; معالم على الطريق.. البوسنة بين عجز العلماء وفقدان الوعي!! | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق.. البوسنة بين عجز العلماء وفقدان الوعي!!

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993

مشاهدات 12

نشر في العدد 1057

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 13-يوليو-1993

بادئ ذي بدء يجب أن نسجل أن علماء الأمة الإسلامية منفصلون عن مشاكلها الحقيقية وعن معاناتها الداخلية والخارجية على حد سواء، ولا أقصد بالطبع علماء الدين فقط وإن كانوا في مقدمتهم، وإنما أقصد كل من وضع في موضع الريادة الفكرية والثقافية للأمة، لأن المثقف في العصر الحديث هو من يحمل هموم أمته ويعبر بها المخاطر والعقبات وقد عرف «ادوارد شیلز» المثقف في العصر الحديث بقوله هو من يستطيع تجاوز التجربة الحالية وتمثيل القيم والرموز العامة لمجتمعه أي من يستطيع تجاوز عقبات الأمة ويحافظ على قيمها وتوجهها الحضاري، وعلماء الإسلام بهذا التعريف هم رأس الأمر وسنامه لأمتهم، ولكن وبكثير من الأسف قد حدث فصام نكد جعلهم يتفرقون ويتخلفون عنها، ويحدث مالم يكن منه بد.

1 – انفصلوا عن الأمة ثقافيًّا وشعوريًّا واجتماعيًّا ولم يصبحوا أحزمة أمان أو كوابح للشهوات والتجاوزات التي أحاطت بالأمة كأمراض اجتماعية ونفسية فأفرزت ريادات ثقافية بهلوانية تعيش على دماء الناس وأشلائهم سعيدة هانئة.

٢ – لم يعودوا يمثلون طليعة الأمة الإسلامية حضاريًّا ورياديًّا، أو يعبروا عن عمقها وتوجهها المتميز الكامل الذي يستطيع أن يقوم وبكفاءة بالدور المطلوب.

٣- لم يستطيعوا إدراك توجهات العصر السياسية والعرقية والثقافية والمادية والحربية والتعامل معها باقتدار وفهم وشخصية مستقلة، بل تعرضوا لخداعات كثيرة في شتى الاتجاهات تعاملوا معها بسطحية كبيرة تسببت في تمزقهم إلى فرق متناحرة، تقر اليوم ما تنقضه غدًا وتحارب عن أوهام غيرهم وتطلعاتهم. 

٤- أصيبوا باليأس وفقدان قوة الدفع التي تعتبر وقودًا للأعمال الكبار، لأنهم فقدوا جذوة العقيدة وقوة الاتصال بالله فاشتغلوا موظفين كبارًا أو صغارًا في بلاط المؤسسات السلطوية البائسة وما هكذا كان دور الرجال الكبار، رموز الأمة ومثلها الرائدة يوم أن كانت الأمة في عز سطوتها وقوتها، يروي الإمام السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة»، ما كان بين الإمام محيي الدين النووي وبين الظاهر بيبرس حاكم المسلمين في وقته، حيث طلب الإمام النووي من الظاهر بيبرس أن يرفع الضريبة عن المسلمين لقلة الغلات ولمعاناة الناس من الغلاء في بلاد المسلمين، فلم ينتصح بيبرس وأراد أن يجبر النووي على إقرار ما يفعل، فعند ذلك أجابه النووي قائلًا: «أنا أعرف أنك كنت في الرق للأسير بندقدار، وليس لك من مال، ثم من الله عليك وجعلك ملكًا ،وسمعت أن عندك ألف مملوك كل مملوك له ثياب موشاة بالذهب، وعندك مائة جارية لكل جارية حق من حلى، فإن أنفقت ذلك كله، أفتيك بأخذ مال الرعية، فغضب الظاهر بيبرس وقال له: اخرج من بلدي، فخرج إلى نوى بالشام، فقال الفقهاء: إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدى فأعده فرسم برجوعه، فامتنع الشيخ وقال: لا أدخلها والظاهر بها فمات الظاهر بعد شهر».

إن الأمة التي فيها أمثال هؤلاء لهي أمة حضارية بمعنى الكلمة قبل أن تعرف الدنيا البرلمانات أو الأحزاب المعارضة فهي أكبر من البرلمانات المدجنة، وأقوى من المعارضة وصحفها المنافقة كانوا ضمير الشعب، وقوة المنهج وسياج الأمة، وحفظتها من الانهيار الاجتماعي والسياسي والأخلاقي، لكن أن يتلاعب بالأمة وتقطع وتستباح ولا تجد عالمًا يرفع عقيدته أو يعلو صوته أو يحس شعوره، فهذه هي الداهية التي جعلت الشعوب في الأمة تفقد حتى إحساسها وإنسانيتها أمام بعضها البعض، ويحس الغريب ولا يحسون ويتكلم الأجنبي ولا يتكلمون أو ينطقون بالكارثة، ويستغرب صحفي هذا الموات فيقول: هل كان يعقل أن تقف دول الشرق والغرب ضد شعب البوسنة لو أن الدول العربية والإسلامية وقفت موقفًا موحدًا، وهددت بفرض عقوبات اقتصادية أو حتى مجرد مقاطعة شعبية؟

كيف يبرر ألف مليون نسمة عجزهم أن ينجدوا بأنفسهم شعب البوسنة وأن يستعينوا بالدول الاخرى لمساعدة شعب مسلم يتعرض للإبادة بظلم صارخ وواجبهم هم مساعدته، وهل كان يعقل أن تصمت الأمة صمت القبور وتختبئ السلطة خلف كراسيها لو كان هناك علماء يقولون الحق ويقفون أمام الخنوع وقفة رجال أم أنهم مشغولون بالتوافه عن الفروض وبالواجبات بل حتى عن رقاب المسلمين وأعراضهم، فهل يجوز لعالم أو مثقف بعد اليوم إذا أصابت أمته دائرة أو أطاحت بأمته مصيبة أن يستنجد بأحد والأيام دول!! أو أن يستغيث بمغيث والأيام بين بؤس ونعمى!! أو أن يرفع يديه داعيًا إلى الله والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور!!

الرابط المختصر :