخل أروقته، كما نشر في الجريدة الرسمية سنة 2015م، تحت اسم «القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها»، الذي يقضي بإدماج خدمات مصرفية جديدة إلى جانب الخدمات التقليدية، كما تم نشر آخر القوانين المتعلقة بالخدمات الإسلامية في مارس 2017م، قبل أن يتم الإعلان رسمياً في أغسطس الماضي عن إمكانية الولوج إلى خدمات هذه البنوك في المغرب.
وتنوعت ردود أفعال المواطنين بين مرحب لهذه البنوك التي سميت تشاركية ومتوجس من فعاليتها الاقتصادية وحسن معاملتها من زبائنها وتعقيداتها المسطرية.
فرصة سانحة
اعتبر عدد من الخبراء والمتتبعين والمواطنين أن وصول العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة سنة 2011م، كان فرصة سانحة من أجل التسريع بإطلاق خدمات البنوك الإسلامية في المغرب، حيث يرى عمر الكتاني، الخبير الاقتصادي والباحث في التمويل الإسلامي في تصريح لـ«المجتمع» أن المرجعية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية شكلت نقطة قوة لإخراج هذه التجربة إلى أرض الواقع.
لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، فكما ارتفعت أصوات الإسلاميين والمتعاطفين معهم بالتسريع بإخراجها؛ سادت مخاوف من خصومهم؛ لكون خروج البنوك الإسلامية سيشكل نقطة إضافية تزيد من شعبية العدالة والتنمية لاسيما مع اقتراب الانتخابات الجماعية – حينها - عام 2014م، وبعدها التشريعية عام 2015م، فإلى جانب الحكومة، كان لطرف آخر كلمته أيضاً وهو بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية، الذي وجه لها برلمانيون إسلاميون وغيرهم من الأغلبية والمعارضة، تهم المماطلة والتأخر في إطلاق البنوك الإسلامية في المغرب.
لمسة مغربية
من جهته، أوضح عبدالسلام بلاجي، رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، في تصريح لـ«المجتمع» أن قوانين البنوك التشاركية في المغرب بها اختيارات مهمة، منها ما لم يسبق التعامل به في الممارسات القائمة، وارتكزت على أصول الفقه الإسلامي وقواعده ولا سيما الاجتهادات المعتبرة في الفقه المالكي – المذهب المعتمد في المملكة - لكنها انفتحت على تجارب أخرى، وهي بذلك تتبنى الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وأوضح أن اللجنة الشرعية للمالية التشاركية المكونة من عشرة التي تذكر في قراراتها أنها اطلعت على تجارب في بلدان أخرى، بل إن أعضاءها قاموا بجهد كبير وزاروا عدداً من البلدان الإسلامية.
وأشار بلاجي إلى أن من اللمسات المغربية أن هذه اللجنة مستقلة عن الحكومة وعن بنك المغرب وهي تتخذ قراراتها بالإجماع، وتنظر في جميع المسائل المتعلقة بالتمويل التشاركي في المغرب.
ومن اجتهادات اللجنة المعتبرة أنها لم تجز العمل بغرامة التأخير في المعاملات بالمداينة وهي المرابحة والسلم والإيجار، ذلك أن الفقه المالكي لا يسمح بالغرامة على أساس التماطل، وإنما بجبر الضرر.
ومن اللمسات المغربية التي جاءت بها القوانين مبدأ «القبض الحكمي»، حسب بلاجي، مشيراً إلى أنه في بعض الاجتهادات الفقهية يكون القبض فعلياً وحسياً وإلا لا تتم عملية المرابحة، في حين أكدت اللجنة الشرعية المغربية مبدأ القبض الحكمي بمجرد توقيع العقد، وهي خطوة إيجابية ستسهل عملية الائتمان، وقال: إن المشرع راعى صعوبة التطبيق في حالة القبض الفعلي، وأضاف أن اعتماد القبض الحكمي أجازه الكثيرون، وأن المعاملات في التجارة الدولية تعتمد هذا المنطق بكثرة.
كما منعت اللجنة الشرعية للمالية التشاركية مثلاً ما يسمى بالتورق الممنوع؛ وهو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها لغير من اشتراها منه بثمن أقل ليحصل بذلك على النقد.
ومن الجدير بالذكر أن هذه البنوك يطلق عليها «البنوك التشاركية» بدلاً من «البنوك الإسلامية»؛ وهو ما علله الخبير الاقتصادي عبدالرحمن لحلو بالسعي إلى تنزيه الدين الإسلامي من أي انفلات أو فشل يطال التجربة لاحقاً أو إلصاق إنجازاته بالحقل السياسي، إضافة إلى تثمين الخصوصية المغربية تفادياً للتطابق اللاشعوري لدى المواطنين بين صورة البنوك الإسلامية في المغرب وصورتها في مجتمعات أخرى بمكوناتها الدينية والمذهبية والثقافية.
وفي المقابل، فلفظ «التشاركية» قد يكون له نقائص في مجال النجاعة التسويقية وطمأنة الزبائن من حيث المطابقة الشرعية، حسب لحلو لكن الحملات التحسيسية والحديث عن اللجنة الشرعية التابعة للمجلس العلمي الأعلى يمكن أن يبدد هذه المخاوف، كما يمكن تفادي هذا العجز التسويقي أيضاً بوسائل ذكية تخاطب الوجدان والشعور الديني من خلال التسميات والعبارات التجارية والأشكال الهندسية والألوان، وكذا هندام القائمين على الاستقبال والتسويق.
ويدعو لحلو إلى ضرورة إفراز نموذج جديد متميز من المصارف الإسلامية، وإلى بيان طبيعة التأقلم المرغوب والصيغة التي يجب أن يتخذها، وإبراز أهمية التفاعل الإيجابي والواعي للمتعاملين مع العرض الجديد، سواء الأفراد منهم، على صعيد الودائع الاستثمارية والتمويلات الاستهلاكية أو المقاولات على صعيد التمويلات التشغيلية والاستثمارية.
إقبال متزايد
ومنذ اليوم الأول لفتحها، عرفت وكالات البنوك التشاركية إقبالاً متزايداً من قبل المواطنين المغاربة لمعرفة الخدمات التي يمكن الاستفادة منها، وبحسب الاستطلاع الذي قامت به يمكن فتح أربعة أنواع من الحسابات، منها حساب جار يمكن صاحبه من معاملة بنكية محلية ودفتر شيكات وخدمات عن بُعد، كما يتيح البنك الادخار لتوفير الأموال، إضافة إلى ادخار العملة المحلية الدرهم القابل للتحويل، وهو حساب يتم تزويده بالعملات الأجنبية من خلال عمليات التحويل والدفع، ويمكن من إنجاز عمليات بالعملة المغربية الدرهم وتحويلات بالعملة الأجنبية بالخارج، وحساب يتيح التوفير على رصيد عملة أجنبية واحدة وإجراء عمليات تحويل مع الخارج وفق المقتضيات العمومية بها في مجال الصرف.
ومن المزايا التي توفرها البنوك التشاركية تخفيف عدد من الرسوم التي تفرضها البنوك التقليدية التي يشتكي منها الزبائن، منها الإعفاء من تسيير الحساب، كما أن تاريخ القيمة المعتمد من قبل البنك التشاركي هو تاريخ تسجيل العملية، خلافاً للبنوك التقليدية، حيث ينتج عن أي عملية سحب في يوم دخول المال إلى الحساب الجاري رسوم إضافية بمثابة فوائد ربوية، حيث لا يحتسب وجود الرصيد إلا في اليوم الموالي لتاريخ العملية والذي يكون يوم عمل.
وقال الخبير الاقتصادي نوفل الناصري: إن أهمية تعاملات البنوك الإسلامية على مستوى العالم لا جدال فيها، إذ ارتفعت عدد المؤسسات المالية الإسلامية واتسع انتشارها الجغرافي، فقد بلغ عددها ما يزيد على 2000 مؤسسة، فيها بنوك إسلامية، ونوافذ للخدمات البنكية الإسلامية في البنوك التقليدية، وشركات التكافل ومؤسسات مالية إسلامية أخرى، مثل شركات التمويل والاستثمار.
وما يعزز مكانة ونجاعة التمويل الإسلامي على مستوى العالم، حسب الناصري، تنامي حجم أصول واستثمارات البنوك الإسلامية، التي بلغت 2.4 تريليون دولار سنة 2015 وتجاوزت هذا الرقم في سنة 2016م.
بدوره، أوضح عمر الكتاني الخبير الاقتصادي أن انطلاق البنوك التشاركية سيضخ سيولة نقدية في قطاعات مهمة جداً، ومنها قطاع السكن، الذي يتحكم في عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، معتبراً أن هذا المعطى الجديد مهم بالنسبة للمغاربة وللاقتصاد المغربي.
وأضاف الكتاني أن وجود البنوك التشاركية سيمكن من ضخ أموال، على اعتبار أن الاستثمارات تعني شراء خدمات من الشركات المغربية.>
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

